والصنف الثاني: من أزدشير بن بابك إلى يزدجرد بن شهريان المقتول في زمن عثمان بن عفان، وعدد ملوك هذا الصنف الأخير ثلاثون ملكا، منهم امرأتان، فأول من ملك منهم: أزدشير بن بابك بن ساسان الأصغر، وبينه وبين الهجرة أربعمائة سنة وأربعون سنة، وهو أول من جمع ملك الفرس بعد أن كان قد تفرق، وذلك أن الإسكندر لما قهر الملوك كلها، ومن جملتهم الفرس كتب إلى معلمه أرسطاطاليس يستشيره في أمر الفرس، فقال له: ول كل رجل من أكابرهم ناحية، فإنهم يتنافسون على الملك، فلا يجتمعون على ملك منهم، فمن خالفك منهم كانت مؤنته عليك خفيفة، ففعل ذلك الإسكندر فلم يزالوا كذلك قدر أربعمائة سنة، ولم يجمعهم ملك، ولما ولي أزدشير بعد أن كابد منهم مشقة[عظيمة] شديدة قال: إن كلمة مزقتنا أربعمائة سنة لكلمة مشؤمة يعني كلمة أرسطاطاليس، ولما استوسق له الأمر، ولم يبق من يخالفه إلا الأسكانية من ملوك الطوائف أقسم إن تمكن [منهم] أن لا يبقي منهم رجلا ولا امرأة، فلما تمكن منهم لم يسلم منهم إلا من أخفى نسبه ونفسه، وكان قد أخذ ابنة ملكهم، وكان حسنها بارعا، فلما وقعت عينه عليها، قال: أنت من بنات ملوكهم؟ فقالت: بل من خدمهم، فاصطفاها لنفسه، فحملت منه، فلما علمت بالحمل شهرت نفسها، وقالت: أنا ابنة ملكهم، فأمر شيخا من رجاله يودعها بطن الأرض إشارة إلى قتلها، فقالت للشيخ: إني حبلى من الملك، فقال: لا نبطل زرع الملك فأخذها، وعمل لها سربا تحت الأرض، وجعلها فيه، ثم عمد إلى مذاكيره فجبها، ووضعها في حق وختم عليه، ورجع إلى الملك، وقال: [قد] أودعتها الأرض، ودفع إليه الحق، وقال: إن فيه وديعة، واستوصاه يرفعها له وأقامت الجارية في ذلك السرب إلى أن وضعت غلاما، فسماه الشيخ: شاه بور، أي: ولد الملك، فسماه الناس سابور، وبقي أزدشير هذا دهرا لا يولد له ولد، فرآه الشيخ حزينا، وكان خاصا به، فقال له: سرك الله -أيها الملك- ويعمرك ما لي أراك كئيبا؟ فقال: من أجل أن ليس لي ولد يرث ملكي؟ فقال له الشيخ: إن لك عندي ولدا طيبا فادع بالحق فدعا به، ففض خاتمه، فإذا فيه مذاكير الشيخ، وكتاب: إنه لما أمرني الملك بقتل المرأة التي علقت منه لم أر أن أبطل زرع الملك الطيب، فأودعتها بطن الأرض كما أمرني، وتبرأت إليه من نفسي لئلا يجد عائب إلي عيبا ولا سبيلا، فسر أزدشير بذلك سرورا عظيما كبيرا، وأمر الشيخ بعد ذلك أن يجعل الصبي بين مائة غلام من أشباهه في الهيئة، ثم يدخلهم عليه فعرفه أزدشير من بينهم، وقبلته نفسه، فأمرهم أن يلعبوا في حجرة الإيوان بالصولجان، فدخلت الكرة الإيوان فأحجم الغلمان عن دخوله دونه، فدخل، فأمر أزدشير عند ذلك بعقد التاج له. ومما حفظ من وصاياه له عند نصبه إياه للملك أنه قال له: يا بني، إن الملك والدين أخوان، لا غنى لأحدهما عن صاحبه، والدين رأس الملك، والملك حارسه، وما لم يكن له رأس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.
مخ ۱۳۱