معك
إننا لا نحيا لنكون سعداء.
عندما قلت لي هذه الكلمات في عام 1934 أصابني الذهول، لكنني أدرك الآن ماذا كنت تعني، وأعرف أنه عندما يكون شأن المرء شأن طه، فإنه لا يعيش ليكون سعيدا وإنما لأداء ما طلب منه. لقد كنا على حافة اليأس، ورحت أفكر: «لا، إننا لا نحيا لنكون سعداء، ولا حتى لنجعل الآخرين سعداء.» لكني كنت على خطأ؛ فلقد منحت الفرح، وبذلت ما في نفسك من الشجاعة والإيمان والأمل. كنت تعرف تماما أنه لا وجود لهذه السعادة على الأرض، وأنك أساسا، بما تمتاز به من زهد النفوس العظيمة، لم تكن تبحث عنها، فهل يحظر علي الأمل بأن تكون هذه السعادة قد منحت لك الآن؟
موينا-ترانتان
1
اليوم، التاسع من يوليو 1975؛ أي بعد مضي ثمانية وخمسين عاما على اليوم الذي وحدنا فيه حياتينا، وبعد مضي ما يقرب من العامين على رحيلك عني، سأحاول أن أتحدث عنك ما دام قد طلب إلي ذلك. أولئك الذين يعرفون حياتك العامة، ويعرفون عن حياتك عالما وكاتبا أكثر مما أعرف عنها أنا نفسي، كتبوا وسيكتبون مؤلفات جميلة وعميقة عنك. أما أنا، فإنني أريد بكل بساطة أن أخلد للذكرى مستعيدة ذلك الحنان الهائل الذي لا يعوض؛ ولا شك أنك تدرك ذلك، أنت الذي كتبت لي ذات يوم: «لسنا معتادين على أن يتألم الواحد منا بمعزل عن الآخر.» لقد قضينا في قلب هذا الوادي، في قلب «الدولوميت
Dolomites »، أسابيع طويلة من الصيف خلال ثمانية أعوام؛ وقبل عامين، كنا نقضي فيه أيضا أسابيع أخرى. لقد أردت العودة إليه، لكنك لم تكن قادرا على المشي، وما كنت لأتركك وحدك قط. كان سكرتيرك يقرأ لك القرآن والتوراة، كتابان كانا دوما ضمن حقائبنا مع كتب أخرى كنا نحملها، نصوص قديمة أو مؤلفات حديثة. وكنت أترجم لك مقالات من صحيفة «كورييه دو لاسيرا
Corriere della Sera »؛ لأن الصحف الفرنسية لم تكن تصل إلى هذه البلدة الصغيرة، ولأنك لم تكن تعرف اللغة الإيطالية. أما في المساء، فقد كنا نتشبث بجهاز الترانزستور لنستمع إلى الأخبار من إذاعة مونت كارلو، أو إلى إذاعة فرنسا المحلية. وكنا نبحث بتلهف عن حفلة موسيقية جميلة؛ وما كان أشد فرحنا حين نستطيع التقاط مهرجان ستراسبورج أو نستمع إلى إحدى المسرحيات. ونادرا ما كنا نوفق إلى برنامج إذاعي من مصر.
وكانت تلك الأيام - الأخيرة تقريبا - شبيهة بأيام رحلاتنا الإيطالية الأخرى في تلك اللحظة من حياتك. لقد قمت بها جميعا مرة أخرى في العام الماضي. ففي يوم 21 يونيو 1974، كنت أصل «جاردون
Gardone »
ناپیژندل شوی مخ