ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
إن الانتباه إلى التجربة العاطفية مفيد للغاية، لكن تحقيقه صعب للغاية في بادئ الأمر. الحق أن محاولة تمييز المشاعر في لحظة ظهورها قد تبدو مستحيلة في البداية. ويعزى ذلك بقدر كبير إلى أنها سريعة للغاية، وفي تلك اللحظة الخاطفة التي ينشأ فيها بداخلنا شعور قوي، فإن هذا الشعور يبدو وكأنه يشغل كامل وعينا. ونتيجة لهذا، فإن العملية التي تظهر من خلالها غامضة علينا. هذه الصعوبات طبيعية، وينبغي ألا تجعلنا نشعر بوهن العزيمة أو الإحباط. بل يجب أن نتذكر أن الوعي العاطفي لا يتطور إلا تدريجيا، مع التحلي بالمثابرة والصبر. ولهذا السبب، لا يمكننا البدء بمعالجة مشاعرنا مباشرة، بل ينبغي لنا التركيز على مظاهرها الخارجية في سلوكنا.
في هذا السياق، من المفيد تصور بداية الشعور الهدام على أنه سلسلة سببية تبدأ بمنبه خارجي وتنتهي باستجابتنا السلوكية. ويتمثل الهدف من الوعي العاطفي في جذب انتباهنا أو يقظتنا إلى هذه العملية التي تستغرق أجزاء من الثانية، ومن ثم اكتساب قدر من التحكم فيها.
تخيل، على سبيل المثال، بابا يصفق. يأتي بعد ذلك إدراكنا المادي لذلك المنبه من خلال حاستي السمع والبصر، وربما اللمس أيضا. في البداية، يكون هذا حدثا ماديا بحتا، لم يصطبغ بعد بأي تأويل. لكن بعد ذلك، بعد أقل من جزء من الثانية، يأتي التأويل. وغالبا ما تنطوي هذه المرحلة على عنصر من الإسقاط أو المبالغة: على سبيل المثال، إصدار حكم في جزء من الثانية بأن فلانا قد صفق الباب عمدا على سبيل الإهانة. وسرعان ما يتبع التأويل بالاستجابة العاطفية أو الانفعالية، التي قد تكون الغضب أو الانزعاج أو الهياج. وفي النهاية، وبسرعة كبيرة في كثير من الأحيان أيضا، تأتي استجابتنا السلوكية؛ إذ نقول شيئا أو نفعل شيئا بدافع الانتقام.
حالما نفهم هذه السلسلة السببية، يصبح الهدف هو اعتراض تدفقها عن طريق «كبح جماح أنفسنا»، إن جاز التعبير، واستحضار الوعي في العملية. وعموما، فإن الأسهل هو البدء بالقرب من النهاية؛ أي بين رد الفعل العاطفي والتعبير السلوكي عنه. وبعد ذلك، عندما نصبح أكثر دراية بالعملية ويتطور وعينا العاطفي بمرور الوقت، يمكننا العودة إلى الوراء على طول السلسلة السببية، رغبة في تحقيق الهدف النهائي المتمثل في قمع المشاعر المؤذية أو التخلص منها تماما. (9) كبح جماح النفس
إذن، ينبغي توجيه جهودنا الأولية نحو ضمان عدم تحول استجاباتنا العاطفية الهدامة إلى فعل بدني أو لفظي. الفكرة هي أن نكبح جماح أنفسنا قبل أن نبدأ في الانفجار، وأن نمارس ضبط النفس. يذكرني هذا بقصة تبتية معروفة عن بن جونجيال، الذي كان لصا ثم أصبح معلما روحيا. ذات يوم بينما كان بن جونجيال يزور منزل أحد الأشخاص، تركه مضيفه وحده. ولأنه كان قد اعتاد السرقة للغاية، امتدت يده اليمنى غريزيا لأخذ شيء ما. وفي اللحظة نفسها أمسك بنفسه حرفيا؛ إذ قبض بالفعل على ذراعه اليمنى بيده اليسرى وصرخ قائلا: «يوجد لص! يوجد لص هنا!»
