ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
إن جميع التحديات الرئيسية التي نواجهها في العالم تستلزم اتباع نهج قائم على الوعي الأخلاقي والقيم الداخلية. فصيانة المستقبل لا تقتصر على القوانين والأنظمة الحكومية؛ بل تتطلب المبادرة الفردية أيضا. نحن بحاجة إلى تغيير طريقتنا في التفكير وسد الفجوة بين الإدراك والواقع. لهذا السبب، ومن أجل مواجهة هذه التحديات، فإن التعليم أمر جوهري. (8) تعليم الأجيال القادمة
عندما بدأ التعليم الحديث، كان الدين لا يزال قوة مؤثرة في المجتمع، ومن ثم كان غرس فضائل من قبيل ضبط النفس، والتواضع، والخدمة؛ جزءا من التنشئة الأسرية والمشاركة في مجتمع ديني، ومن ثم فقد كان من الممكن إهمالها إلى حد كبير في السياقات التعليمية. وكان نقل المعرفة الأدبية والتقنية هو ما يعد الأولوية الرئيسية للتعليم العالمي الحديث. أما اليوم، فإن الافتراض القائل بأن الأطفال سيتلقون التعليم الأخلاقي تلقائيا لم يعد يبدو واقعيا. لم يعد للدين ذلك التأثير الذي كان يحدثه في المجتمع من قبل، وتآكلت القيم الأسرية القوية، التي غالبا ما كانت ترتكز في الماضي على الإيمان الديني وتتغذى داخل هويات مجتمع قوي، وذلك بسبب القيم المادية والضغوط الاقتصادية في معظم الأحيان. نتيجة لذلك، لم يعد غرس القيم الداخلية في الشباب شيئا يمكننا اعتباره أمرا مسلما به. إذا كنا لا نستطيع افتراض أن الناس يتعلمون القيم الأخلاقية والروحية في المنزل أو من خلال المؤسسات الدينية، إذن يبدو من الواضح أن مسئولية المدارس في هذا المجال: التعليم الروحي والأخلاقي، قد زادت إلى حد كبير.
بالرغم من هذا، فإن الوفاء بهذه المسئولية ليس بالأمر السهل في عصر العولمة والمجتمعات المتنوعة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الأطفال في مدرسة ما ينتمون إلى ديانات أو خلفيات ثقافية متنوعة، فما الأساس الذي ينبغي للمدرسة أن تدير التربية الأخلاقية وفقا له؟ ذلك أن تطبيق منظور ديني واحد لن يكون كافيا. في بعض أنحاء العالم، يستبعد الدين تماما من المناهج المدرسية. فكيف يمكن للمدارس أن تقدم لتلاميذها تعليما أخلاقيا غير متحيز وشامل؟
كلما تحدثت في المدارس والجامعات عن الحاجة إلى مزيد من الاهتمام بالأخلاق والقيم الداخلية، وجدت استجابة إيجابية للغاية. وهذا يشير إلى أن المعلمين والطلاب أيضا يشاركونني اهتمامي. المطلوب إذن هو وسيلة لتعزيز القيم الداخلية العالمية حقا، تلك القيم التي يمكن أن تستوعب وجهات النظر الإنسانية الملحدة والدينية بمختلف أنواعها، على حد سواء ودون تحيز.
في خريف عام 2009 في كندا، شاركت في حوار مثير للاهتمام عن هذا الموضوع والتقيت بالعديد من المعلمين المتدربين من جميع أنحاء مقاطعة كيبيك. حتى وقت قريب، كان المجتمع في كيبيك تقليديا إلى حد ما ومعظم أفراده من الرومان الكاثوليك. لكنه أصبح في العقود الأخيرة مثلما هو الحال في العديد من الأجزاء الأخرى من العالم، علمانيا على نحو متزايد، ومع الهجرة، أصبح أيضا متعدد الثقافات ومتعدد الأديان. استجابة لهذه التغييرات، تبحث السلطات المحلية عن طرق جديدة لتدريس الأخلاق في المدارس، طرق أقل اعتمادا على المناهج الدينية التقليدية.
في مسائل محددة، مثل كيفية تطوير خطة دراسية وكيفية تعليم فئات عمرية مختلفة، لم يكن لدي الكثير لأقدمه؛ فهذه أمور متروكة للمختصين في التعليم وعلم النفس التنموي، والمجالات ذات الصلة. أما فيما يتعلق بالنهج العام، فقد شاركت وجهة نظري المتمثلة في أن النهج العلماني للأخلاق يستوجب أن تكون المبادئ الأساسية عالمية حقا.
