معالم المدرستین
معالم المدرستين
د چاپ کال
1410 - 1990 م
معالم المدرستين
مخ ۱
مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع الحاج حسن الكتبي تتعهد المؤسسة لكافة المؤلفين والناشرين الكرام داخل لبنان وخارجه بطبع كتبهم وصفها (بالكمبيوتر): وكذلك التصحيح والورق والتجليد الفني بأسعار مرضية، كما تزود المكتبات ودور النشر بكتبها وكتب دور النشر الأخرى وحسب الطلب.
اتصلوا بنا على العنوان التالي:
بيروت - لبنان حارة حريك - شارع دكاش ص. ب: 229 / 25.
مخ ۲
معالم المدرستين بحوث ممهدة لتوحيد كلمة المسلمين الجزء الأول بحوث المدرستين في الصحابة والإمامة تأليف العلامة السيد مرتضى العسكري مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - حارة حريك - شارع دكاش - ص ب: 229 / 25
مخ ۳
الاهداء بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا امام العصر ورحمة الله وبركاته سيدي يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله إليك أهدي هذا المجهود الضئيل.
" يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين ".
أيها الجواد الكريم اشفع لنا عند الله ليغفر لنا ذنوبنا ويكشف عنا وعن قومنا الضر إنه أرحم الراحمين.
صغير خدامكم مرتضى العسكري
مخ ۵
كلمة الناشر:
بسمه تعالى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فيسر مؤسسة النعمان التي عودت قراءها على نشر نفائس الكتب لخيرة المؤلفين أن تتحفهم هذه المرة بكتاب (معالم المدرسين) لمؤلفه حجة الاسلام والمسلمين السيد مرتضى العسكري دام تأييده.
أما المؤلف فغني عن التعريف، فهو صاحب الخدمات المشكورة في كل الميادين الاجتماعية والثقافية، من تأسيس الجمعيات الخيرية إلى تأسيس المدارس الدينية، وناهيك ما في تأسيسه لكلية أصول الدين ببغداد وتربية جيلا من خيرة الشباب.
ثم تحقيقاته وأبحاثه القيمة التي أتحف بها المكتبة الاسلامية فكانت في الطراز الأول مما أنتجه الباحثون الخبراء من عمق في التفكير وبعد في النظر فاقرأ إن شئت أي مؤلف من مؤلفاته الغزيرة الفائدة (مائة وخمسون صحابي مختلف، أو أحاديث السيدة عائشة، أو ابن سبأ) لتقف على حقيقة ما ذكرنا وتتأكد من صحة ما قلناه.
ثم جاء هذا المؤلف النفيس ليكمل تلك الأبحاث الجليلة، ويصحح أخطاء التاريخ، ويحاكم الاحداث بأسلوبه الرصين الحجة، الواضح الديباجة، السلس البيان، البليغ العبارة، إحقاقا للحق، وذبا عن الدين، وجلاء للحقيقة، وأداء للواجب فجزاه الله عن الاسلام وأهله خير الجزاء، ووفاه أجر المجاهدين.
وقد تشرفت بزيارته في العام الماضي ببيروت وأبديت رغبتي بإعادة طبعه، وكان طبع منه جزء واحد في إيران، فتلقى طلبي هذا برحابة صدر وشجعني وأخبرني أن جزئين آخرين قد أنجزا وأجازني بطبع الاجزاء الثلاثة، وها أنا ذا أقدمها للقراء الكرام سائلا المولى عز وجل أن يتقبل هذا الجهد الجليل من مؤلفه دام ظله ويطيل عمره الشريف لاكمال مشروعه الضخم ويوفقني لنشره إنه سميع مجيب. حسن الشيخ إبراهيم الكتبي
مخ ۶
مقدمة الطبعة الثانية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وأفضل المرسلين محمد وآله الطاهرين وعلى أصحابه الميامين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد منعني المرض في الطبعة الأولى من كتابة البحوث اللازمة في مقدمة الكتاب وبعد أن خفت وطأته نوعا ما والحمد لله انجزت قسما من البحوث الهامة وقدمتها امام الكتاب، مع يسير من الإضافات اللازمة في أصل الكتاب وعاقني المرض - أيضا - عن التنظيم والتعبير كما ينبغي.
