بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه التكلان الحمد لله الذي أوضح لعباده دلايل معرفته، وأنهج سبيل هدايته، وأبان عن طريق توحيده وحكمته، وسهل الوصول إلى ثواب جنته، ويسر الخلاص من أليم عقابه وسطوته بما خلق فيهم من العقول السليمة والعلوم الجلية، ونصب لهم من الأدلة الواضحة، والحجج اللائحة، والبراهين الراجحة، وخلق لهم من القدر الممكنة، و الاستطاعة المتقومة [المتعولة خ ل]، وسهل عليهم طاعته بالألطاف المتقربة [المقربة خ ل] والدواعي المسهلة، وانبعث إليهم أنبياء جعلهم سفراء بينه وبينهم يدعونهم إلى طاعته ويحذرونهم من معصيته، ويرغبونهم في جزيل ثوابه، ويرهبونهم من شديد عقابه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وصلى الله على خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه محمد النبي صلى الله عليه، وعلى أهل بيته الطاهرين النجوم الزاهرة، والحجج اللامعة الذين جعلهم الله أعلاما لدينه، وأمناء لتوحيده، وخزنة لوحيه، وتراجمة لكتابه، وأودعهم علم جميع ما يحتاج إليه خلقه ليلجأوا إليهم في الملمات، ويفزعوا إليهم في المشكلات، ولم يكلهم في حال من الأحوال إلى الآراء المضلة، والمقائيس المبطلة، والأهواء المهلكة [المهملة خ ل] والاجتهادات المخزية بل جعل أقوالهم الحجة، وأفعالهم القدوة، وجعلهم معصومين من الخطأ مأمونين عليهم السهو والغلط ليأمن بذلك من يفزع إليهم من التغيير والتبديل والغلط والتحريف فيكون بذلك واثقا بدينه قاطعا على وصوله إلى الحق الذي أوجبه الله تعالى عليه وندبه إليه.
أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع
مخ ۱
يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية، ويستنزرونه، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل، ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقضة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين، وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله إما خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا.
وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع. فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا لا على وجه القياس بل على طريقة يوجب علما يجب العمل عليها ويسوغ الوصول [المصير خ ل] إليها من البناء على الأصل، وبراءة الذمة وغير ذلك مع أن أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة، وكنت على قديم الوقت وحديثه منشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وشغلني [تشغلني خ ل] الشواغل، وتضعف نيتي أيضا " فيه قلة رغبة هذه الطايفة فيه، وترك عنايتهم به لأنهم ألقوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا [تعجبوا خ ل] منها وقصر فهمهم عنها، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب الفقه وجمع من النظائر، ورتبت فيه الكتب على ما رتبت للعلة التي بينتها هناك، ولم أتعرض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظايرها بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات سلكت فيه طريق الإيجاز و الاختصار وعقود الأبواب فيما يتعلق بالعبادات، ووعدت فيه أن أعمل كتابا " في الفروع
مخ ۲
خاصة يضاف إليه كتاب النهاية، ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه لأن الفرع إنما يفهمه إذا ضبط الأصل معه فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلوها الفقهاء وهي نحو من ثلاثين [ثمانين خ ل] كتابا أذكر كل كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الأدعية والآداب، وأعقد فيه الأبواب، وأقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظاير، وأستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون، وأقول: ما عندي على ما يقتضيه مذاهبنا ويوجبه أصولنا بعد أن أذكر جميع المسائل، وإذا كانت المسألة أو الفرع ظاهرا أقنع فيه بمجرد الفتيا وإن كانت المسألة أو الفرع غريبا أو مشكلا أومئ إلى تعليلها ووجه دليلها ليكون الناظر فيها غير مقلد ولا مبحث، وإذا كانت المسألة أو الفرع مما فيه أقوال العلماء ذكرتها وبينت عللها والصحيح منها والأقوى، وأنبه على جهة دليلها لا على وجه القياس وإذا شبهت شيئا بشئ فعلى جهة المثال لا على وجه حمل إحديهما على الأخرى أو على وجه الحكاية عن المخالفين دون الاعتبار الصحيح، ولا أذكر أسماء المخالفين في المسألة لئلا يطول به الكتاب، وقد ذكرت ذلك في مسائل الخلاف مستوفا، وإن كانت المسألة لا ترجيح فيها للأقوال وتكون متكافية وقفت فيها ويكون المسألة من باب التخيير، و هذا الكتاب إذا سهل الله تعالى إتمامه يكون كتابا لا نظير له لا في كتب أصحابنا ولا في كتب المخالفين لأني إلى الآن ما عرفت لأحد من الفقهاء كتاب واحدا يشتمل على الأصول والفروع مستوفا مذهبنا بل كتبهم وإن كانت كثيرة فليس تشتمل عليهما كتاب واحد، و أما أصحابنا فليس لهم في هذا المعنى ما يشار إليه بل لهم مختصرات، وأوفى ما عمل في هذا المعنى كتابنا النهاية وهو على ما قلت فيه، ومن الله تعالى أستمد المعونة والتوفيق وعليه أتوكل وإليه أنيب.
مخ ۳
* (فصل في ذكر حقيقة الطهارة وجهة وجوبها وكيفية أقسامها) * الطهارة في اللغة: هي النظافة. وفي الشريعة عبارة عن إيقاع أفعال في البدن مخصوصة على وجه مخصوص يستباح بها الدخول في الصلاة: وهي على ضربين: طهارة بالماء وطهارة بالتراب. فالطهارة بالماء على ضربين:
أحدهما: يختص بالأعضاء الأربعة فتسمى وضوء، والآخر يعم جميع البدن فتسمى غسلا، والتي بالتراب يختص عضوين فقط على ما سنبينه.