شاركت أيضا وجهة نظري القائلة بأن التدريبات المنهجية على الاهتمام بالقيم الداخلية وتنميتها يمكن أن يفيد العديد من الأشخاص. ومن هذا المنطلق، شرحت بعضا منها في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وفيما يتعلق بمسائل علم التربية، كان اقتراحي الوحيد الذي لا يزال قائما، هو أن نتذكر أنه عند تدريس الوعي الأخلاقي والقيم الداخلية، فإن توفير المعلومات لا يكفي أبدا، وأن التعليم بالقدوة يتخذ أهمية قصوى. إذا تحدث المعلمون عن قيمة الطيبة واستفاضوا في فوائدها دون توضيح ما يقولونه من خلال القدوة الشخصية، فمن غير المرجح أن يجد الطلاب كلماتهم مقنعة. لكن إذا جسد المعلمون الطيبة في سلوكهم من خلال التعبير لطلابهم عن اهتمام حقيقي، فإنهم بذلك سيزيدون من فاعلية طرحهم.
بالطبع، لا أقصد باقتراحي أن يكون المعلمون شديدي اللين! على العكس من ذلك، فعادة ما يكون أفضل المعلمين صارمين بعض الشيء. لكن لكي تكون الصرامة فعالة، يجب أن ترتكز على الاهتمام بصالح الطلاب. يذكرني قولي هذا بمعلمي الكبير الراحل، الذي كان عزيزا جدا علي. في مظهره الخارجي، كان لينج رينبوتشي شديد الصرامة. عندما كنت راهبا شابا أدرس في التبت، كان يحتفظ بسوطين بجانبه في أثناء الدروس. كان أحدهما سوطا عاديا من الجلد البني، مخصصا للاستخدام مع أخي الأكبر، والآخر كان سوطا بلون أصفر مميز، مخصصا لي. الحق أن السوط الأصفر لم يستخدم قط، لكنه لو كان قد استخدم، فأنا متأكد من أنه ما كان ليغدو أقل إيلاما من ذلك الذي استخدم مرة أو مرتين مع أخي البائس! بصرف النظر عن المزاح، فإن تأثير المعلمين على تطور الأطفال كبير للغاية، وليس ذلك في الأمور الأكاديمية فحسب، بل فيهم كأفراد أيضا. لمختلف الطلاب احتياجات مختلفة، ويجب أن ينتبه المعلمون إلى ذلك. قد يكون النظام الحازم جيدا لبعض الطلاب بينما يكون النهج اللطيف أكثر ملاءمة لآخرين. أنا عن نفسي أشعر في هذا اليوم بامتنان عميق تجاه معلمي. فعلى الرغم من المظهر الخارجي الصارم الذي كان يبديه لينج رينبوتشي، أصبحت أقدر عمق طيبته بمرور الوقت. في التعليم الرهباني التبتي التقليدي، يوجد العديد من الصفات التي تثير الإعجاب لدى المعلمين، مثل الصبر والحماس والقدرة على الإلهام والحيوية والمهارة في شرح الدروس بوضوح. لكن قبل كل شيء، توجد صفات ثلاث هي ما يميز المعلم العظيم: التفوق الأكاديمي (خي)، والنزاهة الأخلاقية (تسون)، والطيبة (سانج).
أدرك أن المعلمين في المجتمعات الحديثة غالبا ما يواجهون تحديات هائلة. قد تكون الفصول الدراسية كبيرة جدا ومكدسة، وقد تكون المواد التي يدرسونها معقدة للغاية، وقد يكون الحفاظ على النظام صعبا. وعلى ذكر أهمية مهنة التدريس وصعوبتها، فقد فوجئت عندما سمعت أن التدريس صار اليوم ينظر إليه في بعض المجتمعات الغربية على أنه مهنة متدنية إلى حد ما. هذا بالتأكيد وضع مضطرب للغاية. يجب الثناء على المعلمين لاختيارهم هذه المهنة. وينبغي لهم أن يهنئوا أنفسهم، لا سيما في الأيام التي يكونون فيها مرهقين ومحبطين. إنهم يشاركون في عمل لن يقتصر تأثيره على مستوى المعرفة الفوري للطلاب، بل سيمتد أيضا ليشمل حياتهم ككل، ومن ثم فإنهم يتمتعون بالقدرة على المساهمة في مستقبل البشرية نفسه. (9) الحاجة إلى المثابرة
ناپیژندل شوی مخ