وقوله: (البسيط)
كأنَّ كلَّ سؤالٍ في مَسَامِعِهِ ... قميصُ يُوسُفَ في أجفَانِ يَعْقُوبِ
قال: يقول: يفرح بكل سؤال فرحة يعقوب بقميص يوسف؛ كرما وسخاء.
وأقول: المعنى أن سمعه ينتفع بسؤال العفاة، كانتفاع أجفان يعقوب بقميص يوسف، وذلك إشارة إلى قوله تعالى: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا).
فإن قيل: فهذا يناقض قوله في مكان آخر: (الخفيف)
والجِرَاحَاتُ عندَهُ نَغَماتٌ ... سَبَقتْ قَبْلَ سَيَبْهِ بسُؤالِ
أي: يستضر بنغمات السؤال قبل العطاء؛ كاستضراره بالجراحات.
فيقال: لا يع هذا تناقضا وعيبا، ولكن يعد هذا حذقا وتوسعا وصناعة من الشاعر،
فيمدح بشيء في موضع، ويجعله ذما في موضع آخر. ألا ترى إلى مديح الشعراء الشجعان والأجواد بتشبيههم لهم بالأسود والبحار، وإلى قول أبي الطيب: (الطويل)
ولَوْلاَ احْتِقَارُ الأُسْدِ شَبَّهْتها بهم ... ولكنَّها مَعْدُودَةٌ في البَهَائم
وإلى قول بعض شعراء المغرب: (الطويل)
سألتُ أخَاهُ البَحْرَ عنه فقال لي ... ضقِيقِيَ إلاَّ انَّهُ السَّاكِنُ العَذْبُ
لنا دِيمَتَا ماءٍ ومَالٍ فَديمَتي ... تَمَاسَكُ أَحْيَانًا ودِيَمَتُهُ سَكْبُ
1 / 39