والوضوء على وجهين: واجب وندب، فالواجب هو الذي يجب لاستباحة الصلاة والطواف ولا وجه لوجوبه إلا هذين، والندب فإنه مستحب في مواضع كثيرة لا تحصى، و أما الغسل فعلى ضربين أيضا: واجب وندب. فالواجب يجب للأمرين اللذين ذكرناهما ولدخول المساجد، ومس كتابة القرآن، وما فيه اسم الله تعالى وغير ذلك، وأما المندوب فنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وأما ما يوجب الوضوء أو الغسل فسنبينه فيما بعد إن شاء الله، والطهارة بالماء هي الأصل وإنما يعدل عنها إلى الطهارة بالتراب عند الضرورة وعدم الماء، وتسمية التيمم بالطهارة حكم شرعي لأن النبي صلى الله عليه وآله، قال:
جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا، وأخبارنا مملوءة بتسمية ذلك طهارة (1) فليس لأحد أن يخالف فيه، وينبغي أولا أن نبدأ بما به يكون الطهارة من المياه وأحكامها.
ثم نذكر بعد ذلك كيفية فعلها وأقسامها، ثم نعقب ذلك بذكر ما ينقضها ويبطلها، و الفرق بين ما يوجب الوضوء والغسل. ثم نعود بعد ذلك إلى أقسام التيمم على ما بيناه، ونحن نفعل ذلك ونذكر في كل فصل ما يليق ولا نترك شيئا قيل ولا يمكن أن يقال إلا وأذكره إلا ما لعله يشذ منه من النادر اليسير والتافه الحقير. إذ الحوادث لا تضبط والخواطر لا تحصر غير أنه لا يخلو أن يكون في جملة المسطور ما يمكن أن يكون جوابا عنه إن شاء الله.
مخ ۴
(باب) * (المياه وأحكامها:) * الماء على ضربين: طاهر ونجس. فالنجس هو كل ماء تغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة بنجاسة تحصل فيه قليلا كان أو كثيرا أو حصل فيه نجاسة وإن لم يتغير أحد أوصافه متى كان قليلا ولا يراعى فيه مقدار، وما هذا حكمه لا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره على ما سنبينه، والطاهر على ضربين: مطلق ومضاف. فالمضاف كل ما استخرج من جسم أو اعتصر منه أو كان مرقة نحو ماء الورد والخلاف والآس و الزعفران وماء الباقلي. فهذا الضرب من المياه لا يجوز استعماله في رفع الأحداث بلا خلاف بين الطايفة، ولا في إزالة النجاسات على الصحيح من المذهب، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك مباح التصرف فيه بساير أنواع التصرف ما لم يقع فيه نجاسة فإذا وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال سواء كان قليلا أو كثيرا، وسواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة تغير أحد أوصافه أو لم يتغير، ولا طريق إلى تطهيرها بحال إلا أن يختلط بما زاد على الكر من المياه الطاهرة المطلقة، ثم ينظر فيه فإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز أيضا استعماله بحال، وإن لم يسلبه إطلاق اسم الماء وغير أحد أوصافه إما لونه أو طعمه أو رايحته فلا يجوز أيضا استعماله بحال، وإن لم يتغير أحد أوصافه ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في جميع ما يجوز استعمال المياه المطلقة فيه، وإن اختلطت المياه المضافة بالماء المطلق قبل حصول النجاسة فيها نظر فإن سلبها إطلاق اسم الماء لم يجز استعمالها في رفع الأحداث وإزالة النجاسات وإن لم يسلبها إطلاق ذلك جاز استعمالها في جميع ذلك.
والمياه المطلقة طاهرة مطهرة يجوز استعمالها في رفع الأحداث وإزالة النجاسات وغير ذلك ما لم تقع فيها نجاسة تمنع من استعمالها على ما سنبينه، وهي على ضربين:
جارية وراكدة. فالجارية لا ينجسها إلا ما يغير أحد أوصافها لونها أو طعمها أو رايحتها
مخ ۵
قليلا كان الماء أو كثيرا فإن تغير أحد أوصافها لم يجز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير، والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ورفعها حتى يزول عنها التغيير، ومياه الحمام حكمها حكم المياه الجارية إذا كان لها مادة من المجرى فإن لم يكن لها مادة كان حكمها حكم المياه الواقفة، ومياه الموازيب الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء.
وأما المياه الواقفة فعلى ضربين: مياه الآبار، والركايا التي لها نبع من الأرض وإن لم يكن لها جريان، ومياه غير الآبار من المصانع والغدران والحياض والأواني المحصورة. فمياه غير الآبار على ضربين: قليل وكثير.
