قال «هجل» في كتابه المسمى (محاضرات في تاريخ الفلسفة): «إن الفلسفة المدرسية - في العصر المدرسي - لم تكن مذهبا محدودا كمذهب الأفلاطونيين أو الشكاك، بل كانت مجرد اسم مبهم يطلق على كل مباحث المسيحيين الفلسفية في أكثر من خمسمائة عام.» «فليست الفلسفة في العصر المدرسي إلا لاهوتا، ولا اللاهوت إلا فلسفة، والفيلسوف المدرسي هو من يبحث في اللاهوت بحثا علميا منظما.» ففلسفة العصر المدرسي هي فلسفة أوروبا التي انتشرت بين الكنائس في شكل لاهوتي، وكانت الفلسفة والدين فيه شيئا واحدا، وانفصال أحدهما عن الآخر إنما كان عند انتقال الناس إلى العصور الحديثة لما رأوا أن بعض ما قد يراه العقل حقا قد يراه الدين باطلا، وكانوا من قبل يرون أن ليس هناك إلا حق واحد؛ وهو ما أقره الدين، قال «هجل» في ذلك الكتاب: «إن اللاهوت في العصر المدرسي لم يكن مقصورا على ما يختص الله من العقائد - كما هو الشأن عندنا - بل كان يشمل أدق الأفكار في فلسفة أرسطو والأفلاطونية الحديثة.» كانت الفلسفة في العصر المدرسي توفق بين العقل والدين، بين الطبيعة وقدرة الله، من قبل كانت هذه الأشياء متعادية، ومؤسس هذه الفلسفة «سكوتس إريجينا»، وأكبر ممثليها القديس أنسلمس وأبيلرد والقديس توماس ودنس سكوتس. وتنقسم الفلسفة في العصر المدرسي إلى قسمين: أفلاطونية، وأرسططاليسية أو مشائية، فكانت أولا متأثرة بآراء أفلاطون، ثم أخذت تخضع لنفوذ أرسطو في القرن الثالث عشر، وقد نشأت آراء آباء الكنيسة - العصر الأول - من آراء اليونان والرومان، أما فلسفة العصر المدرسي فنبتت في أرض الجرمان والعالم اللاتيني الحديث، وكانت ثمرة حضارة جديدة.
العصر الرابع من عصور الفلسفة عصر الفلسفة الحديثة، وهو يبتدئ «بالنهضة» ويستمر إلى يومنا هذا.
يرجع قيام الفلسفة الحديثة إلى حركتين تاريخيتين عظيمتين:
إحداهما:
النهضة أو إحياء العلوم وآثار اليونان والرومان في الفنون والعلوم.
والثانية:
الإصلاح الديني، ففي نحو منتصف القرن الخامس عشر ابتدأت المدنية اليونانية تؤثر في عقول الغربيين، وانبعثت من إيطاليا لغة اليونانيين القدماء وشعرهم وفلسفتهم، وسارت سير الفاتح الفائز إلى أن شمل فتحها أوروبا بأجمعها.
نعم، إن الأسباب التي أنتجت هذه الحركات العظيمة كانت تعمل من قبل هذا التاريخ، ولكن لم يتم تكوين النهضة إلا في النصف الأخير من القرن الخامس عشر، عندما سقطت المملكة الشرقية وعاصمتها القسطنطينية في يد الأتراك، فهجر علماء اليونان بلادهم والتجئوا إلى إيطاليا؛ ابتدأت تلك الأسباب تعمل على إيجاد النهضة من أيام الحروب الصليبية - إن لم يكن قبل ذلك - ولم تكن النهضة طفرة، ولا كانت روح العلم القديم ميتة أو في سبات عميق فانتبهت دفعة واحدة، فجداول المدنية والعلم الثلاثة؛ وهي: اليونانية والسامية والرومانية كانت قد تقابلت في الإسكندرية وامتزجت وتكون منها مجرى واحد جديد، ثم عاد ذلك المجرى فتفرع إلى ثلاثة جداول سارت في سبل متفرقة لتمنح العالم خصبا، وهي النصرانية اليونانية، والنصرانية الرومانية، والعربية، ويزاد عليها ما يعد كرافد لها وهو اليهودية، واستمرت هذه الجداول تفيض بهدوء مدة قرون من غير أن تتقابل، وكانت مراكزها العقلية على الترتيب: القسطنطينية، وباريس، وبغداد، ومدارس الأندلس، وقد تقابلت هذه الجداول في بلاط فردريك الثاني،
11
وظهر من اجتماعها مدنية وثنية تكونت من امتزاج هذه المدنيات الثلاث بعضها ببعض، وابتدأت روح الثورة والاستقلال تظهر من ذلك الحين، ولكنها كانت قبل أوانها، فالكنيسة كان لها السلطان الأكبر، وكانت العقول لا تزال تخضع للدين خضوعا تاما، فكانت النتيجة أن تحولت هذه الحركة إلى التيار الديني ثانية، حتى أتت سنة 1453م فكملت النهضة ووصلت بعد السير البطيء المستمر إلى الذروة، وقدر للجداول الثلاثة التي ترفعت في أرض مصر الخصبة أن تتقابل ثانية في رياض الأسرة الميديسية
ناپیژندل شوی مخ