وفي السابع والعشرين من الشهر تصل رسائلي أخيرا. فيتألق من الفرح ويأخذ في كتابة أشياء جنونية، لكنه يكتب أيضا:
ها نحن أولاء معا من جديد، وأكبت النحيب، وأترك جفني شبه مغمضين لأمنع سيلان الدموع.
وعندما أقرأ ذلك، متخيلة ذلك الجهد الرهيب الذي كان عليه أن يبذله لإملاء هذه الكلمات التي تحرقه، كان جفناي لا يمنعان سيلان الدموع.
اعذري فرنسيتي (كان يتوهم؛ فقد كان يكتب على نحو رائع). اعذري أفكاري؛ فأنا لا أفكر وإنما أحب. ما أصعب قول ذلك! لن يعرف الإنسان نفسه على الإطلاق، وسيبقى دوما في أنفسنا شيء ما نستشعره دون أن نفهمه مطلقا.
وفي التاسع والعشرين من يونيو، وهو ذكرى خطوبتنا، أتلقى برقية سأجد فيها: «لا مجرد كلمات، وإنما المخلص لك، وإنما صديقك على وجه الخصوص.» وهو يقولها إذن بدوره، تلك الكلمة التي بدأت بها رسالتي الأولى على ظهر السفينة، تلك الكلمة التي ما أكثر ما رددتها ذلك الصباح المصيري، والتي لم أكف عن مناداته بها.
لم يكن بوسعه أن يعرف أنه سيحملني على الابتسام، كما هو الأمر دوما عندما أكون حزينة؛ فالرسالة التي تبعت البرقية كانت تعيد إلى ذاكرتي بمرح أنه في مثل هذا اليوم المهيب ذهبنا معا لشراء «لتر» من الكحول لنوقد مصباحنا!
على أن الحزن ما لبث أن غمره في اليوم التالي برغم جهود الأصدقاء:
فمصطفى يبدو في منتهى اللطف، وكذلك منصور؛ فهما يفعلان كل ما بوسعهما للترويح عني، وعندما يتحدثان إلي، فإنني أجد في صوتهما شيئا يمس شغاف القلب مني.
والمصيبة، كانت في أن «أصدقاء» آخرين - مختلفين كليا - كانوا لا يجدون حرجا في المجيء والإقامة عندنا. فيغضب طه، وسأغضب أكثر من غضبه أيضا، بما أنني كنت أدرك ما كانوا يسببونه له من ضيق:
بلطف زائد - في زعمهم - بلطف زائد، كما ترين، تماما كإنجلترا التي تحاول أن توطد احتلالها لمصر بإعطائه اسم الاستقلال، واستيلاءها على بلاد ما بين النهرين بإعطائه اسم الانتداب.
ناپیژندل شوی مخ