معارج القبول بشرح سلم الوصول
معارج القبول بشرح سلم الوصول
ایډیټر
عمر بن محمود أبو عمر
خپرندوی
دار ابن القيم
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
د خپرونکي ځای
الدمام
ژانرونه
جَزَاؤُهُمْ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٥٩] وَجَعَلَهُمُ اللَّهُ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ، فمن فعل كمن فَعَلُوا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُهُمْ كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِذَلِكَ: ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ [الْقَمَرِ: ٤٣] .
وَ"مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ" لِمَعَانِيهَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّنَادِقَةُ أَيْضًا كَتَأْوِيلِهِمْ "نَفْسَهُ" تَعَالَى بِالْغَيْرِ، وَأَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَيْهِ كَإِضَافَةِ بَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٢٨] أَيْ: غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥٤] أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ عِيسَى: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ١١٦] أَيْ: وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه: ٤١] أَرَادَ وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ بَلْ وَلَا يَتَوَهَّمُهُ وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا كَافِرٌ. وَكَتَأْوِيلِهِمْ "وَجْهَهُ" تَعَالَى بِالنَّفْسِ مَعَ جُحُودِهِمْ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْظُرْ لِتَنَاقُضِهِمُ الْبَيِّنِ، وَهَذَا يَكْفِي حِكَايَتُهُ عَنْ رَدِّهِ. أَمَّا مَنْ أَثْبَتَ النَّفْسَ وَأَوَّلَ الْوَجْهَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٢٧] فذكر الوجه مرفرعا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَلَفْظُ رَبِّ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ، وَذَكَرَ ذُو مَرْفُوعًا بالتبعية نعتا لوجه، فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ هُوَ الذَّاتَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" بِالْيَاءِ لَا بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٧٨] فَخَفَضَهَ لَمَّا كَانَ صِفَةً لِلرَّبِّ فَلَمَّا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِالرَّفْعِ إِجْمَاعًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ لَيْسَ هُوَ الذَّاتَ وَلَمَّا رَأَى آخَرُونَ مِنْهُمْ فَسَادَ تَأْوِيلِهِمْ بِالذَّاتِ أَوِ الْغَيْرِ لَجَئُوا إِلَى طَاغُوتِ الْمَجَازِ فَعَدَلُوا إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَمَا يُقَالُ: "وَجْهُ الْكَلَامِ" وَ"وَجْهُ الدَّارِ" وَ"وَجْهُ الثَّوْبِ" وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَتَكَلَّفُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ ﷺ كُلَّ التَّكَلُّفِ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ فَوَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالدَّارُ وَالْكَلَامُ مَخْلُوقَاتٍ كُلَّهَا وَقَدْ شَبَّهْتَمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؟ فَأَيْنَ الْفِكَاكُ وَالْخَلَاصُ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فُصِّلَتْ: ٢٣] وَكَمَا أَوَّلُوا الْيَدَ بِالنِّعْمَةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ: "لَكَ
1 / 358