معنی ژوند: لنډه مقدمه
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
ليست تلك نوعية الأفكار التي كانت لتخطر بسهولة على ذهن مفكري عصر التنوير، الذين كانوا يرون أن الخطأ يجب أن يحارب بشجاعة عن طريق الحقيقة. غير أنه مع انتهاء القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، بدأ مفهوم الكذب المنجي أو الخيال الصحي في الظهور تدريجيا. فربما كان الإنسان ليفنى ببساطة بفعل الحقيقة، إذ يذوي تحت وطأة وهجها القاسي الذي لا يرحم. وربما كانت الخيالات والأساطير ليست مجرد أخطاء يجب محوها، وإنما أوهام مفيدة تتيح لنا النجاح والازدهار. وقد لا تكون الحياة أكثر من حادثة بيولوجية، ولا حتى حادثة كانت تنتظر الحدوث؛ ولكنها طورت بداخلنا ظاهرة عشوائية تعرف بالعقل، والذي يمكننا استخدامه لوقاية أنفسنا من المعرفة المخيفة بعرضية وجودنا.
يبدو الأمر وكأن طبيعة تستخدم المعالجة المثلية قد تفضلت بتزويدنا بالترياق إلى جانب السم، وكلاهما يعرف باسم الوعي. فيمكننا أن نوجه عقولنا نحو التخمينات الكئيبة في ظل ما يبدو من عدم اهتمام تلك الطبيعة بالحياة الفردية في خضم اهتمامها بالنوع ككل. أو يمكننا أن نصرف أفكارنا نحو بناء أساطير وخرافات واهبة للحياة - كالدين والإنسانية وما شابه - والتي قد تسبغ علينا مكانة وأهمية في هذا الكون القاسي. إن مثل تلك الأساطير قد لا تكون حقيقية من منظور علمي، ولكننا ربما نكون قد أحدثنا جلبة أكبر من اللازم حول الحقيقة العلمية، مفترضين أنها النوع الوحيد المتاح من الحقيقة. وعلى غرار العلوم الإنسانية بشكل عام، يمكن القول بأن مثل هذه الأساطير والخرافات تحوي نوعيتها الخاصة من الحقيقة؛ تلك الحقيقة التي تكمن في النتائج التي تخلقها أكثر مما تكمن في الافتراضات التي تقدمها. فإذا أتاحت لنا التصرف بحس من القيمة والهدف، فربما إذن تكون حقيقية بما يكفي لكي تستمر.
بوصولنا إلى أعمال منظر القرن العشرين الماركسي لوي ألتوسير، كان هذا الأسلوب في التفكير قد تسرب إلى الماركسية، بمعارضتها الصارمة للوعي الزائف للأيديولوجية. فماذا لو كانت الأيديولوجية ذات ضرورة حيوية؟ ماذا لو كنا بحاجة إليها لإقناع أنفسنا بأننا فاعلين سياسيين قادرين على التصرف باستقلالية؟ ربما تكون النظرية الماركسية على وعي بأن الفرد ليس لديه درجة كبيرة من التماسك أو الاستقلالية، أو حتى الواقعية؛ ولكن الأفراد أنفسهم يجب أن يثقوا أنهم يملكون ذلك إذا كان مقدرا لهم أن يتصرفوا بشكل فعال. ويرى ألتوسير أن مهمة الأيديولوجية الاشتراكية هي تأمين ذلك الوهم المنقذ. وينطبق ذلك بشكل مماثل - من منظور فرويد - على الأنا، التي لا تتجاوز كونها فرعا من اللاشعور، ولكنها شديدة التنظيم بحيث ترى العالم بأكمله يتمحور حولها. فالأنا تعامل نفسها ككيان متماسك مستقل، يعرفه التحليل النفسي بأنه وهم؛ ولكنه وهم صحي، رغم ذلك، لم نكن سنستطيع العمل والتصرف بدونه.