فللكثير حدان : أحدهما: أن يكون مقداره ألف رطل ومأتي رطل (1) وفي أصحابنا من يقول: بالعراقي (2) وفيهم من يقول: بالمدني (3) والأول أصح. والحد الآخر أن يكون مقداره ثلاثة أشبار ونصفا طولا في عرض في عمق فما بلغ هذا المقدار لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات إلا ما يغير أحد أوصافه من اللون أو الطعم أو الرايحة فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة تحصل فيه فلا يجوز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير، والطريق إلى تطهيره أن يطرء عليه من المياه الطاهرة المطلقة ما يرفع ذلك التغيير عنها فحينئذ يجوز استعماله، وإن ارتفع التغيير عنها من قبل نفسها أو تراب تحصل فيها أو بالرياح التي تصفقها أو بجسم طاهر يحصل فيها لم نحكم بطهارته لأنه لا دليل على ذلك ونجاستها معلومة. فإن كان تغيير هذه المياه لا بنجاسة بل من قبل نفسها أو بما يجاورها من الأجسام الطاهرة مثل الحمأة والملح أو ينبت فيها مثل الطحلب والقصب وغير ذلك أو لطول المقام لم يمنع ذلك
مخ ۶
من استعمالها بحال، وحد القليل ما نقص عن الكر الذي قدمناه مقداره وذلك ينجس بكل نجاسة تحصل فيها قليلة كانت النجاسة أو كثيرة تغيرت أوصافها أو لم يتغير إلا ما لا يمكن التحرز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغير فإنه معفو عنه لأنه لا يمكن التحرز منه، ومتى نجست هذه المياه فإنه لا يجوز استعمالها إلا عند الضرورة في الشرب لا غير حسب ما قدمناه، والطريق إلى تطهير هذه المياه أن يطرأ عليها كر من ماء مطلق ولا يتغير مع ذلك أحد أوصافها فحينئذ يحكم بطهارتها، وإن تمت كرا بالمياه الطاهرة المطلقة لم يرفع عنها حكم النجاسة بل ينجس الكل، وفي أصحابنا من قال: إذا تممت بطاهر كرا زال عنها حكم النجاسة وهو قوي لقولهم عليهم السلام: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل نجاسة. فأما إذا تممت كرا بنجاسة فلا شك أنه ينجس الكل وإن كان مقدار الكر في موضعين طاهرا ونجسا ثم يجمع بينهما لم تزل عنهما حكم النجاسة لأنه لا دليل عليه، وفي أصحابنا من قال: يزول ذلك للخبر (1) وهو قوي على ما قلناه: ولا يزول عنه حكم النجاسة بما يقع فيه من الأجسام الطاهرة سواء كانت جامدة أو مايعة لأنها إن كانت مايعة فإنها تنجس وإن كانت جامدة فليس لها حكم التطهير، والماء الذي يطرأ عليه فيطهره لا فرق بين أن يكون نابعا من تحته أو يجري إليه أو يغلب فيه فإنه إذا بلغ ذلك مقدار الكر طهر النجس.
والكر من الماء إذا وقعت فيه نجاسة لم يغير أحد أوصافه جاز استعمال جميع ذلك الماء وإن علم أن فيها نجاسة لأنها صارت مستهلكة، وجاز أيضا استعمال ذلك الماء من أي موضع شاء سواء كان بقرب النجاسة أو بعيدا منها، وتجنب موضع النجاسة أفضل. فأما إذا استقى منه دلوا وفيه نجاسة حكم بنجاسة ذلك الدلو لأنه ماء قليل و
مخ ۷
فيه نجاسة، وإذا حصلت النجاسة الجامدة في الماء الذي مقدار كر سواء ينبغي أن يخرج النجاسة أولا. ثم يستعمل ذلك الماء فإن استقى منه شئ وبقية النجاسة فيما بقي وقد نقص عن الكر حكم بنجاسته لأنه صار أقل من كر وفيه نجاسة، وإذا كانت النجاسة مايعة لا يمكن اخراجها منه حكم باستهلاكها وجاز استعمال جميعه على كل حال، ولا ينجس الماء بما يقع فيه من الأجسام الطاهرة، وإن غيرت أحد أوصافه ولا يمنع من رفع الحدث به إذا لم يسلبه إطلاق اسم الماء مثل القليل من الزعفران أو الكافور أو العود إذا أصاب يد الانسان نجاسة فغمسها في ماء أقل من كر فإنه ينجس الماء ولا تطهر اليد فإن كان كرا لا ينجس الماء فإن زالت النجاسة عن اليد فقد طهرت وإلا فلا، وإذا كان معه إناءان أو أكثر من ذلك فوقع في واحد منهما نجاسة لم يستعمل شيئا منهما بحال ولا يجوز التجزي فإن خاف العطش أمسك أيهما شاء واستعمله حال الضرورة، وإذا كان معه إناءان أحدهما ماء والآخر بول لم يستعمل واحدا منهما، وإن كان أحدهما نجسا والآخر طاهرا وانقلب أحدهما لم يستعمل الآخر، وإن كان أحدهما طاهر مطهرا والآخر ماء مستعملا في الطهارة الصغرى استعمل أيهما شاء، وإن كان المستعمل في غسل الجنابة استعمل كل واحد منهما على الانفراد لأن المستعمل ليس بنجس، و إن كان أحدهما ماء والآخر ماء ورد منقطع الرائحة فأشتبها استعمل كل واحد منهما منفردا لأنه يتيقن عند ذلك حصول الطهارة، وإن اختلط الماء بالماء ورد المنقطع الرائحة حكم للأكثر. فإن كان الأكثر ماء الورد لم يجز استعماله في الوضوء، وإن كان الماء أكثر جاز وإن تساويا ينبغي أن يقول: يجوز استعماله لأن الأصل الإباحة، و إن قلنا: استعمل ذلك وتيمم كان أحوط، وإذا أخبره عدل بأن النجس أحدهما لا يجب عليه القبول منه لأنه لا دليل عليه والمعلوم نجاسة أحدهما، وإذا ورد على ماء فأخبره رجل أنه نجس لم يجب عليه القبول منه سوى أخبره بسبب النجاسة أو لم يخبره لأن الأصل طهارة الماء ولا دليل على وجوب القبول منه، وإذا شهد شاهدان بأن النجاسة في أحد الإنائين، وشهد آخران أنه وقع في الآخر على وجه يمكن الجمع بينهما أو لا يمكن لا يجب القبول منهما، والماء على أصل الطهارة أو النجاسة فأيهما
