ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
في السنوات المتبقية من القرن الحادي والعشرين، يجب أن نحرص على عدم تكرار أخطاء الماضي. والطريق الوحيد للحد من مستوى العنف في عالمنا هو أن يتخذ المزيد والمزيد من الناس في جميع أنحاء العالم موقفا واعيا من نزع السلاح. إن نزع السلاح هو ممارسة فعلية للرأفة. ما يلزمنا إذن، هو نزع السلاح الداخلي، على مستوى كراهيتنا الفردية وتحيزنا وتعصبنا، ونزع السلاح الخارجي، على مستوى الشعوب والدول. بدلا من عادة صب الملح على الجراح التي ورثناها عن الأجيال السابقة، يجب أن نبدأ في معالجة انقساماتنا من خلال إلزام أنفسنا بالحوار والتعاون والتفاهم. فمع استمرار زيادة عدد سكان العالم، وتسابق دول كبيرة مثل الصين، والهند، والبرازيل في التسابق نحو توسع اقتصادي سريع، سيزداد التنافس العالمي على الموارد الطبيعية حتما، ولن يكون هذا التنافس على الوقود الأحفوري فحسب، بل على الضروريات الأساسية كالماء والغذاء والأرض أيضا . ومن ثم، فمن الضروري أن يتشكل لدى أجيالنا الشابة: حراس مستقبلنا، وعي قوي بعدم جدوى الحرب. يمكننا التعلم من الإنجازات العظيمة التي حققها المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج الابن لإدراك أن اللاعنف هو أفضل نهج طويل الأمد لرفع الظلم. إذا كان القرن العشرون قرنا من العنف، فلنجعل القرن الحادي والعشرين قرنا للحوار. (5) البيئة
منذ عقود طويلة وأنا أؤكد على أهمية الوعي البيئي لرفاهيتنا في المستقبل. من المشجع للغاية أن هذا الوعي قد بدأ يزداد في السنوات الأخيرة ولا سيما بين الشباب، وأن السياسيين قد صاروا الآن يأخذون هذه القضايا على محمل الجد.
في الماضي، عندما بدأ التصنيع في أوروبا وانتشر تدريجيا إلى أجزاء أخرى من العالم، لم تكن العلاقات المتداخلة المعقدة للعالم الطبيعي مفهومة جيدا. فباسم التقدم، صيدت الحيوانات إلى حد الانقراض، وقطعت الغابات، ولوثت المجاري المائية بفعل المصانع والمنشآت الصناعية. لكن مع تقدم العلم وزيادة فهمنا للتوازن الدقيق في العالم الطبيعي، لم يعد عذر الجهل متاحا.
اليوم، يجب أن نواجه حقيقة أن أنماط حياتنا المفرطة في المادية هي أنماط إسرافية وذات آثار بيئية وخيمة. من الطبيعي جدا للأشخاص في العالم النامي أن يطمحوا إلى مستوى الراحة نفسه الذي يتمتع به سكان العالم المتقدم. لكن مع ارتفاع عدد سكان العالم بسرعة، فمن الواضح أننا إذا لم نغير أنماط الاستهلاك التي نعتبرها «متقدمة»، فسيصبح تعطش البشرية إلى الموارد الطبيعية أمرا لا يمكن تحمله. لقد بدأنا بالفعل في رؤية النتائج؛ إذ يولد الاستغلال المفرط وما يقابله من تدهور للبيئة الطبيعية أزمات بيئية على المستويين المحلي والعالمي. ولذا، فمن المهم للغاية للشعوب التي تسعى إلى مثل هذا النمو الاقتصادي السريع ألا تتبع نماذج التنمية التي تراها في البلدان الأكثر ثراء اتباعا أعمى. وإنما يجب أن تأخذ دول كالصين والهند والبرازيل دور الريادة في إيجاد طرق جديدة وأكثر استدامة للتنمية. في هذا الصدد، أرى أن نموذج الاقتصاد القائم على التمويل الصغير، الذي من شأنه أن يكون مرنا ومراعيا للقضايا المحلية والبيئية، يتسم بتفكير شديد التطلع نحو المستقبل.
إن التحديات التي تفرضها البيئة تستلزم التعاون على المستوى العالمي. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، تغير المناخ. في التبت، الذي يسميه بعض مناصري حماية البيئة «القطب الثالث» بسبب الأهمية الكبيرة لأنهاره الجليدية في أنظمة الطقس في آسيا، يلاحظ حدوث ذوبان جليدي بالفعل، وتفيد التقارير بازدياد درجة الحرارة على هضبة التبت بمعدل أسرع كثيرا من معدل ازديادها في مناطق الأراضي المنخفضة المجاورة. إن العديد من أهم أنهار آسيا، مثل اليانجتسي، والنهر الأصفر، والميكونج، والسالوين، والبراهمابوترا، والسند، تنبع من التبت. ومع انحسار الأنهار الجليدية، ستصبح جميع المناطق الواقعة في اتجاه مجرى النهر أكثر عرضة للجفاف. سيحدث هذا إلى جانب آثار إزالة الغابات، التي نشهد خسائرها بالفعل في صورة ارتفاع مستويات الفيضانات. على المدى الطويل، يمكن لذوبان الجليد في التبت أن يسهم في إحداث تغير مناخي شديد ونقص حاد في المياه وتصحر في الصين، والهند، وباكستان، وجنوب شرق آسيا. سيكون هذا كارثيا للعالم بأسره.