هذا عذري لأهل العلم والمعرفة في ما يجدونه فيها من خلل ونقص. واني حين أقدم الكتاب إلى الملا الاسلامي الكريم أرجو ان يقرؤوه بتجرد علمي وينبهوني إلى ما فيه من خطأ يلازم الانسان غير المعصوم، أخذ الله بأيدينا جميعا إلى ما فيه الخير والصواب.
المؤلف
مخ ۷
بسم الله الرحمن الرحيم فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
الزمر 17 - 18
مخ ۸
مخطط بحوث الكتاب بحوث تمهيدية تبين منشأ الخلاف بين مدرستي الإمامة والخلافة وتنقسم بحوث الكتاب بعدها إلى قسمين:
القسم الأول - بحوث مصادر الشريعة الاسلامية لدى المدرستين وسبل الوصول إليها وعليها تبنى العقيدة الاسلامية واحكامها وتشمل والبحوث الخمسة الآتية:
أ - بحوث المدرستين في الصحبة والصحابة.
ب - بحوث المدرستين في الإمامة والخلافة وهما من سبل الوصول إلى الشريعة الاسلامية وتكوين الرؤية الصحيحة للاسلام.
ج - بحوث المدرستين في مصادر الشريعة الاسلامية وبحث كيفية اتخاذ مدرسة الخلفاء الاجتهاد والعمل بالرأي من مصادر الشريعة الاسلامية في عداد كتاب الله وسنة رسوله (ص) وبها يتم بحث مصادر الشريعة الاسلامية وسبل الوصول إليها لدى مدرسة الخلفاء.
د - قيام الإمام الحسين (ع) ضد الانحراف عن سنة الرسول بسبب الاجتهاد والعمل بالرأي.
ه - تمكن أئمة أهل البيت (ع) من إعادة سنة الرسول إلى المجتمع بعد قيام الإمام الحسين ، وتمكن مدرستهم من نشر سنة الرسول (ص) بعد ذلك، وبهذا يتم بحث مصادر الشريعة الاسلامية وسبل الوصول إليها لدى مدرسة أهل البيت وتتم بذلك بحوث الأسس الفكرية لدى المدرستين.
القسم الثاني - في بيان أنواع نشاط اتباع المدرستين الفكري والسياسي والاجتماعي ويشمل الأبواب الأربعة الآتية انشاء الله تعالى:
ا - انتشار أفكار مدرسة الخلافة من إيران وقيام دول اتباعهم فيها.
ب - حملة المغول على البلاد الاسلامية وتقويظهم الخلافة العباسية ببغداد.
ج - انتشار التشيع في القسم التابع لبلد الكوفة من إيران خاصة ونشاط سكانه في نشر أفكار مدرسة أهل البيت (ع) وقيام دول اتباعهم فيه.
د - افتراءات على مدرسة أهل البيت (ع).
مخ ۹
بحوث تمهيدية
مخ ۱۱
بسم الله الرحمن الرحيم
مخ ۱۲
- 1 - شرع الله للانسان بمقتضى ربوبيته من الدين ما ينظم حياته ويسعده ويوصله إلى درجة الكمال الانساني وهداه بواسطة أنبيائه إليه وسماه الاسلام (1). كما سن لجميع مخلوقاته أنظمة تتناسب وفطرتهم وتوصلهم إلى درجة الكمال في وجودهم وهداهم إلى السير بموجبها الهاميا أو تسخيريا (2).
وكان النوع الانساني كلما توفي رسول من رسل الله في أمة منه قام أصحاب الطول والسلطان من تلك الأمة بتحريف ما يخالف هوى أنفسهم من شريعة نبيهم أو كتمانه ثم ينسبون ما لديهم من الشريعة المحرفة إلى الله ورسوله (3).