وهكذا يبدو أنه بعيدا عن الحديث عن معنى الحياة، قد نواجه باختيار بين المعنى والحياة. فماذا لو كانت الحقيقة مدمرة للوجود الإنساني؟ ماذا لو كانت قوة ديونيسية مهلكة، كما كان يعتبرها نيتشه في بداياته؛ أو إرادة ضارية كما في تخمينات شوبنهاور الكئيبة؛ أو رغبة مجردة مفترسة عديمة الرحمة كما يرى فرويد؟ يرى الفيلسوف والمحلل النفسي جاك لاكان أن الفاعل الإنساني يمكن إما أن «يعني» شيئا أو «يفعل» شيئا، ولكنه لا يمكن أن يفعل الاثنين معا. وما إن ندخل إلى عالم اللغة، ومن ثم إلى إنسانيتنا، ينقسم ما قد يسميه المرء «حقيقة الفاعل»، أو طبيعة وجوده، إلى سلسلة لا متناهية من المعاني الجزئية. ولا نبلغ المعنى إلا على حساب فقدان الوجود.
كان أول دخول لهذا الشكل من التفكير للكتابات الإنجليزية على نطاق واسع على يد الروائي جوزيف كونراد، الذي استشعر تأثير كل من نيتشه وشوبنهاور. فباعتباره شكوكيا فلسفيا متحمسا، لم يكن كونراد يؤمن بأن مفاهيمنا وقيمنا ومثلنا لها أي أساس في عالم ليس له معنى شأنه شأن الأمواج. غير أن هناك أسبابا أخلاقية وسياسية ملحة تحتم علينا التصرف و«كأنها» راسخة على أساس متين. فإذا لم نفعل، قد تكون الفوضى الاجتماعية واحدة من العواقب غير المرحب بها لذلك. بل إن هناك إطارا تقل فيه أهمية ما نؤمن به عن حقيقة إيماننا في حد ذاتها. وقد انتقل هذا النوع من الشكلية بعد ذلك تدريجيا إلى الوجودية، التي ترى أن حقيقة التزامنا - وليس المحتوى الدقيق لهذا الالتزام - هو السبيل لوجود حقيقي.
ويعد أبطال الكاتب المسرحي آرثر ميلر مثالا على ذلك. فشخصيات مثل ويلي لومان في «وفاة بائع متجول»، أو إيدي كاربون في «مشهد من الجسر»، ملتزمة بنسخة معينة من هوياتها، ومن العالم من حولها، والتي تعتبر من منظور موضوعي نسخة زائفة. على سبيل المثال، يعتقد ويلي أن ما يهم في الحياة هو أن تحظى بالاحترام على المستوى الاجتماعي والنجاح على المستوى الاقتصادي. غير أن ما يشكل أهمية مع هذه الشخصيات التي أعمت نفسها - كما هي الحال مع بعض من أبطال إبسن التراجيديين - هو القوة التي استثمروا بها في هذا الالتزام. فالصلابة البطولية التي ظلوا مخلصين بها لصورهم الذاتية الملتوية هي ما تشكل أهمية في النهاية، على الرغم من أنها تقودهم إلى الضلال والموت. فأن تعيش بإيمان - ربما أي إيمان قديم - يعني أن تبث في حياتك دلالة وأهمية. وبناء على هذه النظرية، يكون معنى الحياة هو مسألة الأسلوب الذي تعيش به هذه الحياة، وليس مسألة محتواها الفعلي.
من الحقائق البديهية لشوبنهاور أن الأحمق فقط هو من يتخيل أن الحياة تستحق أن تعاش. وفي نظره الرمز الأنسب للمشروع الإنساني هو خلد الماء ذو الحوافر:
إن مهمته في الحياة هي الحفر بقوة بقدميه الحافرتين الضخمتين؛ يحيطه الظلام الدامس دائما ... فعلام يحصل من هذا الأسلوب الحياتي المليء بالمتاعب والمجرد من المتعة؟ الغذاء والتناسل، أي فقط الوسائل اللازمة للاستمرار والبدء من جديد في المسار الكئيب نفسه في صورة الفرد الجديد.
5
إن المشروع الإنساني برمته لهو خطأ مريع كان يجب إلغاؤه منذ زمن طويل. ولا يمكن لأحد أن يتخيل عكس ذلك إلا أولئك الحمقى المضللين لأنفسهم، الذين يواجهون بركام التاريخ. لقد كانت القصة الإنسانية واحدة من قصص البؤس المتواصل التي لم يستطع أحد أن يفكر أنها تستحق تحملها سوى من خدعوا بالخبث الوضيع الذي تمارسه الإرادة.
ناپیژندل شوی مخ