ثم انظر إلى قوله:
فيا غضا من الفتيان خير
من اللحظات أبصار غضضنه
كيف أشار فيه إلى قول الله - عز وجل:
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
وكيف جانس فيه بين وصف الغض الذي يكون للفتى وللغصن، وبين فعل الغض الذي يقع على الأبصار.
فإذا فرغ أبو العلاء من هذا النهي أو من هذه الفلسفة السلبية، أقبل على الأمر أو على فلسفة إيجابية، يتم بها ما ينبغي للرجل العاقل الحازم من الاحتياط، وهو يأخذ فلسفته الإيجابية هذه من الدين، فهو يأمر بإيتاء الزكاة، وما يمنعك من إيتاء الزكاة، ومن أن تحل مالك عن نفسك مريدا لذلك قبل أن ينحل المال عنك برغمك. ويأمر بإقامة الصلاة، وأي شيء أعجز من أن تقصر في إقامتها، ورياضة نفسك بها، وهي أيسر من أن تلقاها بالإعراض، أو أن يصرفك عنها الكسل. وهو يأمر بصوم رمضان، ولا سيما حين يشتد القيظ؛ لأن في ذلك رياضة للنفس على الشدة، وأخذا لها بالعنف، وتهوينا للمشقة عليها. ولكنه يقف عند ذلك من أركان الإسلام، فهو لا يأمر بأداء الحج، وأكبر الظن أن رأيه في الحج سيئ، تثبت ذلك نصوص في اللزوميات قد مر بعضها، وقد نعرض لبعضها بعد حين، وهو لا يأمر صراحة بالركن الأول من أركان الإسلام، وهو أن تشهد بأن لا إله إلا الله وبأن محمدا رسول الله. لا يأمر بذلك صراحة، إما لأن في نفسه من النبوات شيئا كما قدمت، وإما لأن هذا الأمر مفهوم ضمنا من أمره بالزكاة والصلاة والصوم، وإن كان شكه في النبوات يفهم أيضا من سكوته عن الحج في هذه القصيدة، ومن تصريحه برفض الحج في مواضع أخرى من اللزوميات، فهو يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض.
ففض زكاة مالك غير آب
فكل جموع مالك ينفضضنه
وأعجز أهل هذي الأرض غاو
ناپیژندل شوی مخ