الفصل السابع
علم الأخلاق
إذا كان علم النفس يبحث في الإنسان كما هو وفي أفكاره وأعماله كما هي، فعلم الأخلاق يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وماذا ينبغي أن يعمل، وبأي شكل يشكل حياته. منح الإنسان كثيرا من القوى والملكات، وله ميول كثيرة ورغبات وحاجات عديدة، وهو ليس بمخلوق قد رسم له نوع من العمل يعمل فيه باستمرار فحسب، بل هو مخلوق حر له السلطان التام على أعماله، ففي استطاعته أن يوجه إرادته وأعماله إلى أي جهة أراد، وأن يعامل بني نوعه كما يشاء؛ ينفعهم أو يضرهم، وفي حق نفسه يستطيع أن يكون مجدا أو كسولا، عاملا أو لاهيا، وإرادة الإنسان وأعماله لا بد معها من مقصد، ويستحيل إرادة عمل من غير غرض أو مقصد يقصده بعمله، وعلم الأخلاق يبحث في المقصد والغرض الذي ينبغي أن يكون، والذي يحاول الإنسان أن يناله بأعماله، وإليه يوجه إرادته، وأن ما منحه الإنسان من قوة الفكر العجيبة - التي بها يستطيع أن يبحث في ماهية نفسه - يؤهله للنظر فيما هو الغرض من وجوده، ووضع قوانين وقواعد لسلوكه وأعماله، وعد بعضها حسنا والآخر قبيحا، ولا بد له من إعمال الفكر لمعرفة تلك القواعد، ومجموع هذه الأفكار يسمى علم الأخلاق، فهو يبحث في مصدر الأعمال والباعث عليها والمقصد منها وقوانينها، يبحث في أعمال الإنسان الاختيارية ومصدرها، وفي الحكم الأخلاقي والعواطف ومظاهرها في الحياة.
ما البواعث التي تدفعنا إلى الإتيان بعمل معين في ظروف خاصة دون أن تدفعنا إلى غيره من الأعمال؟ من أين نعرف الخير والشر؟ وإلى أين توصلنا هذه المعرفة؟ تلك أسئلة يتكفل بالإجابة عنها علم الأخلاق.
يظهر أن في الإنسان صوتا باطنا يوحي إليه بما ينبغي أن يفعل، ويميز به بين الحق والباطل، والحسن والسيئ، والنافع والضار، والأخلاقي
1
وغيره، ويسمى هذا الصوت بالوجدان، وهو نوع من الشعور الباطني ليس يخضع لسلطان خارجي، وهذا الشعور هو الذي كان يحمل الناس على السير في طرق خاصة قبل أن تبحث النظريات الأخلاقية بحثا فلسفيا بأزمان طويلة؛ وهو ناشئ إما من غزيرة في الإنسان، وإما من المعتقدات الدينية، وإما من أحكام تواضع بعض الناس عليها وقرروا العمل بها لما رأوا فيها من الخير والمنفعة العملية لهم، وتأكدت هذه الأحكام بالجري عليها، ثم أجبر الناس على العمل بمقتضاها، وصارت فيما بعد عرفا وعادات، وأصبح العمل على وفقها أخلاقيا، وانتهاك حرمتها مخالفا للأخلاق، قال زجلر: «العرف مجموعة أعمال محدودة تواضع الناس عليها اعتباطا، ونمت في أوساط خاصة سيما في المجتمعات الطبيعية والجنسية كالعشيرة والقبيلة، ثم صار يعد انتهاكها تعديا على الآداب، واتباعها فضيلة.»
وبعد أن جمع علم الأخلاق عادات الأمم وخصالها ورتبها وقسمها لم يقنع بحقائقها مجردة، بل أخذ يبحث في «من أين؟» و«لم؟» و«إلى أين؟»
ابتدأ هذا العلم ببيان عادات الأمم ونظمها، واستحسن بعضها واستقبح بعضا،
2
ناپیژندل شوی مخ