78

وكان الليل قد لف الصحراء ولمعت الكواكب في السماء الصافية بعد أن رها الهواء وسكنت العاصفة، وبلغ الفرسان ساحة النجع، فنزل المماليك أتباع السلطان يختارون المواضع لإقامة خيامهم، في حين سار السلطان وأمراؤه الستة نحو خيمة الأمير العربي.

ومد السماط بالطعام بعد حين واجتمع عليه شيوخ العرب من قبائل محارب وكبار الأمراء، وشبان أسرة الزعيم البدوي حسن مرعي.

ودار الحديث بعد العشاء في سيرة الحروب، ولكن الأمير حسن كان يتحاشى المناقشة؛ لأن أقوال ابن عمه شكر تركته في حيرة.

ولم يستطع أن يذوق النوم في ليلته من الأفكار المتضاربة، ثم قام مبكرا في الصباح فذهب إلى خيمة أمه ليستشيرها.

وكانت السيدة جالسة في صدر خبائها تنتظر أن تصلي الفجر، وما كادت تراه حتى بادرته قائلة: لقد سمعت أن السلطان عندك يا ولدي.

فأجابها الأمير مسرعا: نعم، هو هنا يا أماه.

فقالت الأم: لا شك في أنك تعرف ما يجب عليك يا ولدي.

فأطرق الأمير كأن صدمة عنيفة أصابته، ووقف مرتبكا ينظر إليها، وقال: لقد جئت إليك يا أماه لاجئا إليك في حيرتي.

وجلس إلى جوارها يحدثها ويراجعها ويفضي إليها بما قاله ابن عمه شكر، ولكنها كانت ترده كلما راجعها وتدور به إلى كلمتها الأولى كلما أراد أن يتفلت منها. وكانت آخر كلمة منها إليه قولها: إذا لم تشأ أن تقف مع ضيفك وتسبل عليه حمايتك كما يقضي عليك واجبك، فلا يجمل بك إلا أن تصرفه الآن عن جوارك.

فخرج من خبائها يتعثر في خطاه، ويمسح القطرات الباردة عن جبينه الملتهب، ويستقبل نسيم الفجر مستروحا، وسار إلى الشمال في الفضاء الساكن ينظر في أعقاب النجوم الغاربة، والأفكار الثائرة تضطرب في ذهنه الكليل.

ناپیژندل شوی مخ