مبرهنه فرما ته وروستۍ
مبرهنة فيرما الأخيرة: المعضلة التي حيرت عباقرة الرياضيات لقرون
ژانرونه
في بداية القرن السابع عشر، كانت الرياضيات لا تزال تتعافى من العصور المظلمة، ولم تكن من الموضوعات التي تحظى باحترام كبير. وكان الأمر نفسه ينطبق على علماء الرياضيات إذ لم يكونوا يحظون بالكثير من الاحترام، وكان الكثيرون منهم يضطرون إلى تمويل دراساتهم؛ فلم يتمكن جاليليو على سبيل المثال من دراسة الرياضيات في جامعة بيزا، واضطر إلى السعي إلى التعليم الخاص. والحق أن المؤسسة الوحيدة التي كانت تشجع علماء الرياضيات بقوة في أوروبا، هي جامعة أوكسفورد التي أسست منصب سافيل للهندسة عام 1619. ويحق لنا القول إن معظم علماء الرياضيات في القرن التاسع عشر كانوا هواة، غير أن فيرما كان حالة استثنائية. كان يعيش بعيدا عن باريس؛ ومن ثم فقد كان معزولا عن مجتمع علماء الرياضيات الصغير الذي كان موجودا بالفعل وتضمن بعض الشخصيات البارزة مثل باسكال وجاسندي وروفربال وبوجراند، والأبرز من بينهم، وهو الأب مارين ميرسين.
لم يسهم الأب مارين ميرسين في نظرية الأعداد إلا بإسهامات صغيرة، ومع ذلك يمكن القول إن الدور الذي أداه في رياضيات القرن السابع عشر، كان أهم من أي دور قد أداه زملاؤه الذين كانوا يحظون بقدر أكبر من التقدير. بعد انضمامه في عام 1611 إلى طائفة الرهبان الرومان الكاثوليك التي أسسها القديس فرانسيس باولا، درس ميرسين الرياضيات، ودرسها بعد ذلك لغيره من الرهبان والراهبات في دير الطائفة في مدينة نيفير. وبعد ذلك بثماني سنوات، انتقل إلى باريس لينضم إلى دير «مينيمز دو لانوسياد» بالقرب من ميدان بالاس رويال، وهو نقطة تجمع معتادة للمفكرين. وقد التقى ميرسين غيره من علماء الرياضيات في باريس بالطبع، غير أنه قد حزن من ترددهم في التحدث إليه أو بعضهم إلى بعض.
لقد كانت هذه الطبيعة السرية لعلماء الرياضيات عادة قد تناقلتها الأجيال منذ «الكوزيين» في القرن السادس عشر. لقد كان «الكوزيون» بارعين في إجراء جميع أشكال الحسابات، وكان التجار ورجال الأعمال يستعينون بهم لحل مسائل الحسابات المعقدة. يشتق اسمهم من الكلمة الإيطالية
cosa «كوزا»، التي تعني «شيء»؛ لأنهم كانوا يستخدمون الرموز لتمثيل الكميات المجهولة، مثلما يستخدم علماء الرياضيات اليوم الرمز
x . وجميع المحترفين في حل المسائل في هذا العصر قد اخترعوا طرقهم الخاصة البارعة لإجراء العمليات الحسابية، وكان كل منهم يبذل قصارى جهده للحفاظ على سرية هذه الطرق لكي يحافظ على سمعته بأنه الوحيد القادر على حل مسألة معينة. وفي حادثة استثنائية، باح نيكولو تارتاجليا، الذي اكتشف طريقة سريعة لحل المعادلات التكعيبية، بسره إلى جيرولامو كاردانو وجعله يقسم له على الحفاظ على السرية التامة. وبعد ذلك بعشر سنوات، نقض كوردانو عهده ونشر طريقة تارتاجليا في كتابه «الفن الكبير»، وهو ما لم يسامحه تارتاجليا عليه قط. قطع تارتاجليا كل صلة له بكوردانو، ونشب بينهما نزاع علني مرير، لم يقدم شيئا سوى أنه قد شجع علماء الرياضيات الآخرين على حماية أسرارهم بدرجة أكبر. وقد استمرت هذه الطبيعة السرية لعلماء الرياضيات حتى نهاية القرن التاسع عشر، بل إننا سنكتشف لاحقا أمثلة على عقول عبقرية تعمل في السر في القرن العشرين.
حين وصل الأب ميرسين إلى باريس، كان عازما على محاربة روح السرية وحاول تشجيع علماء الرياضيات على تبادل أفكارهم وإضافة بعضهم إلى أعمال بعض. كان الراهب ينظم اجتماعات تجرى بصورة منتظمة، وقد شكلت جماعته لاحقا أساس الأكاديمية الفرنسية. وحين كان أحدهم يرفض الحضور، كان ميرسين ينقل للمجموعة ما يستطيع بإعلان الأوراق والرسائل، حتى إن كانت قد أرسلت إليه سرا. لم يكن ذلك بالسلوك الأخلاقي من أحد رجال الدين، لكنه كان يبرره بأن تبادل المعلومات سيفيد علماء الرياضيات والبشرية. وقد أدت تصرفات الإعلان تلك بطبيعة الحال إلى جدالات حامية بين الراهب حسن النية وبين الكتومين غير المتعاونين، وأدت في نهاية المطاف إلى تدمير علاقته بديكارت التي استمرت منذ كان الرجلان يدرسان معا في كلية الجيزويت. كان ميرسين قد كشف عن بعض الكتابات الفلسفية لديكارت، والتي كان من شأنها أن تسيء إلى الكنيسة، بالرغم من ذلك، يذكر للرجل أنه قد دافع عن ديكارت ضد الهجمات اللاهوتية، مثلما كان قد فعل ذلك من قبل بالفعل في حالة جاليليو. ففي عصر كان يهيمن فيه الدين والسحر، وقف ميرسين مدافعا عن التفكير العقلاني.