مخ ۸
كان معلوما عمل عليه، وإن قلنا: إذا أمكن الجمع بينهما قبل شهادتهما وحكم بنجاسة الإنائين كان قويا لأن وجوب قبول شهادة الشاهدين معلوم في الشرع وليسا متنافيين وحكم الأعمى في هذا الباب حكم البصير سواء، وإذا كان معه ماء متيقن الطهارة فشك في نجاسته لم يلتفت إلى الشك، وكذلك إذا كان معه إناء نجس فشك في تطهيره لم يلتفت إلى ذلك، ووجب عليه تطهيره، وكذلك إذا وجد ماء متغيرا وشك في هل تغيره بنجاسة أو من قبل نفسه بنى على أصل الطهارة، وكذلك إذا اشتبه طعام طاهر وطعام نجس لا يجوز له التجزي ووجب عليه الامتناع من استعماله، وإذا كان معه إناءان مشتبهان وإناء متيقن الطهارة وجب أن يستعمل الطاهر المتيقن، ولا يستعمل المشتبهين ماء كان أو مايعا آخر أو طعاما، ويجوز الوضوء بماء البحر والثلج إذا تندى بمقدار ما يجري على العضو وإن كان يسيرا مثل الدهن، والعضو الممسوح لو ترك عليه قطعة ثلج أو برد فتندى مقدار الواجب في المسح لم يجز لأن المسح لا يكون إلا بفضل نداوة الوضوء والماء المسخن يجوز التوضي به والمشمس يكره التوضي به غير أنه مجز سواء قصد ذلك أو لم يقصد، ولا يجوز الوضوء بشئ من المايعات غير الماء المطلق مثل الخل والمري واللبن وغير ذلك، ولا يجوز الوضوء بنبيذ التمر سواء كان مطبوخا أو نيا مع وجود الماء ومع عدمه، وإذا اختلط بالماء ما يغير أحد أوصافه مثل العنبر والمسك والعود والكافور يجوز الوضوء به، وكذلك إذا تغير لقربه من موضع النجاسة لا بأس باستعماله، و كذلك الدهن إذا وقع فيه مثل أدهن البان والبنفسج فغير رايحته وإذا غلب على لونه طاهر مثل اللبن أو على رايحته مثل ماء الورد وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز الوضوء به وإن لم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله، وإذا جرى الماء على الورق أو الطحلب أو أرض النورة والكحل والكبريت فيغير أحد أوصافه جاز استعماله، وكذلك إذا طرح في الماء ملح كثير حتى يتغير طعمه جاز استعماله سواء كان الملح جبليا أو معدنيا أو جمد من الماء ثم ذاب فيه، وإذا كان معه مثلا رطلان من ماء واحتاج في طهارته إلى ثلاثة أرطال ومعه ماء ورد مقدار رطل فإن طرحه فيه لا يغلب عليه ولا يسلبه إطلاق اسم الماء فينبغي أن يجوز استعماله، وإن سلبه سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع
مخ ۹
الأحداث إلا إن هذا وإن كان جايزا فإنه لا يجب عليه بل يكون فرضه التيمم لأنه ليس معه من الماء ما يكفيه لطهارته، ولا يجوز إزالة النجاسات إلا بما يرفع الحدث.
والأسئار على ضربين: سؤر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه. فما يؤكل لحمه لا بأس بسؤره على كل حال إلا ما كان جلالا ويكره سؤر ما شرب منه الدجاج خاصة على كل حال، وما لا يؤكل لحمه على ضربين: آدمي وغير آدمي. فسؤر الآدمي كله طاهر إلا من كان كافرا أصليا أو مرتدا أو كافر ملة، ولا يجوز استعمال ما شربوا منه أو باشروه بأجسامهم من المياه وسائر المايعات، وكذلك ما كان أصله مايعا فجمد أو جامدا فغسلوه بأيديهم وجففوه فلا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره فيما يمكن تطهيره من غسل الثياب وما عداه فإنه يجتنب على كل حال، ويكره سؤر الحايض، ولا بأس بفضل وضوء الرجل والمرأة.
وسؤر غير الآدمي على ضربين: أحدهما: سؤر الطيور والآخر سؤر البهائم و السباع. فسؤر الطيور كلها لا بأس بها إلا ما كان في منقاره دم أو يأكل الميتة أو كان جلالا. فأما غير الطيور فكل ما كان منه في البر فلا بأس بسؤر إلا الكلب والخنزير وما عداهم فمرخص فيه، وما كان منه في الحضر فلا يجوز استعمال سؤره إلا ما لا يمكن التحرز منه مثل الهر والفأرة والحية وغير ذلك لا بأس باستعمال سؤر البغال والدواب والحمير لأن لحمها ليس بمحظور وإن كان مكروها لكراهية لحمها، و إذا أكلت السنور فأرة. ثم شربت من الماء لا بأس باستعمال ما بقي منه سواء غابت عن العين أو لم تغب لعموم الخبر (1) وكلما مات في الماء وله نفس سائلة فإنه ينجس الماء إذا كان قليلا، وإن لم يكن له نفس سائلة لم ينجس الماء وإن تغير أحد أوصافه، و كذلك كل المايعات وذلك مثل الزنابير والخنافس وبنات وردان، ويكره ما مات
مخ ۱۰
فيه الوزع والعقرب خاصة.
والماء المستعمل على ضربين: أحدهما: ما استعمل في الوضوء وفي الأغسال المسنونة فما هذا حكمه يجوز استعماله في رفع الأحداث، والآخر ما استعمل في غسل الجنابة والحيض فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإن كان طاهرا. فإن بلغ ذلك كر أزال حكم المنع من رفع الحدث به لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة، وإن كان أقل من كر كان طاهرا غير مطهر يجوز شربه وإزالة النجاسة به لأنه ماء مطلق وإنما منع من رفع الحدث به دليل وباقي الأحكام على ما كانت هذا إذا كانت أبدانهما خالية من نجاسة وإن كان عليها شئ من النجاسة فإنه ينجس الماء ولا يجوز استعماله بحال.
