المؤونة وقلة الفائدة، وإنما كان كافور قد وعده بأن يوليه ويقطعه، فجعل يسوفه ويمطله، وجعل يعطيه الشيء بعد الشيء ما يقوم بمئونته ومؤونة دوابه وغلمانه، فلما طال عليه ذلك قال له: إذا لم تنط بي ما وعدتني، وأعطيتني شيئا لا يبقى لي، ولا يفضل عني لأني أخرجه أولا فأولا، فكأنك لم تصنع شيئا، فجعل جوده في إعطائه له هذا الشيء اليسير بمنزلة الكسوة، وشغله له وقطعه عن التسبب بمنزلة السلب، فهذا هو المعنى.
(وقد روي: وشغلك، بفتح الشين، وذلك مما يدل على ما قلت).
وقوله: (الطويل)
وكُلُّ تمرْئ يُولي الجميلَ مُحَبَّبٌ ... وكُلُّ مَكَانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيَّبُ
قال: قوله: ينبت العز استعارة حسنة؛ أي: من حصل بين يديك عز وعلا قدره.
وأقول: لا شك أن الاستعارة حسنة، ولكنه لم يفهم معنى البيت. ومعناه: أنه لما ذكر أهله وأوطانه فيما قبله، وذكر حنينه اليهم، وفضل كافورا عليهم في مقامه عنده، وانقطاعه إليه قال: لا ينبغي للإنسان أن يحن إلى الأهل والوطن إذا لم يوافق، وإن كان الأهل محببين، والوطن طيبا، بل المرء الذي يولي الجميل هو المحبب على الحقيقة، وكذلك المكان الذي ينبت العز هو الطيب، ويعني بذلك مقامه عند كافور لأنه بهذه المثابة.
1 / 42