سافر ميرسين في جميع أنحاء فرنسا وغيرها من المناطق الأبعد، وراح ينشر أنباء أحدث الاكتشافات. وكان قد حرص في أسفاره على الالتقاء ببيير دو فيرما، ويبدو بالفعل أنه كان الرياضي الوحيد الذي يتصل به فيرما على نحو منتظم. ولا بد أن تأثير ميرسين على «أمير الهواة» كان ثاني أكبر تأثير بعد كتاب «أريثميتيكا»، وهو كتاب في الرياضيات يعود تاريخه إلى اليونانيين القدماء وكان الرفيق الدائم لفيرما. وحتى حين لم يكن ميريسين يستطيع السفر، كان يحافظ على علاقته مع فيرما وغيره عن طريق تبادل الكثير من الرسائل. فبعد وفاة ميرسين، وجدت غرفته ممتلئة بالرسائل من ثمانية وسبعين من المراسلين المختلفين.
وبالرغم من تشجيع الأب ميرسين، أصر فيرما على رفض الإعلان عن براهينه. لم يكن النشر والتقدير يعنيان شيئا بالنسبة إليه، وكان قانعا فحسب بسروره المحض النابع من قدرته على ابتكار مبرهنات جديدة دون إزعاج. بالرغم من ذلك، فقد كان العبقري الانطوائي الخجول يتمتع بمسحة من الخبث، وعند اجتماعها مع تكتمه، كانت تعني أنه حين يتواصل مع غيره من علماء الرياضيات في بعض الأوقات، فإنه لم يكن يتواصل معهم إلا ليغيظهم. كان يكتب خطابات يورد فيها أحدث مبرهانته دون ذكر البرهان المصاحب لها ، ثم يتحدى معاصريه لإيجاد البرهان. وحقيقة أنه لم يكن يفصح أبدا عن براهينه قد سببت قدرا كبيرا من الإحباط. لقد كان رينيه ديكارت يدعو فيرما «بالمتشدق»، وكان الإنجليزي جون واليس يشير إليه بلقب «ذلك الفرنسي اللعين». ومن سوء حظ الإنجليز أن فيرما كان يستمتع على وجه التحديد بالعبث مع أبناء عمومته على الضفة الأخرى من القناة.
وإضافة إلى سروره المستمد من إزعاج زملائه، كان لعادة فيرما في ذكر المسألة دون ذكر حلها دوافع عملية. وأول هذه الدوافع أن تلك العادة كانت تعني أنه لم يكن مضطرا لإهدار الوقت في تقديم شرح كامل لأساليبه، بل كان يستطيع الانتقال إلى انتصاره التالي. وإضافة إلى ذلك، لم يكن عليه أن يعاني من تصيد الأخطاء النابع من الغيرة. فالبراهين تدرس فور نشرها وتصير مادة لجدال يشترك فيه كل فرد وأي فرد يعرف أي شيء عن الموضوع. وحين ألح عليه بليز باسكال في نشر بعض أعماله، أجابه المنعزل: «إنني لا أرغب في أن يظهر اسمي على أي شيء من أعمالي يرى أنه جدير بالنشر.» لقد كان فيرما عبقريا كتوما ضحى بالشهرة لئلا تزعجه الأسئلة التافهة من ناقديه.
وقد كانت هذه الرسائل المتبادلة مع باسكال، هي المناسبة الوحيدة التي ناقش فيها فيرما أفكاره مع أي شخص بخلاف ميرسين، بخصوص ابتكار فرع جديد تماما في الرياضيات، وهو نظرية الاحتمالات. لقد تعرف ناسك الرياضيات على الموضوع من خلال باسكال؛ ولهذا فقد شعر بواجبه في الإبقاء على الحوار بالرغم من حبه للعزلة. ومعا، اكتشف فيرما وباسكال البراهين الأولى واليقينيات المؤكدة في نظرية الاحتمالات التي هي موضوع يتسم في جوهره بانعدام اليقين. وقد كان ما أثار اهتمام باسكال بالموضوع هو مقامر باريسي محترف، هو أنطوان جومبو «شيفالييه دو مير»، الذي كان قد طرح معضلة بشأن أحد ألعاب الحظ التي تدعى «بوينتس». وتنطوي هذه اللعبة على الفوز بنقاط من رمية حجر النرد، وأول لاعب يفوز بعدد محدد من النقاط، يكون هو الفائز وينال الجائزة نقودا.
ناپیژندل شوی مخ