وأما مياه الآبار فإنها تنجس بما يقع فيها من النجاسات قليلا كان الماء أو كثيرا ثم هي على ضربين: إما أن يتغير أحد أوصافها أو لا يتغير فإن تغير أحد أوصافها فلا يجوز استعمالها إلا بعد نزح جميعها وإن تعذر استقى منها إلى أن يزول عنها حكم التغير، وإن لم يتغير أحد أوصافها فما وقع فيها على ضربين: أحدهما: يوجب نزح الجميع، والآخر لا يوجب ذلك. فما يوجب نزح الجميع الخمر وكل مسكر و الفقاع والمني ودم الحيض والنفاس والاستحاضة، والبعير إذا مات فيه فإن كان الماء غزيرا لا يمكن نزح جميعه تراوح على نزحها أربعة رجال من الغداة إلى العشي وقد طهرت، وما لا يوجب نزح الجميع فعلى ضربين: أحدهم: يوجب نزح كر وهو موت الحمار والبقرة وما أشبههما في قدر جسمها، والآخر ما يوجب نزح دلاء فأكبرها الانسان إذا مات فيه نزح منها سبعون دلوا سواء كان صغيرا أو كبيرا سمينا أو مهزولا، وعلى كل حال وإن مات فيها كلب أو شاة أو ثعلب أو سنور أو غزال أو خنزير وما أشبهها نزح منه أربعون دلوا، وإن وقع فيها كلب وخرج حيا نزح منها سبع دلاء للخبر (1) وإن مات فيها حمامة أو دجاجة وما أشبههما نزح منها سبع دلاء وفي
مخ ۱۱
العصفور وما أشبهه دلو واحد، وإن مات فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تنفسخ فإذا تفسخت نزح منها سبع دلاء، وإن بال فيها رضيع لم يأكل الطعام نزح منها دلو واحد فإن أكل الطعام نزح منها سبع دلاء، وإن بال فيها رجل نزح منها أربعون دلوا، وإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة نزح منها خمسون دلوا وإن كانت يابسة نزح منها عشرة دلاء، وإن وقعت فيها حية أو وزغة أو عقرب فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وإن ارتمس فيها جنب نزح منها سبع دلاء ولم يطهر هو، وإن وقع فيها دم وكان كثيرا نزح منها خمسون دلوا وإن كان قليلا نزح منها عشرة دلاء، وروث وبول ما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لا ينجسه إلا ذرق الدجاج خاصة فإذا وقع فيها نزح خمس دلاء، و متى وقع في البئر ماء خالطته شئ من النجاسات مثل ماء المطر والبالوعة وغير ذلك نزح منها أربعون دلوا للخبر، وكل نجاسة تقع في البئر وليس فيها مقدر منصوص فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء، وإن قلنا: بجواز أربعين دلوا منها لقولهم عليهم السلام:
ينزح منها أربعون دلوا، وإن صارت مبخرة (2) كان سايغا غير أن الأول أحوط، والدلو المراعي في النزح دلو العادة الذي يستقى به دون الدلاء الكبار لأنه لا يقيد في الخبر، ولا تجب النية في نزح الماء وإن يقصد به التطهير لأنه لا دليل عليها، وليست من العبادات التي تراعى فيها النية بل ذلك جار مجرى إزالة أعيان النجاسات التي لا يراعى فيه النية، وعلى هذا لو نزح البئر من تصح منه النية ومن لا تصح منه النية من المسلم والكافر والصبي حكم بتطهير البئر، ومتى نزل إلى البئر كافر وباشر الماء بجسمه نجس الماء ووجب نزح جميع الماء لأنه لا دليل على مقدر، والاحتياط يقتضي
مخ ۱۲
ما قلناه، والماء النجس لا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإزالة النجاسات، ولا في الشرب وغيره مع الاختيار، ويجوز شربه عند الخوف من تلف النفس، ومتى استعمله مع العلم بذلك وتوضأ وغسل الثوب وصلى أو غسل الثوب وجب عليه إعادة الوضوء و الصلاة وغسل الثوب بماء طاهر، وإن لم يكن علم أنه نجس نظر فإن كان الوقت باقيا أعاد الوضوء والصلاة وإن كان الوقت خارجا لم يجب عليه إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستأنف من الصلاة، وأما غسل الثوب فلا بد من إعادته على كل حال، وإن علم حصول النجاسة فيه ثم نسيه فاستعمله وجب عليه إعادة الوضوء والصلاة، وإن استعمله في عجين الخبزة لم يجز استعمال ذلك الخبز فإما أن يباع على مستحل الميتة أو يدفنه أو يطرحه في الماء للسمك، وقد روي رخصة في جواز استعماله وإن النار طهرته، والأول أحوط ويستحب أن يكون بين البئر والبالوعة سبعة أذرع إذا كانت الأرض سهلة وكانت البئر تحت البالوعة، وإن كانت صلبة أو كانت فوق البالوعة فليكن بينها وبينه خمسة أذرع، والعيون الحمئة لا بأس بالوضوء منها، ويكره التداوي بها، وإذا حصل عند غدير وليس معه ما يعرف به الماء أخذه بيده إذا كانت يده طاهرة، وإن كانت نجسة فلا يدخل يده في الماء إلا إذا كان كرا فما زاد لئلا يفسد الماء.
(باب) * (حكم الأواني والأوعية والظروف إذا حصل فيها نجاسة) * أواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغير ذلك، والمفضض لا يجوز أن يشرب أو يؤكل من الموضع المفضض ويستعمل غير ذلك الموضع، و كذلك لا يجوز الانتفاع بها في البخور والتطيب وغير ذلك لأن النهي عن استعماله عام يجب حمله على عمومه، ومن أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضة فإنه يكون قد فعل محرما ولا يكون قد أكل محرما إذا كان المأكول مباحا لأن النهي عن الأكل فيه لا يتعدى إلى المأكول وإن توضأ منها أو اغتسل كان وضوءه صحيحا، واتخاذ الأواني من الذهب والفضة لا يجوز وإن لم يستعمل لأن ذلك تضييع والنبي صلى الله عليه وآله نهى عن
مخ ۱۳
إضاعة المال غير أنه إذا فعل ذلك سقط عنه زكاته لأن المصاغ والنقار والسبايك لا زكاة فيها على مذهب أكثر أصحابنا، وعلى مذهب كثير منهم لا يسقط. فأما الحلي فلا بأس باستعمالها إذا كان حليا مباحا ويسقط عنها الزكاة، وأما أواني غير الذهب والفضة فلا بأس باستعمالها قلت أثمانها أو كثرت سواء كانت كثيرة الثمن لصنعتها [لصنعة فيها خ ل] مثل المخروط والزجاج وغير ذلك أو لجودة جوهره مثل البلور وغير ذلك .