مخ ۱۳
ثم يجدد الله دين الاسلام بارسال نبي جديد ينسخ بعض الشعائر والطقوس التي لامسها التحريف. ولما ارسل الله خاتم أنبيائه محمد (ص) بالقرآن انزل فيه أصول الاسلام من عقائد واحكام في آيات محكمة وأوحى إليه تفصيل ما انزل في القرآن ليبين للناس ما نزل إليهم (1) فعلمهم الرسول شرائع الاسلام من كيفية ركعات الصلاة وتعدادها، وما يمسكون عنه في الصوم وشرائطه، والطواف وأشواطه وبدايته ونهايته. إلى غيرها من احكام واجبة ومستحبة ومحرمة، فتكون منها لدى المسلمين الحديث النبوي الشريف، وكذلك جعل الله تجسيد الاسلام في سيرة رسول الله (ص) وأمر الناس باتباعه في قوله تعالى:
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " الأحزاب / 21. وسمي مجموع السيرة والحديث النبوي في الشرع الاسلامي بالسنة وأمرنا الله ورسوله باتباع سنة الرسول (2).
وهكذا أكمل الله تبليغ الاسلام إلينا في القرآن والسنة النبوية، وتوفي الرسول (ص) بعد ان أخبر أمته وحذرها بأنه يجري في هذه الأمة ما جرى في الأمم السابقة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وأنه لو دخل من الأمم السابقة أحدهم في جحر ضب لدخل من هذه الأمة أحدهم كذلك في جحر ضب (3).
وكان من أمر التحريف في هذه الأمة أن الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن من
مخ ۱۴
أن تناله يد التحريف وقال: " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " وقال: " لا يأتيه الباطن من بين يديه ولا من خلفه ".
وأما السنة التي رويت لنا سيرة وحديثا في روايات كثيرة فان الله لم يحفظها من التحريف كما يتضح ذلك جليا في اختلاف الروايات النبوية التي بأيدي جميع المسلمين اليوم ولتعارض بعضها مع بعض. وأدى الاختلاف في الحديث الشريف إلى أن يهتم بعض العلماء بمعالجتها وألفوا كتبا أمثال:
تأويل مختلف الحديث (1) وبيان مشكل الحديث (2) وبيان مشكلات الآثار (3).
ومن جراء اختلاف الأحاديث اختلف المسلمون في فهم القرآن وتشتتت كلمتهم أبد الدهر، أضف إليه وجودهم في بيئات مختلفة، ومعاشرتهم أهل الآراء والملل والنحل الأخرى، كل ذلك أدى إلى اختلاف رؤيتهم للاسلام، وبادر بعضهم إلى تأويل الآيات الكريمة والصحيح مما بأيديهم من الحديث الشريف وفقا لرأيهم ورؤيتهم للاسلام، وأدى بهم ذلك إلى القطيعة في ما بينهم وعدم استماع بعضهم آراء الآخرين، والى تكفير بعضهم البعض الاخر، ثم هاجمت قوى الكفر الغازية بلاد
مخ ۱۵
الاسلام والمسلمين بأفتك سلاح هدام حين حاربت الاسلام بسلاح الفكر المستورد من بلادهم والتي أعدها ونظمها المبشرون المستشرقون من النصارى واليهود وروجها دعاة أفكارهم في بلادنا باسم (الاسلام المتطور حسب حاجة العصر) وسلط الغزاة الكفرة الأضواء على خريجي مدارس المستشرقين في بلادنا ونوهوا بأسمائهم ودفعوهم إلى الواجهة باسم المصلحين للاسلام ومنوري الفكر والتقدميين، فكان في الهند منهم السير سيد احمد مؤسس جامعة على كرة الاسلامية وفي مصر أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل، وقاسم أمين نصير المرأة، وفي العراق علي الوردي أستاذ علم الاجتماع (1)، وفي غيرها غيرهم، وكان افتك سلاح بأيدي هؤلاء ما تذرعوا به في حرب الاسلام باسم تعريف الاسلام وتعريف الشخصيات الاسلامية مثل ما فعل السير سيد احمد حين كتب تفسير القرآن حسب زعمه، وكل محاولات هؤلاء وأساتذتهم المستشرقين ترمي إلى شئ واحد وتستهدفه، وهو ما قاله أحدهم " لا يقتل الدين الا بسيف الدين " وفي سبيل تحقيق هذه الخطة يفسرون القرآن ويشرحون