وما منهم إلا من خر عن معركته قتيلا، أو عاش أهلا في بيته ذليلا، يسمع شتيمة الوصي فلا ينكر، ويرى قتلة الأئمة وأولادهم فلا يغير، ولا يخفى عليكم جرح عامتهم وخشونتهم لجابر الجعفي ولرشيد الهجري ولزرارة بن أعين ولفلان، ولأبي فلان. ليس إلا لأنهم -رحمهم الله- كانوا يتولون أولياء الله، ويتبرؤن من أعداء الله، وكفاك به جرما عظيما عندهم، وعيبا كبيرا بينهم، وقل في بني العباس فإنك ستجد بحمد الله مقالا، وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالا يجبى فيئهم، فيفرق على الديلمي والتركي، ويحمل إلى الفرغاني والمغربي، ويموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات أهل بيت المصطفى، فلاتتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت شراط لهم ولعاب، أو مسخرة أو ضراب، فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة، ويسلم عليهم من يعرفونه دهريا، أو سوفسطائيا، ولا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا، أو مانويا، ويقتلون من عرفوه شيعيا، ويسفكون دم من سمى ابنه عليا، ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن حنين قتله داود بن علي ولو لم يحبس منهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحا لا يبرى وثائرة لا تطفى، وصدعا لا يلتئم، وقرحا لا يلتحم، وكفاكم أن شعراء قيس قالوا في الجاهلية أشعارا يهجون بها المؤمنين، ويعارضون فيها شعراء المسلمين، فحملت أشعارهم، ورويت أخبارهم، ورواها الرواة مثل الواقدي، ووهب بن منبه اليماني وابن الكلبي والشرق بن القطامي، والهيثم بن عدي وابن دأب الكناني وأن بعض شعراء الشيعة تكلم في بعض مناقب الوصي، بل في معجزات النبي فقطع لسانه، وتمزق ديوانه كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري وكما أريد من دعبل بن علي الخزاعي مع رفعهم من مروان بن أبي حفصة الأموي وعلي بن الجهم الشامي ليس إلا لغلوهما في النصب، واستحسانهما مقت الدين حتى أن هارون والمتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالا، ولا يبذلان نوالا إلا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البحتري ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي، ومن الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي.
فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري وأبي السمط ابن أبي الجبوب الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي.
ونحن -أرشدكم الله- قد تمسكنا بالعروة الوثقى، وآثرنا الدين على الدنيا فلن يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا، ولم يخل بنا عقيدة نقصان من نقص منا فإن ((الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا)) كلمة من الله ووصية من رسول الله، والعاقبة للمتقين، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، ومع اليوم غد، ومع السبت أحد.
وقال عمار بن ياسر يوم صفين: لو ضربونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل، ولقد هزم عسكر رسول الله ثم هزم، ولقد تأخر الإسلام ثم تقدم:{الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }[العنكبوت:1،2].
مخ ۱۲۰