وأواني المشركين ما يعلم منها استعمالهم لها في المايعات لا يجوز استعمالها إلا بعد غسلها وإذا استعملوها في مايع طاهر وباشروها بأجسامهم جرى ذلك مجرى الأول لأن ما باشروه بأجسامهم من المايعات ينجس بمباشرتهم وما لم يستعملوها أصلا أو استعملوها في شئ طاهر ولم يباشروها بأجسامهم فلا بأس باستعماله، وحكم سائر الكفار في هذا الباب سواء كانوا عباد الأوثان وأهل الذمة أو مرتدين أو كفار ملة من المشبهة والمجسمة والمجبرة وغيرهم.
والكلب نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب لا يجوز أكل وشرب شئ ولغ فيه الكلب أما المايع فإن كان ماء فلا يجوز استعماله إذا كان أقل من الكر ووجب إهراق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات أولاهن بالتراب، وإن كان غير الماء فإنه ينجس قليلا كان أو كثيرا، ولا يجوز استعماله على كل حال، وإذا تكرر ولوغ الكلب في الإناء يكفي غسل ثلاث مرات، وكذلك إذا ولغ فيه كلبان أو ما زاد عليهما وإذا ولغ الكلب في الإناء فغسل دفعة أو دفعتين. ثم وقعت فيه نجاسة تمم العدد وقد طهر لأن الدفعة الأخيرة يأتي على باقي العدد وعلى غسل من النجاسة هذا على الرواية التي يقول: إنه يكفي في سائر النجاسات غسل الإناء مرة واحدة، ومتى قلنا: يحتاج إلى غسل ثلاث مرات اعتد بواحدة وتم الباقي، وإذا ولغ الكلب في الإناء. ثم وقع الإناء في ماء ينقص عن الكر نجس الماء ولا يطهر الإناء، وإن كان الماء كرا فصاعدا لم ينجس الماء ويحصل للإناء غسلة واحدة. ثم يخرج ويتمم غسله وإذا لم يوجد التراب لغسله جاز الاقتصار على الماء، وإن وجد غيره من الأشنان وما يجري مجراه كان ذلك أيضا جائز، وإن وقع الإناء في ماء جاري وجرى الماء عليه لم يحكم
مخ ۱۴
بالثلاث غسلات لأنه لم يغسله ولا دليل على طهارته بذلك، والماء الذي ولغ فيه الكلب نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن، ولا يراعى فيه العدد، وإن أصاب من الماء الذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب خاصة ثوب الانسان أو جسده لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولة أو الثانية أو الثالثة، وما ولغ فيه الخنزير حكمه حكم الكلب سواء لأنه يسمى كلبا، ولأن أحدا لم يفرق بينهما ويغسل الإناء من سائر النجاسات ثلاث مرات ولا يراعى فيها التراب، وقد روي غسله مرة واحدة والأول أحوط، ويغسل من الخمر والأشربة المسكرة سبع مرات، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الإناء (1).
جلد الميتة لا ينتفع به لا قبل الدباغ ولا بعده سواء كان جلد ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه، ولا يباع ولا يشتري ولا يجوز التصرف فيه بحال، وما لا يؤكل لحمه إذا ذكي لا ينتفع بجلده إلا بعد الدباغ إلا الكلب والخنزير فإنهما لا يطهران بالدباغ وإن كان ذكيا ولا يجوز الانتفاع به على حال، ولا يجوز الدباغ إلا بما يكون طاهرا مثل الشث والقرظ وقشور الرمان وغير ذلك، وأما خرؤ الكلاب وما يجري مجراه من النجاسات فلا يجوز الدباغ به على حال.
الشعر والصوف والوبر طاهر من الميتة إذا جز، وكذلك شعر ابن آدم طاهر ما أخذ حال الحياة وبعد الوفاة، وأما الكلب والخنزير فلا ينتفع بشئ من شعره ولا يطهر بالغسل وغير ذلك، وأواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا منقورا روى أصحابنا أنه لا يجوز استعماله بحال، وأنه لا يطهر وما كان مقيرا أو مدهونا من الجرار الخضر أو خزفا فإنه يطهر إذا غسل سبع مرات حسب ما قدمناه، وعندي أن الأول محمول على ضرب من التغليظ والكراهة دون الحظر.
