وقوله: (الطويل)
ولا فَضْلَ فيها للشَّجاعة والنَّدَى ... وصَبْرِ الفَتَى لَوْلاَ لِقاءُ شَعُوبِ
قال: يقول: لو أمن الناس الموت لما كان للشجاع فضل؛ لأنه قد أيقن بالخلود فلا خوف عليه، وكذلك الصابر والسخي، لأن في الخلود وتنقل الأحوال من عسر إلى يسر، وشدة إلى رخاء ما يسكن النفوس، ويسهل البؤس.
وأقول: إن قوله في الشجاع صواب، وفي الصابر والسخي بما علله من العسر واليسر وغير ذلك غير صواب. والصحيح؛ أن يعلل أمر الصابر والسخي بما علل به أمر الشجاع، فيقال إن الشجاع لو لم يتخوف الموت، ويجوز وقوع الهلاك، لما كان لإقدامه فضل. وكذلك الصابر؛ لأنه بمنزلة الشجاع لأن الصبر شجاعة، والشجاعة صبر.
وكذلك يقال في الجواد: إنه إذا أعطى ماله وهو واثق بالسلامة في غزو الأعداء، وسلب الأموال، واقتحام الأخطار في الأسفار بقطع البحار، وجوب القفار، لم يكن له بالجود فضل؛ لأنه قادر على خلف ما يعطي من غير خوف هلاك، ولا تجويز
تلف. (وهذا مثل قوله أيضا: (البسيط)
لولا المَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كلهُمُ ... الجُودُ يُفْقِرُ والإقدَامُ قَتَّالُ)
1 / 20