ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
يتضمن البعد الثالث لممارسة الصبر التركيز على سمات الواقع التي يجد الأفراد في تقبلها صعوبة كبرى. ومن ذلك على سبيل المثال، الشيخوخة والموت. غالبا ما تعد هذه الموضوعات من المحرمات لأن كثيرا من الناس لا يريدون التفكير فيها. يبدو أن هذا يحدث بصفة خاصة في المجتمعات الأكثر ثراء، حيث تعزز النزعة الاستهلاكية ثقافة الشباب. غير أن التفكير في مثل هذه الموضوعات قد يعزز من رفاهيتنا. فالتأمل في حتمية التقدم في العمر والموت ودورهما كأجزاء من وجودنا يمكن أن يقودنا إلى قدر أكبر من التسامح تجاه هذه الجوانب من الواقع، والتي قد تسبب لنا اليأس والاكتئاب لو نظرنا إليها بطريقة أخرى.
كما سبق واقترحت عدة مرات، فإن كل شيء في العالم يأتي نتيجة لعدة عوامل. وفي أي حدث معين، لا تمثل أفعالنا سوى عامل واحد بين نطاق كبير من الأسباب والظروف. وبالمثل، فدائما ما يتسم أي موقف بالعديد من الجوانب. ولذا؛ عندما تحل علينا محنة ما، مثل عدم الحصول على الوظيفة التي كنا نأمل فيها، يجدر بنا التفكير في أن القرار نفسه الذي خيب آمالنا سيكون قد أفاد شخصا آخر، ربما شخص أكثر حاجة إليه منا. على الرغم من أن التفكير على هذا النحو ليس بالأمر السهل، فإن مثل هذه الاعتبارات قد تخفف من إحساسنا بالخسارة؛ إذ تشعرنا بشيء من الفرح تعاطفا مع حسن حظ الآخرين. وفي الوقت نفسه، سيكون للفعل البسيط المتمثل في تحويل تركيز انتباهنا بعيدا عن أنفسنا، ذلك التأثير الذي يجعل المشكلة تبدو أقل صعوبة في تحملها.
إن فوائد تنمية الصبر واضحة. ذلك أن ممارسة الصبر تحمينا من فقدان رباطة الجأش، وبذلك تمكننا من ممارسة الفطنة، حتى في أوج احتدام المواقف الصعبة. إنها تعطينا مساحة داخلية. وداخل تلك المساحة، نكتسب درجة من ضبط النفس، مما يمكننا من اختيار الاستجابة إلى المواقف بطريقة مناسبة تتسم بالرأفة بدلا من أن توجهنا في ذلك دوافعنا القهرية. ومن خلال التنمية المستمرة، فإن الصبر على النحو الذي وصفته به، يعدنا للتعامل مع تقلبات الحياة التي لا مفر منها. علاوة على ذلك، لا شك أن الصبر صفة يقدرها الآخرون كثيرا! فمن خلال التحلي بالصبر، نصبح بطبيعة الحال أكثر جاذبية للآخرين. ذلك أنه يساعد في تهدئة الناس حين يكونون معنا ويجعلهم يستمتعون بصحبتنا. لكن الأهم من هذا كله أن الصبر هو ترياق قوي للمشاعر الهدامة من غضب وإحباط. (2) القناعة
في رحلاتي الأولى إلى الدول الغربية، اعتدت زيارة مراكز التسوق أحيانا. في تلك الأيام، لم تكن مثل هذه المراكز التجارية موجودة في الهند، وكان من المثير للإعجاب بالنسبة إلينا - نحن التبتيين - أن نرى كل المحال التجارية الأنيقة بواجهاتها المضاءة بجميع أنواع المنتجات الاستهلاكية. وأنا أحب الأشياء الميكانيكية، مثل الساعات، منذ الطفولة؛ ولذا وجدت الأدوات الميكانيكية والإلكترونية الحديثة في هذه المتاجر هي الأكثر جاذبية. وعند النظر إليها، كنت أحدث نفسي أحيانا قائلا: «آه، أريد هذا»، «أرغب في ذلك!». لكني كنت أسأل نفسي بعدها: «هل أحتاج إلى هذا الشيء حقا؟» في معظم الأوقات بالطبع، كانت الإجابة بالنفي. إذن، كانت أفكاري الأولى تنبع من نوع من الطمع الغريزي، لكن حالما كنت أراجع نفسي وأنظر نظرة واقعية إلى الأمر، لا أعود أشعر بأي حاجة إلى الحصول على هذه الأشياء أو السيطرة عليها. وهذا ما فهمته من خلال ممارسة القناعة.
