بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم خطْبَة الْكتاب الْحَمد الله فالق الإصباح وخالق الْأَرْوَاح والأشباح فاطر الْعُقُول والحواس ومبدع الْأَنْوَاع والأجناس وَالَّذِي لَا بداية لقدمه وَلَا غَايَة لكرمه وَلَا أمد لسلطانه وَلَا عدد لإحسانه خلق الْأَشْيَاء كَمَا شَاءَ بِلَا معِين وَلَا ظهير وأبدع فِي الْإِنْشَاء بِلَا ترو وَلَا تفكير تحلت بعقود حكمته صُدُور الْأَشْيَاء وتجلت بنجوم نعْمَته وُجُوه الْأَحْيَاء جمع بَين الرّوح وَالْبدن بِأَحْسَن تأليف ومزج بقدرته اللَّطِيف بالكثيف قضى كل أَمر مُحكم وأبدع كل صنع مبرم عَجِيب تبصرة وذكرى لكل عبد منيب أَحْمَده وَلَا حمد إِلَّا دون نعمائه وأمجده بأكرم صِفَاته وأشرف أَسْمَائِهِ وأصلي على رَسُوله الدَّاعِي إِلَى الدّين القويم التَّالِي لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم المنتظر فِي دَعْوَة إِبْرَاهِيم نَبيا المبشر بِهِ عِيسَى قومه مَلِيًّا الْمُطَرز اسْمه على ألوية الدّين المقرب مَنْزِلَته وآدَم بَين المَاء والطين ذَلِك مُحَمَّد سيد الْأَوَّلين والآخرين وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين الطاهرين وعَلى أَصْحَابه الْأَنْصَار مِنْهُم والمهاجرين وَسلم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أما بعد فَهَذَا مُخْتَصر يشْتَمل على علم أصُول الدّين وَهُوَ مُرَتّب على أَبْوَاب

1 / 17

الْبَاب الأول فِي المباحث الْمُتَعَلّقَة بِالْعلمِ وَالنَّظَر وَفِيه مسَائِل

1 / 19

الْمَسْأَلَة الأولى الْعلم إِمَّا تصور وَإِمَّا تَصْدِيق فالتصور هُوَ إِدْرَاك الْمَاهِيّة من غير أَن تحكم عَلَيْهَا بِنَفْي أَو إِثْبَات كَقَوْلِك الْإِنْسَان فَإنَّك تفهم أَولا مَعْنَاهُ ثمَّ تحكم عَلَيْهِ إِمَّا بالثبوت وَإِمَّا بالانتفاء فَذَلِك الْفَهم السَّابِق هُوَ التَّصَوُّر والتصديق هُوَ أَن تحكم عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ أَو الْإِثْبَات وَهَهُنَا تقسيمان التَّقْسِيم الأول أَن كل وَاحِد من التَّصَوُّر والتصديق قد يكون بديهيا وَقد يكون كسبيا فالتصورات البديهية مثل تصورنا لِمَعْنى الْحَرَارَة والبرودة والتصورات الكسبية مثل تصورنا لِمَعْنى الْملك وَالْجِنّ والتصديقات البديهة كَقَوْلِنَا النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان والتصديقات الكسبية كَقَوْلِنَا الْإِلَه وَاحِد والعالم مُحدث والتقسيم الثَّانِي التَّصْدِيق إِمَّا أَن يكون مَعَ الْجَزْم أَو لَا مَعَ الْجَزْم أما الْقسم الأول فَهُوَ على أَقسَام أَحدهَا التَّصْدِيق الْجَازِم الَّذِي لَا