الحديث النبوي الشريف ويكتبون سيرة الرسول والأئمة، يحاولون في كل ما يعملون ان يجردوا الجميع من الاتصال بالغيب، واراءتها على أنها من طبيعة البشر، ثم يلوحون من طرف خفي وأحيانا يصرحون جليا أن كل فرد منهم وكل شئ من الاسلام كان متناسبا مع زمانه وكان تقدميا في عصره ونافعا للبشر في حينه اما اليوم فنحن بحاجة إلى تطوير الاسلام وتجديده ليطابق مقتضيات العصر وحاجة أهله، وهؤلاء مع سلاحهم هذا الخفي اثره على الكثير أضر على الاسلام والمسلمين من بعض السياسيين العملاء للغزاة الكفرة في بلادنا والذين نصبوهم حكاما لبلاد المسلمين بما قاموا به في الحرب الفكرية من تحريف لحقائق الاسلام باسم تعريف الاسلام أحيانا والاسلام المتطور الملبي لحاجات العصر آونة أخرى (2)، من كل ما ذكرنا يظهر جليا أن المسلمين في هذا اليوم وبعد كل ما مر على الاسلام من تيارات فكرية بحاجة شديدة إلى دراسات مستفيضة لأقوال الفرق الاسلامية وتمحيص ما لديها خلافا لما يراه بعض المسلمين الغيارى الذين يرون السكوت عن كل ذلك أولى حفظا لوحدة
مخ ۱۶
المسلمين! ولست أدري كيف يتم دلك مع وجود الخوارج (1) الذين بنيت أصول عقائدهم على تكفير عامة المسلمين وأنهم هم وحدهم المسلمون وما عداهم مشركون وعلى التبري من الخليفة عثمان والإمام علي وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير ومن كان معهم ثم لعن أولئك ولعن جميع المسلمين.
كيف يتم ذلك وفي المسلمين من تتوق نفسه إلى زيارة قبر الرسول الأكرم (ص) وأئمة المسلمين والتبرك بها والاستشفاع والتوسل بهم إلى الله، وفيهم من يرى كل ذلك شركا لله وخروجا على الاسلام وبدعة محرمة وبذلك يرون أن جميع المسلمين بعد القرن الثالث الهجري إلى اليوم مشركون وقد هدموا مساجد المسلمين التي بنيت في طريق غار حراء وأمثاله من الأماكن المتبركة إلى جانب تهديمهم قبور أئمة المسلمين وأمهات المؤمنين وعم الرسول وابن الرسول وصحابته وشهداء أحد!؟
ولا يفعل مثل ذلك مع اليهود وتوراتهم والنصارى وبيعهم وكنائسهم وفيها ما فيها من الصلبان وتماثيل عيسى ومريم عليهما السلام وهم يعلنون ان عيسى ربهم وان الله ثالث ثلاثة معاذ الله وإنما يعاهدون ولا يقال لهم أنتم مشركون.
ثم إن المسائل المذكورة ونظائرها ليست مسائل تخص الفرد المسلم مثل اسبال اليدين في الصلاة الذي تراه مدرسة أهل البيت والمالكية خلافا للأحناف والحنابلة الذين يرون وجوب التكتيف ومثل الاختلاف في غسل الرجلين أو مسحهما في الوضوء مما يتيسر للفرد المسلم ان يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه اجتهادا أو تقليدا ويستطيع الفرد الآخر المخالف له في الرأي - أيضا - ان يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه ويمكن لهما مع ذلك ان يعيشا في وفاق في مجتمع اسلامي واحد وإنما هي مما يبنى المجتمع عليها، فاما أن يبني المجتمع على هذه العقيدة وتزول تلك أو يبني على تلك وتزول هذه.
وهي ليست بعد قضايا سياسية غير دينية يمكن التغاضي عنها حفظا لوحدة المسلمين، وان نشر ملايين النسخ من أمثال كتاب " وجاء دور المجوس " بأسماء مستعارة وغير مستعارة وانفاق بعض الحكومات على أمثالها لتنسب إلى أمة كبيرة من المسلمين الخروج عن الاسلام وانفاقها ملايين في نشر دعايتها في آلاف المعاهد والمساجد والمدارس بجميع أقطار الأرض: أن ما عداهم من المسلمين مشركون بالإضافة
مخ ۱۷
إلى ايفاد آلاف المبعوثين كذلك إلى جميع أقطار الأرض لنشر دعايتها من جانب واحد، ان كل ذلك لم يكن بدافع سياسي غير ديني.