لمساعدتنا على تعلم كيفية ضبط النفس وكبح جماحها، من المفيد أن نألف الطرق التي تؤثر بها تجاربنا العاطفية الهدامة على جسدنا. على سبيل المثال، ماذا يكون شعورك في اللحظة التي تصبح فيها منزعجا؟ هل تتغير ضربات قلبك؟ هل تشعر بأي شد في الوجه؟ هل يحدث أي وخز في ذراعيك أو كتفيك؟ بماذا تشعر عندما تواجه مشهدا يثير اشمئزازك لأول مرة؟ هل يوجد شد في العضلات؟ وما الأحاسيس المصاحبة لمشاعر الغيرة أو الحسد؟ هل تشعر بها في معدتك، أو ربما في صدرك ؟
إضافة إلى تعلم كيفية التعرف على المظاهر الجسدية لعواطفنا، يمكننا أن نحاول مراقبة استجاباتنا الجسدية والنفسية لهذه الأحاسيس. هل نتصرف بطريقة معينة، أو نقول أشياء معينة، أو تدور في أذهاننا أفكار معينة؟ هل نقطب جبيننا أو نحكم قبضة أيدينا؟ أيمكن أن نشعر بالحاجة إلى المشي أو الوقوف، أو ربما التململ فحسب؟ هل يتغير صوتنا عندما نكون مضطربين؟ أيصبح الصوت أعلى أو أكثر حدة؟ هل ترد الكلمات على الذهن بوتيرة أسرع؟ إذا كنا بصدد العمل أو الحديث عند ظهور مثل هذه العواطف، فكيف تؤثر العاطفة على عملنا أو مضمون ما نقوله؟
يساعدنا الانتباه إلى مثل هذه التفاصيل في التعرف على حالاتنا العاطفية، ومع المزيد من المعرفة نكتسب مزيدا من السيطرة. وغالبا ما تساعد الأعمال البسيطة المتمثلة في الانفصال بأنفسنا عن هذه الحالات العاطفية وفحصها في تهدئتها.
حالما تعتاد تماما على هذه العملية وتبدأ في وضع مقياس للنجاح في تقييد ردود أفعالك السلوكية، يمكنك بعد ذلك التراجع خطوة واحدة على طول سلسلة السببية ومحاولة منع الشعور نفسه من الوصول إلى مرحلة التفجر. بعبارة أخرى، يمكنك أن تتعلم تهدئة نفسك في اللحظة ذاتها التي تدرك فيها بداية نشوء الشعور القوي. قد يشمل القيام بذلك على سبيل المثال، أخذ عدة أنفاس عميقة، أو يتضمن ببساطة تحويل ذهنك عن العامل المثير. أو ربما تصبح قادرا على رؤية موقف معين بصورة أكثر إيجابية، كما في حالة الشباب الفلسطينيين الذين تعلموا رؤية صورة الإله في وجوه الجنود عند نقاط التفتيش الإسرائيلية. في بعض الأحيان، حتى إذا كان الموقف الراهن مأساويا، فإن النظر إليه في سياق أسبابه وظروفه المتعددة يمكن أن يساعد في نزع فتيل ردود الفعل العاطفية السلبية القوية. يفيد ذلك أيضا في رؤية الموقف من زوايا أو وجهات نظر مختلفة؛ فيصبح من الممكن رؤية بعض النتائج الثانوية في موقف يبدو مأساويا من إحدى الزوايا.
مع اكتساب المزيد والمزيد من الدراية بهذا النهج، ستصبح تدريجيا أكثر تمرسا وإتقانا، حتى تصل إلى النقطة التي قد تتمكن عندها من الإمساك بزمام نفسك حتى قبل نشوء السلوك الانفعالي. فحين تصبح واعيا بكيفية نشوء المشاعر الانفعالية كالغضب أو الحنق أو الانزعاج لديك، يمكنك أن تتعلم تمييز ما يحفزها ومن ثم يمكنك تسليح نفسك ضدها من خلال استحضار الوعي لممارسته في مرحلة مبكرة من العملية. في النهاية، من خلال الممارسة يمكنك إضعاف حساسيتك للمحفزات نفسها، من خلال عدم السماح لعنصر الإسقاط بتشويه تفسيرك للأحداث. يمكن أن تكون هذه المرحلة النهائية بالغة الصعوبة، لكن إذا تمكنت من تحقيقها، فستجدها أيضا تحريرية للغاية. فحتى عندما تتعرض لمحفز مثل كلمات عدائية من شخص آخر، سيحميك وعيك من التأويلات الغريزية التي تجعلها المبالغة والإسقاط ضبابية، ومن ثم فإنها تمكنك من الاستجابة بهدوء وفطنة. (10) مسألة الحالات المزاجية
ناپیژندل شوی مخ