1 / 21

يكون مطابقا وَهُوَ الْجَهْل وَثَانِيها التَّصْدِيق الْجَازِم المطابق لمحض التَّقْلِيد وَهُوَ كاعتقاد الْمُقَلّد وَثَالِثهَا التَّصْدِيق الْجَازِم الْمُسْتَفَاد من إِحْدَى الْحَواس الْخمس كعملنا بإحراق النَّار وإشراق الشَّمْس الرَّابِع التَّصْدِيق الْجَازِم الْمُسْتَفَاد ببديهة الْعقل كَقَوْلِنَا النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان لَا التَّصْدِيق الْجَازِم الْمُسْتَفَاد من الدَّلِيل وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ التَّصْدِيق العاري عَن الْجَزْم فالراجح هُوَ الظَّن والمرجوح هُوَ الْوَهم والمساوي هُوَ الشَّك الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا بُد من الِاعْتِرَاف بِوُجُود تصورات وتصديقات بديهية إِذْ لَو كَانَت بأسرها كسبية لافتقر اكتسابها إِلَى تقدم تصورات وتصديقات أخر وَلزِمَ مِنْهُ التسلسل أَو الدّور وهما محالان فَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول اخْتلف النَّاس فِي حد الْعلم وَالْمُخْتَار عندنَا أَنه غَنِي عَن التَّعْرِيف لِأَن كل وَاحِد يعلم بِالضَّرُورَةِ كَونه عَالما بِكَوْن النَّار محرقة وَالشَّمْس مشرقة وَلَو لم يكن الْعلم بِحَقِيقَة الْعلم ضَرُورِيًّا وَإِلَّا لامتنع أَن يكون الْعلم بِهَذَا الْعلم الْمَخْصُوص ضَرُورِيًّا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة النّظر والفكر عبارَة عَن تَرْتِيب مُقَدمَات علمية أَو ظنية ليتوصل بهَا إِلَى تَحْصِيل علم أَو ظن مِثَاله إِذا حضر فِي عقلنا أَن هَذِه الْخَشَبَة قد مستها النَّار وَحضر أَيْضا أَن كل خَشَبَة مستها النَّار فَهِيَ محترقة حصل من مَجْمُوع العلمين الْأَوَّلين علم ثَالِث بِكَوْن هَذِه الْخَشَبَة محترقة فاستحضار العلمين الْأَوَّلين لأجل أَن يتَوَصَّل بهما إِلَى تَحْصِيل هَذَا الْعلم الثَّالِث وَهُوَ النّظر

1 / 22

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قد يُفِيد الْعلم لِأَن من حضر فِي عقله أَن هَذَا الْعَالم متغير وَحضر أَيْضا أَن كل متغير مُمكن فمجموع هذَيْن العلمين يُفِيد الْعلم بِأَن الْعَالم مُمكن وَلَا معنى لقولنا النّظر يُفِيد الْعلم إِلَّا هَذَا دَلِيل آخر إبِْطَال النّظر إِمَّا أَن يكون بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِل وَإِلَّا لما كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ بَين الْعُقَلَاء أَو يكون بِالنّظرِ فَيلْزم مِنْهُ إبِْطَال الشَّيْء بِنَفسِهِ وَهُوَ محَال وَاحْتج المنكرون فَقَالُوا إِذا تفكرنا وَحصل عقيب ذَلِك الْفِكر اعْتِقَاد فَعلمنَا يكون ذَلِك الِاعْتِقَاد حَقًا إِن كَانَ ضَرُورِيًّا وَجب أَن لَا تخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِن كَانَ نظريا افْتقر ذَلِك إِلَى نظر آخر وَلزِمَ التسلسل وَالْجَوَاب أَنه ضَرُورِيّ فَإِن كل مَا أَتَى بِالنّظرِ على الْوَجْه الصَّحِيح علم بِالضَّرُورَةِ كَون ذَلِك الِاعْتِقَاد حَقًا الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة حَاصِل الْكَلَام فِي النّظر هُوَ أَن يحصل فِي الذِّهْن علمَان وهما يوجبان علما آخر فالتوصل بذلك الْمُوجب إِلَى ذَلِك الْمُوجب الْمَطْلُوب هُوَ النّظر وَذَلِكَ الْمُوجب هُوَ الدَّلِيل فَنَقُول ذَلِك الدَّلِيل إِمَّا أَن يكون هُوَ الْعلَّة كالاستدلال بمماسة النَّار على الاحتراق أَو الْمَعْلُول الْمسَاوِي كالاستدلال بِحُصُول الاحتراق على مماسة النَّار وَالِاسْتِدْلَال بِأحد المعلومين على الآخر كالاستدلال بِحُصُول الْإِشْرَاق على حُصُول الإحراق فَإِنَّهُمَا معلولا عِلّة وَاحِدَة فِي الْأَجْسَام السفلية وَهِي الطبيعة النارية

1 / 23

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.