كما أنها ليست من قضايا أوجدها الاستعمار لإيجاد التفرقة بين المسلمين ليحسن السكوت عليها، بل هي قضايا كانت قائمة ومنتشرة في المجتمع الاسلامي منذ عصر امام الحنابلة أحمد (ت 240 ه) وعصر الشيخ ابن تيمية (ت 728 ه) من أتباع مدرسته بل وقبلهما وبعدهما إلى اليوم، وان قتل مئات الألوف من المسلمين وحرق مكتباتهم في شتى العصور ومختلف البلاد خير دليل علي ما نقول، فهي اذن مما يستفاد منها سياسيا من قبل تلك الحكومة أو ذلك الاستعمار، متى ما شاءت تلك أو شاء هذا، في ما إذا لم تعالج، ثم إنها كما ذكرنا عقائد راسخة والسكوت عنها على مضض لن يحقق وحدة بين المسلمين ولا تقاربا ولا تفاهما، بل يعمق الجرح ويوسع شقة الخلاف ويطيل أمدها.
ولمزيد التوضيح وإقامة الدليل على ما بينت، أذكر بعض مشاهداتي من آثار مسائل الخلاف بين أبناء الأمة الاسلامية في ما يأتي:
مخ ۱۸
- 2 - بعض ما شاهدت من آثار الخلاف بين أبناء الأمة الاسلامية اعتمدت في ما أشرت إليه آنفا من تكفير المسلمين بعضهم البعض الاخر وما سأذكره منها في ما يأتي مع أنواع من استدلالهم بالإضافة إلى ما ورد في الكتب المطبوعة إلى مشاهداتي في أسفاري إلى البلاد الاسلامية واجتماعي بعلماء فرق المسلمين ومفكريهم وأبناء شعوبهم وخاصة في سفراتي الشعر لحج بيت الله الحرام.
في السفرة الأولى وكان مما رأيت في سفري الأول للحج على عهد الملك عبد العزيز آل سعود: ان ركبنا - ركب الحاج العراقي - عندما بلغ مدينة الرماح من بلاد الحكومة السعودية، مكثنا فيها أربعا وعشرين ساعة واشتركنا جميعا في أداء الفرائض جماعة بمسجدهم ولما دنت ساعة الرحيل اجتمع علينا لفيف من أهالي المدينة يشاهدون رحيلنا فحضر حشدهم من بدا عليه انه كان من ذوي معرفتهم، وخطب فيهم وأشار إلى افراد الحاج وقال " هؤلاء مشركون " وقال أيضا " هؤلاء يبكون على الحسن والحسين " ثم أشار إلي وقال: " هذا مطوعهم لو يطيح بيدي اذبحوا والطع دمو " فانبرى له أحد الحجاج وقال " لماذا نحن مشركون نحن حججنا بيت الله، زرنا قبر النبي... " فإذا به يرعد ويزبد ويقول له:
" أشركت، لو يجي أبو أبو سعود ما يحامي عنك. ويش محمد: محمد رجالا مثلي " أي لا يستطيع الملك بسلطته ولا يستطيع جده سعود ان ينجيك مني. وأي شئ كان محمدا محمد كان رجلا مثلي وقد مات وانتهى اثره.
فارتعد الحاج العراقي وقال: ماذا أقول؟ ماذا أقول؟ فقال له: قل ما هو ضار الا الله، ما هو نافع الا الله، فردد الحاج ما لقنه إياه، فانبرى له حاج عراقي آخر وقال له:
مخ ۱۹
" محمد رجالا مثلك؟ " فأكد قوله ثانية وقال: " محمد رجالا مثلي، مات " فقال له الحاج " محمد نزل عليه القرآن وينزل عليك القرآن؟ " فلم يحر جوابا، وبادرنا ركوب السيارات وتحركت بنا.