مخ ۱۵
* (فصل في ذكر مقدمات الوضوء) * مقدمات الوضوء على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غايط في الصحراء ولا في البنيان فإن كان الموضع مبنيا كذلك وأمكنة الانحراف عنه وجب عليه ذلك، وإن لم يمكنه لم يكن عليه شئ بالجلوس عليه، والاستنجاء فرض من مخرج النجو ومخرج البول، ولا يجب الاستنجاء من غير هذين الحدثين، وإذا أراد الاستنجاء من مخرج النجو كان مخيرا بين الاستنجاء بثلاثة أحجار وإزالته بالماء، والجمع بينهما أفضل يبدأ بالأحجار. ثم يغسل بالماء، والاقتصار على الماء أفضل منه على الأحجار لأنه مزيل للعين والأثر، والحجر لا يزيل الأثر و إن كان مجزيا فإن كان الماء استعمل إلى أن ينقي ما هناك وليس لذلك الماء حد فإن رجع من الماء الذي يستنجي به على بدنه أو ثيابه وكان متغيرا بنجاسة نجس الموضع ووجب غسله، وإن لم يكن متغيرا لم يكن عليه شئ، ومتى تعدت النجاسة مخرج النجو فلا يزيل حكمه غير الماء، وإن أراد استعمال الأحجار استعمل ثلاثة أحجار بكر لم تستعمل في إزالة النجاسة فإن نقى الموضع بها وإلا استعمل الزايد حتى تزول النجاسة، ويستحب ألا يقطع إلا على وتر، وإن نقى الموضع بدون الثلاث استعمل الثلاثة عبادة، ولا يجوز الاستجمار إلا بما يزيل العين مثل الحجر والمدر والخرق وغيرها فأما ما لا يزيل عين النجاسة مثل الحديد الصقيل والزجاج والعظم فلا يستنجى به، ولا يستنجى بما هو مطعوم مثل الخبز والفواكه وغير ذلك، ولا بخرق غير طاهرة ولا بحجر غير طاهر، وإذا استنجى بحجر ثم غسل الموضع بمايع غير الماء لم يكن لذلك حكم فإن المايع الذي ليس بماء لا يزيل حكم النجاسة وأثر النجاسة معفو عنه، وإن استنجى بمايع غير الماء من غير أن يستنجي بالحجر أو ما يقوم مقامه لم يجز. فأما الآجر فإنه لا بأس بالاستجمار به وإن كان قد وقع في طينه شئ نجس لأن النار قد طهرته، ولأجل ذلك تجوز الصلاة عليه عندنا، وأما الحجر الذي كان نجسا وتقادم عهده وزال عين النجاسة عنه فلا يجوز الاستنجاء به لأن حكم النجاسة باق فيه وكذلك إن غسله بمايع غير الماء لم يطهر وإن كان حكم النجاسة باقيا، وإن كانت النجاسة التي أصابه الحجر أو
مخ ۱۶
المدر مايعة مثل البول وغيره ثم جففته الشمس فإنه يطهر بذلك وجاز الاستنجاء به وإن جففته الريح أو جف في الفئ فلا يجوز استنجاء به لأن حكم النجاسة باق فيه، والحجر إذا كانت له ثلاثة قرون فإنه يجزي عن ثلاثة أحجار عند بعض أصحابنا (1) والأحوط اعتبار العدد لظاهر الأخبار. وكلما قلنا: إنه لا يجوز استعماله في الاستنجاء إما لحرمته أو لكونه نجسا إن استعمل في ذلك ونقى به الموضع ينبغي أن يقول: إنه لا يجزي لأنه منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، وإذا استعمل الأحجار الثلاثة في الاستنجاء ينبغي أن يستعمل كل حجر منها على جميع موضع النجاسة، ولا يفرد كل واحد منها بإزالة جزء من النجاسة ليكون قد استعمل ظاهر الخبر هذا هو الأحوط ولو استعمل كل حجر في إزالة جزء منه لم يكن به بأس لأن الغرض، إزالة النجاسة واستنجاء البكر من البول مثل استنجاء الثيب لا يختلف الحال فيه فإنه لا يجزيهما غير الماء، ومن أجاز بالخرق قال: حكمهما سواء غير أنه إن نزل إلى أسفل من موضع البول وبلغ موضع البكارة لا يجزيها غير الماء.
وأما الاستنجاء بالجلود الطاهرة، وكل جسم طاهر مزيل للنجاسة فإنه جايز للخبر الذي قال فيه: ينقي ما ثمة وهو عام في كلما ينقي إلا ما استثناه مما له حرمة فإذا شك في حجر هل هو طاهر أم لا بني على الطهارة لأنها الأصل، وإذا استنجى بخرقة من جانب لم يجز أن يستنجي بها من الجانب الآخر لأن النجاسة تنفذ فيها وإن كانت صفيقة لا ينفذ فيها أو طواها جاز الاستنجاء بما يبقى منها طاهرا. فأما مخرج البول فلا يطهره غير الماء مع الاختيار فإن كان هناك ضرورة من جرح أو قرح أو لا يوجد ماء جاز تنشيفه بالمدر والخرق، وإذا أراد ذلك مسح من عند المقعد إلى تحت الأنثيين ثلاث مرات، ومسح القضيب وينتره ثلاث مرات. ثم غسله بمثل ما عليه من الماء فصاعدا وإن رأى بعد ذلك بللا لم يلتفت إليه، وإن لم يفعل ما قلناه من الاستبراء
مخ ۱۷
ثم رأى بللا انتقض وضوءه، وينبغي أن يستنجي بيساره ويتولى غسل الفرجين به مع الاختيار. فأما عند الضرورة فلا بأس بخلافه.
وما يخرج من أحد السبيلين على ضربين: معتاد، وغير معتاد. فالمعتاد على ضربين: أحدهما: يوجب الغسل وهو المني والحيض والاستحاضة والنفاس فلا يجوز فيها غير الماء، وما لا يوجب الغسل على ضربين: أحدهما: يوجب الوضوء وهو البول والغايط، ولا يجوز فيهما غير الماء أو الحجارة في الاستنجاء خاصة على ما قلناه، وما لا يوجب الوضوء من المذي والوذي والدود والدم الذي ليس بمعتاد فإنه لا يجب إزالته ولا غسله إلا الدم خاصة فإنه نجس، ولا يجوز إزالته عن الموضع إلا بالماء إذا زاد على الدرهم فإن كان دونه فهو معفو عنه.
