وتسمى المباحث التي تتعلق بالنفس أو العقل: علم النفس أو سيكولوجيا؛ من «سيكي» نفس و«لوجوس» علم، وهو يبحث في الإنسان من الجهة الخلقية والعقلية لا من الجهة الجسمية.
ولسنا نتعرض هنا للبحث فيما إذا كان العقل أو النفس شيئا غير الجسم مستقلا عنه، أو كانت قوة التفكير التي ميزت الإنسان عن غيره من الحيوان، والتي أخذت في النمو شيئا فشيئا برقي النوع الإنساني من حالة البداوة إلى حالة المدنية، تابعة لحالات الإنسان الجسمية؛ فإن رسالة تؤلف سواد الناس لا يتسع المجال فيها لهذا البحث؛ ويكفينا هنا أن نذكر أن العلاقة بين العقل والبدن، وإن شئت فقل بين أعضاء البدن الظاهرة والأخرى التي يظهر أنها خفية، كانت موضع اهتمام عظيم في العصور الحديثة أدى إلى كثير من النتائج العلمية الهامة، ومن أشهر رجال هذا العلم «هكسلي» و«بخنر» وغيرهما.
إن هذه الرسالة التي لم يكن من غرضها إلا النظر في الفلسفة من جهة تاريخية وعرض مسائلها تتجنب البحث فيما إذا كان النظام العقلي والبدني شيئا واحدا أو شيئين، وفيما إذا كان العقل قوة غريزية أو مكتسبة، بل ولا تتعرض لما «إذا كان الرقي العقلي للإنسان - كما يقول هكسلي - يشبه السرفة
2
في تحولها، تنزع عنها جلدها وتتحول إلى فراشة، وأن العقل الإنساني في أكبر مظاهره ثمرة القوى الطبيعية، وأنه مركب من مواد كما تتركب الشمس والسيارات، أو أن الفكر منبعث عن النفس التي هي شرارة إلهية» كلا، بل ولا تخوض فيما إذا كامن الروح عندما يلفظ النفس الأخير يرد إلى عالم الأرواح غير المعروف كما يقول رجال الدين، فيرجع الجسم إلى الأرض ويلحق الروح بالله، أو أنه يفنى فناء الجسم ويشتركان في الفناء كما اشتركا في البقاء ويختفي الإنسان كما يختفي النبات؛ تلك كلها مسائل نذكرها ولا نناقشها.
من المحتمل أن يكون الفكر شيئا روحانيا، وأن يكون مجرد قوة بدنية هي وظيفة المخ المنظم عند الإنسان أكثر منه عند الحيوانات اللبونة،
3
والذي يهمنا هنا هو أن نذكر أن المخ - على أي حال كان - هو عضو التفكير، وهو يفنى مع مادة الجسم، ويصبح الرأس بعد الموت وقد زال عنه كل ما كان له من حيل ودهاء ومغالطة وسفسطة.
وما دامت العلاقة بين الفكر والبدن قائمة، وما دام المخ يؤدي وظائفه، فإننا نعرف، ونفكر، ونريد، ونرغب، ونحس، ونشعر بصدور هذا عنا.
وعلم النفس ينظر في الأعمال التي نعملها والطريق التي نتبعها للوصول إلى ذلك الشعور، ويبحث في حقيقة القوى التي تفعل ذلك؛ أعني قوة المعرفة، وقوة الشعور، وحدود الفكر، ومقدار الثقة بصحة التفكر، ووظائف العقل المختلفة التي بها ندرك ونحكم ونتخيل.
ناپیژندل شوی مخ