وكان في ركبنا حاج يحمل جواز سفر سعودي ويسكن العراق، فلما بلغنا الحدود وشاهده موظف الجوازات السعودي، انتهره وقال له مستهزئا ومستنكرا: تترك بلاد الاسلام وتسكن بلاد الشرك فأخذ الحاج السعودي يتذلل له ويتخشع ويدعو له ويطلب جوازه حتى ارجع إليه جوازه!!!
في السفرة الثانية:
كان علماء العراق يومذاك يحملون هم إعادة الاحكام الاسلامية إلى المجتمع، يوقظون أبناء الأمة الاسلامية في سبيل المطالبة بها، في مساجدهم واحتفالاتهم ومهرجاناتهم ويعارضون السلطة في تشريعاتها قوانين مخالفة للأحكام الاسلامية، وكنا نتنسم أخبار تحركات المسلمين في هذا السبيل في أي مكان كان، نؤيد ثورة الجزائر ضد فرنسا وندعم الثورة الفلسطينية بكل ما أوتينا من حول وقوة ونستطلع أخبار الثورة الإريتيرية ضد الأحباش ونرى من لوازم نجاح المعركة في سبيل إعادة الاحكام الاسلامية توعية المسلمين في هذا السبيل ثم تكاتفهم وتعاونهم في هذا الصدد ونسيان مسائل الخلاف في ما بينهم.
ولما نشبت المعركة الاسلامية في إيران بين سلطة الطاغوت وعلماء المسلمين يومذاك بدءا بمعركتهم من المدرسة الفيضية في الجامعة الاسلامية الكبرى بقم في اليوم الخامس والعشرين من شوال سنة 1382 ه، استبشرنا بها خيرا وحشدنا كل طاقاتنا لمساعدتها وجندنا أنفسنا لخدمتها، فقام علماء العراق بكل ما أوتوا من حول وقوة بتأييدها، جزاهم الله جميعا خيرا.
وكنت ممن أقام الحفلات التأبينية وأقمت ثلاث ليال حفلة تأبينية كبرى في بغداد، ألقيت فيها خطب توجيهية توضح أبعاد المعركة الاسلامية في إيران وآثارها ومغزاها.
في مثل هذا الظرف سافرت إلى الحج وانا احمل معي شعارا وأطروحة، شعاري الدعوة لتوحيد كلمة المسلمين في سبيل إعادة حياة اسلامية في البلاد الاسلامية وأطروحتي النهضة الاسلامية المتمثلة بالنهضة الاسلامية التي بدت طلائعها في إيران من
مخ ۲۰
قبل علماء المسلمين، وكنت أبذل الجهد في شرح دوافعها لقادة المسلمين ومفكريهم واستنهاضهم لمساعدتها وبيان ان معركة المسلمين في سبيل إعادة الاحكام الاسلامية واحدة وانه إذا نجحت المعركة في أي بلد اسلامي فإنه ستنتشر آثارها إلى غيرها ويعم المسلمين خبرها، وكلي أمل ورجاء أني سوف أجد اذنا صاغية لما أعرض من مأساة المسلمين في إيران مع بيان وحدة القضية ووحدة المصير.
اجتمعت في هذه السفرة بقادة الاخوان المسلمين في سوريا وسعيد رمضان بمكة ومحمد آدم، رئيس الثورة الإريترية في موقف عرفات ومثقفي الفلسطينيين في الأردن وبيت المقدس ومحرري الصحف الاسلامية وعلماء المسلمين وخطبائهم وقادة الحركات الاسلامية أمثال أبي الحسن الندوى وأبي الاعلى المودودي رئيس الجماعة الاسلامية بباكستان يومذاك إلى غيرهم.