وأما المسنونات: فإن يستر عن الناس عند قضاء الحاجة وإذا أراد التخلي قدم رجله اليسرى إلى المكان فإذا خرج قدم رجله اليمنى، ويتعوذ بالله من الشيطان، ويكون مغطى الرأس، ولا يستقبل الشمس والقمر ببول ولا غايط، ولا الريح ببول، ويجتنب عند البول والغايط شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، والمياه الجارية، والراكدة، وأفنية الدور والطرق المسلوكة، وفي النزال والمشارع والمواضع التي يتأذى المسلمون بحصول النجاسة فيها، ولا يطمح ببوله في الهواء، ولا يبولن في جحرة الحيوان والأرض الصلبة، ويقعد على الموضع المرتفع عند البول ولا يستنجي باليمين مع الاختيار، ولا باليسار وفيها خاتم عليه اسم من أسماء الله أو أسماء أنبيائه والأئمة عليهم السلام، ولا إذا كان فضة من حجر له حرمة، ولا يقرأ القرآن على حال الغايط إلا آية الكرسي، ويجوز أن يذكر الله بما شاء فيما بينه وبين نفسه، ولا يستاك حال الخلاء فأما في غير هذا الحال فإنه مندوب إليه غير واجب ولا بأس به للصايم، وأفضل أوقاته عند كل صلاة، وفي الأسحار، ولا يكره آخر النهار للصايم، ولا يتكلم حال الغايط إلا عند الضرورة، ولا يأكل ولا يشرب، ويستحب الدعاء عند غسل الفرجين وعند الفراغ من الاستنجاء وعند دخوله الخلاء والخروج منه.
مخ ۱۸
* (فصل: في ذكر وجوب النية في الطهارة) * النية واجبة عند كل طهارة وضوء كانت أو غسلا أو تيمما وهي المفعولة بالقلب دون القول، وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة فعل من الأفعال التي لا يصح فعلها إلا بطهارة مثل الصلاة والطواف فإذا نوى استباحة شئ من ذلك أجزأه لأنه لا يصح شئ من هذه الأفعال إلا بعد الطهارة، ومتى ينوي استباحة فعل من الأفعال التي ليس من شرطه الطهارة لكنها مستحبة مثل قراءة القرآن طاهرا ودخول المسجد وغير ذلك. فإذا نوى استباحة شئ من هذا لم يرتفع حدثه لأن فعله ليس من شرطه الطهارة، وحكم الجنب في هذا الباب حكم المحدث سواء إلا أن في حق الجنب في بعض أفعاله بشرط الطهارة مثل دخول المسجد فإنه ممنوع منه ولا يجوز منه إلا بعد الغسل وليس كذلك المحدث فإذا نوى الجنب استباحة دخول المسجد والجلوس فيه ارتفع حدثه، وأما الاختيار فيه فحكم الجنب وحكم المحدث وحكم المحدث فيه سواء، وإذا اجتمعت أغسال من جملتها غسل الجنابة فإذا نوى بالغسل الجنابة أو رفع الحدث أجزأه، وإن نوى به غسل الجمعة لم يجزئه لأن غسل الجمعة لا يقصد به رفع الحدث بل المقصود به التنظيف فأما وقت النية فالمستحب أن يفعل إذا ابتدأ في غسل اليدين، ويتعين وجوبها إذا ابتدأ بغسل الوجه في الوضوء أو الرأس في غسل الجنابة، ولا يجزي ما يتقدم على ذلك ولا يلزم استدامتها إلى آخر الغسل والوضوء بل يلزمه استمراره على حكم النية، ومعنى ذلك ألا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها فإن انتقل إلى نية تخالفها وقد غسل بعض أعضاء الطهارة ثم تمم لم يرتفع الحدث فيما غسل بعد نقل النية ونقضها. فإن رجع إلى النية الأولى نظرت فإن كانت الأعضاء التي وضأها ندية بعد بنى عليها، وإن كانت قد نشفت استأنف الوضوء كمن قطع الموالاة، فأما في غسل الجنابة فإنه يبني على كل حال لأن الموالاة ليست شرطا فيها، ومتى نوى بطهارته رفع الحدث والتبرد كان جايزا لأنه فعل الواجب وزيادة لا تنافيها، وإذا نوى استباحة صلاة بعينها جاز له أن يستبيح سائر الصلوات نفلا كانت أو فرضا، والتسمية عند الوضوء مستحبة غير واجبة
مخ ۱۹
والكافر لا تصح منه طهارة تحتاج إلى نية لأنه ليس من أهل النية.
* (فصل: في كيفية الوضوء وجملة أحكامه) * إذا أراد الوضوء فليضع الإناء على يمينه، ويذكر الله تعالى عند رؤية الماء، و يغسل يده من النوم والبول مرة، ومن الغايط مرتين، ومن الجنابة ثلاثا قبل إدخالها الإناء سنة مؤكدة. ثم يبدأ فيتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا سنة وعبادة، ويذكر الله عندهما، وليسا بواجبين في الطهارتين ولا واحد منهما، ولا يكونان أقل من ثلاث ولا فرق بين أن يكونا بغرفة واحدة أو بغرفتين، ولا يجوز تقديم الاستنشاق على المضمضة والأفضل المتابعة بينهما مثل أعضاء الطهارة، ولا يلزم أن يدير الماء في لهواته ولا أن يجذبه بأنفه. وإدخال الماء في العين ليس من الوضوء لا سنة ولا فرضا. ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به وجهه، وحده من قصاص شعر الرأس في أغلب العادات ولا يراعى فيه حكم الأقرع والأصلع إلى محادر شعر الذقن، وعرضه ما بين الإبهام والوسطي والسبابة والبياض الذي بين الأذن واللحية ليس من الوجه، ولا ما أقبل من الأذنين، ولا يلزمه تخليل شعر اللحية سواء كانت خفيفة أو كثيفة أو بعضها خفيفة وبعضها كثيفة ويكفيه إمرار الماء عليها، وما استرسل من اللحية لا يلزم إمرار الماء عليه، وأهداب العينين والعذار والشارب والعنفقة إذا غسلها أجزأه، ولا يجب عليه إيصال الماء إلى ما تحتها وينبغي أن يبتدي بغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى المحادر فإن خالف وغسل منكوسا خالف السنة، والظاهر أنه لا يجزيه لأنه خالف المأمور به، وفي أصحابنا من قال: يجزيه (1) لأنه يكون غاسلا، والدعاء عند غسل الوجه مستحب. ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع إن كان رجلا بدأ بظاهر اليد، وإن كانت امرأة بدأت بباطن الذراع هذا في الغسلة الأولى، وفي الثانية
مخ ۲۰