في بعض الأحيان، يؤدي وصف القناعة بأنها قيمة أخلاقية أساسية إلى قليل من الالتباس. فقد يقال إن القناعة ليست قيمة أخلاقية في حد ذاتها؛ لأنها تعنى برفاهية الفرد لا رفاهية الآخرين. أليست القناعة هي ما يشكل السعادة التي تأتي من الاهتمام بالآخرين والرأفة بهم في الحياة؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن اعتبارها قيمة أخلاقية يمكن تغذيتها في حد ذاتها؟ علاوة على ذلك، قد يقال إن القناعة لا يمكن ممارستها، بل ينبغي الوصول إليها.
عندما أتحدث عن القناعة بصفتها قيمة أخلاقية على هذا النحو، فلست أتحدث في حقيقة الأمر عن حالة عامة من الرفاهية أو السعادة، بل عن مفهوم أكثر تحديدا للقناعة نسميه في اللغة التبتية «شوجشي». وأنا لا أعرف أي ترجمة بسيطة لهذا المصطلح باللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى، وبما أنه يترجم عادة إلى «القناعة»، فأنا أستخدم هذا المصطلح أيضا. لكن ما يعنيه مصطلح «شوجشي» حقا هو «غياب الطمع». ومعناه الحرفي: «معرفة [ما هو] القدر الكافي» أو «معرفة الحد الذي ينبغي أن يقنع عنده المرء». إنه يعني القدرة على الشعور بالرضا دون البحث عن المزيد.
وعليه، فإن القناعة وفقا لهذا المنظور، شبيهة بفضيلة الاعتدال. ذلك أنها تنطوي على قدر معين من التواضع في الطموح، أو أن يكون للمرء رغبات محدودة. فمن خلال العيش بتواضع ووضع حدود مقبولة، نحرر أنفسنا من الشعور بانعدام الأمان والنقص اللذين يتولدان من الاشتهاء الملح المستمر. من خلال ممارسة القناعة، نسمح لأنفسنا بالاستراحة في حالة كامنة من الرضا، واثقين في معرفة أننا نعيش تبعا للمثل التي نسعى لدعمها. ومن خلال الحد من متطلباتنا ورغباتنا، نتجنب المعاناة من الاستياء والإحباط اللذين يولدهما الجشع.
ثمة عبارة مأثورة في التبت تقول: «على باب الغني البائس ينام المتسول الراضي». ليس المقصد أن الفقر فضيلة، لكن أن السعادة لا تأتي من الثروة، وإنما من وضع حدود لرغباتنا والعيش ضمن تلك الحدود برضا.
أشعر بأن تنمية الرضا أمر مهم للغاية في عالم اليوم المادي الذي تسود فيه النزعة الاستهلاكية العالمية. إن المجتمع المادي يضع الأشخاص تحت ضغط مستمر يجعلهم يرغبون في المزيد وينفقون أكثر بكثير مما يلبي حاجاتهم الأساسية. تصمم الإعلانات الأنيقة لإثارة الخيال وتوليد تصور بأن السلع المادية ستجعلنا سعداء، وأن لدينا نقصا بطريقة أو بأخرى ما لم نحصل على أحدث الكماليات أو الأدوات أو الأزياء . ومن ثم، فإن مادية المجتمع الحديث تجعل ممارسة الاعتدال والقناعة ضرورة يومية إذا أردنا مقاومة الاستسلام للشعور بعدم الرضا الشخصي المتولد من الرغبات الملحة غير الواقعية.
إن التحكم في رغبتنا للحصول على المزيد، وتعلم العيش ضمن حدود واقعية، لا يخدم مصلحتنا الفردية فحسب. وإنما هو ضروري أيضا إذا أردنا التغلب على تحديات الحياة على الأرض التي يولدها سعينا المتواصل للحصول على المزيد. فالموارد المادية لهذا الكوكب محدودة. أضف إلى ذلك أن عدد السكان العالمي يزداد بسرعة وأن سكان البلدان الأقل نموا يطمحون بطبيعة الحال إلى مستوى الراحة الذي يتمتع به سكان العالم المتقدم، وذلك حقهم بالطبع؛ فيبدو من الجلي أن المسار الذي نتخذه حاليا مسار غير مستدام. تسهم المساحات الطبيعية الرائعة في العالم بالكثير في الحفاظ على التوازن البيئي للكوكب. غير أن الغابات، والمحيطات، والبيئات الطبيعية الأخرى تتعرض للانتهاك والتدمير، وقد انقرضت خلال حياتي أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات. وبهذا؛ فإن أنماط الحياة العصرية المريحة التي يعدها الكثير منا من المسلمات، ويطمح آخرون كثر في الوصول إليها؛ تكلفنا الكثير في الواقع.
ناپیژندل شوی مخ