بدأت عملي في المدينة بالمساهمة في كتابة المناشير التي كانوا يعدونها للتوزيع على الحجيج، فأجريت تعديلات على صيغ المناشير، شرحنا فيها أبعاد النهضة الاسلامية في إيران وتبين ظلم حكومة الطاغوت وعمالتها لدول الكفر، نستنهض فيها المسلمين لإعانة أبناء الأمة الاسلامية في إيران، ورجحت توزيعها ليلة العيد على الحجاج في المشعر الحرام، غير أني بوغت مساء السابع من ذي الحجة في مكة المكرمة بأن الشيخ المسؤول عن توزيعها وزع بعضها في الحرم المكي الشريف فألقي القبض عليه وزج في السجن وحجزت النشرات كافة. فاجتمعنا نحن علماء العراق وإيران يوم العيد بولي العهد فيصل، يومذاك، نطلب منه اطلاق سراح الموقوف والنشرات المحجوزة، فاغتنمت الفرصة وقلت إن حكومتكم رفعت شعار تنفيذ أحكام القرآن في هذا البلد، وعليه يقتضي أن تعينوا المسلمين الذين يجاهدون في سبيل تطبيق أحكام القرآن في بلادهم ويصدمون بحكومات بلادهم الذين يريدون تنفيذ أحكام الكفر، وأن تجعلوا من البلد الحرام ملجأ للمشردين منهم وتساعدوهم في شرح ظلامتهم لاخوانهم الحجيج، وذلك هو مصداق قوله تعالى: " ليشهدوا منافع لهم ". ثم ذكرت قيام علماء المسلمين في الجامعة الاسلامية الكبرى بقم وأسهبت في شرح أبعاد النهضة الاسلامية الطالعة بإيران، وواجب قادة المسلمين خاصة الحكومة السعودية تجاهه، وختمت حديثي بشرح قضية العالم الذي وزع نشرات التظلم على المسلمين وتوقيفه، وجرت حول ذلك بيننا مناقشات، أدت إلى إطلاق سراح الموقوف.
مخ ۲۱
ونشرت الصحف بعد أداء المناسك ورجوعنا إلى مكة دعوة للحضور في المسجد الهندي بمكة مساء الجمعة للاستماع إلى خطبة الأستاذ المودودي فحضرنا الاحتفال بعد صلاة العشاء والقى الأستاذ المحاضر خطبة (1) ذكر فيها ثمانية أمور تلزم المسلمين لإعادة الحياة الاسلامية إلى المجتمع وتقدمت بعده خلف المذياع وخطبت معلقا على خطابه وقلت:
ان المسلمين في نهضتهم اليوم بحاجة إلى ثلاثة أمور:
أولا - ان المسلمين بعد مضي أربعة عشر قرنا من بعثة الرسول الأكرم (ص) والظروف التي مرت عليهم بحاجة إلى دراسة موضوعية مستوعبة لكيفية استنباط الاحكام من مصادر الشريعة الاسلامية ودراية الحديث وفقه السنة وترك البقاء على تقليد العلماء السلف في كل ذلك.
ثانيا - ان الغزاة الكفرة لبلاد الاسلام - المستعمرين - استطاعوا ان يشتتوا كلمة المسلمين وبذلك استطاعوا ان يقضوا على كل حركة اسلامية في أي مكان تظهر، ثم شرحت ثورة الجزائر ضد الفرنسيين والإريتيريين ضد الأحباش وعلماء إيران ضد الطاغوت العميل وأسهبت في شرحه واستنهضت همم المسلمين لمساعدتهم.
وذكرت ثالثا اننا اليوم بحاجة إلى ايمان كايمان أبي ذر وعمار وسمية وشرحت ما تحملوا من الأذى في ارض مكة التي نحن عليها في سبيل الاسلام.
وفي المدينة المنورة بلغ عميد الجامعة الاسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز خبر لقاءاتي بالوفود الاسلامية وان أحد علماء بغداد، من وصفه كذا وكذا، فظنني من اتباع مدرسة الخلفاء ورغب أن أزور الجامعة الاسلامية بالمدينة وكانت جديدة التأسيس وأرسل إلينا من سيارات الجامعة ما حملتنا إليها مع بعض علماء بغداد ومثقفيها ووجهائها وكان أساتذتها قد اجتمعوا في بهو كبير بانتظارنا واستقبلونا فيه واحتشد على نوافذ البهو فريق من الطلاب لمشاهدتنا ولما استقربنا الجلوس بدأت بعد حمد الله والثناء عليه بتقديم تحايا علماء المسلمين في العراق لهم وتهانيهم بتأسيسهم الجامعة الاسلامية في
مخ ۲۲