لم يعد من الواقعي أن تفكر الدول في مصلحتها الذاتية القومية الضيقة النطاق فحسب. يجب أن تعمل الدول المتقدمة، التي تتمتع بالعديد من المنافع، بالتعاون مع الدول النامية، التي تريد بطبيعة الحال المشاركة في تلك المنافع. بالرغم من ذلك، فلا يمكن فرض التعاون الحقيقي بالقوة؛ فهو لا ينشأ إلا من الثقة والاحترام المتبادلين بين الأطراف المعنية، والثقة لا تأتي إلا مع الشفافية. كان فشل قمة كوبنهاجن للبيئة العالمية عام 2009، للأسف، مثالا على استحالة التعاون عندما تعجز الأطراف المعنية عن النظر إلى ما هو أبعد من مصلحتها الذاتية الضيقة. (6) إشكالية الجشع في مقابل بهجة الإحسان
في عالم اليوم المادي، ثمة توجه لأن يصبح الناس عبيدا للمال، وكأنهم جزء من آلة صنع أموال ضخمة. وهذا لا يفيد كرامة الإنسان، وحريته، ورفاهيته الحقيقية. إن الثروة هي ما ينبغي أن يخدم البشرية، وليس العكس. وهذه الفوارق الهائلة في الثروة، والتي تتضح جلية في العالم اليوم، تلك الفوارق الأكثر تطرفا من أي وقت مضى والتي لا تزال تنمو، أمر محزن للغاية . إن عدم المساواة الاقتصادية الصارخة في عالم اليوم، ليس بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب فحسب، بل بين الأغنياء والفقراء داخل كل بلد على حدة أيضا، ليست أمرا خاطئا من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إنه مصدر للعديد من المشكلات العملية أيضا، بما فيها الحرب والعنف الطائفي، والتوترات الاجتماعية الناتجة عن الهجرة الاقتصادية على نطاق واسع. وفيما يخص مسألة عدم المساواة الاقتصادية، فإنني أعتبر نفسي نصف ماركسي على الأقل. أما فيما يتعلق بتكوين الثروة ومن ثم تحسين الظروف المادية للناس، فإن الرأسمالية تصبح فعالة للغاية بلا شك، لكن من الواضح أن الرأسمالية لا تكفي، مثلها في ذلك مثل أي شكل من أشكال المثالية الاجتماعية؛ لأن ما يدفعها هو الربح فقط، دون أي مبدأ أخلاقي يوجهها. ويمكن أن تنطوي الرأسمالية الجامحة على استغلال رهيب للضعفاء. ومن ثم، فنحن نحتاج إلى تبني نهج للعدالة الاقتصادية يراعي ديناميكية الرأسمالية مع دمجها بالاهتمام بالأشخاص الأقل حظا. مرة أخرى، أعتقد أن التمويل الصغير يقدم طريقة مستدامة ومتجاوبة لمعالجة قضايا التخفيف من حدة الفقر والتنمية، وهو نهج يمكن أن يجنبنا إفراط الرأسمالية من ناحية، وعدم الكفاءة الناتجة عن سيطرة الدولة المفرطة من ناحية أخرى.
منذ وقت مضى، جاء لرؤيتي زوجان هنديان ثريان للغاية من مومباي. جاءا طلبا لبركاتي. أخبرتهما، كما أخبر الكثيرين غيرهما، أن البركات الحقيقية الوحيدة ستأتي من نفسيهما. واقترحت طريقة لإيجاد البركات في حياتهما، وهي أن يستخدما ثرواتهما لإفادة الفقراء. فبالرغم من كل شيء، لا تزال مومباي تضم العديد من الأحياء الفقيرة حيث يصعب الحصول على الضروريات الأساسية كالمياه النظيفة. ولذا، أخبرتهما أنهما بعد أن صنعا أموالهما من الرأسمالية، يجب أن ينفقاها على الطريقة الاشتراكية!
في هذا الصدد، ينبغي أن أعبر عن إعجابي الشديد بفاعلي الخير أمثال بيل جيتس وميليندا جيتس وأعداد متزايدة من الآخرين الذين يشاركون مواردهم مع المجتمع العالمي على نطاق واسع. هذا رائع، وأنا أناشد الآخرين الذين حققوا درجة عالية من النجاح المادي بأن يصبحوا جزءا من هذا الاتجاه النبيل. (7) تحديات جديدة يفرضها العلم
شهدت السنوات الأخيرة تطورات سريعة في مجالات كعلم الوراثة والتكنولوجيا الحيوية. وفي مجالات الاستنساخ لأغراض العلاج والتكاثر، نكتسب الآن سيطرة غير مسبوقة على خلق الحياة نفسها والتلاعب بها. وقد قيل لي إن تسلسل الجينوم البشري يحدث ثورة في العلوم الطبية، ويحولها من نموذج العلاج الكيميائي الحيوي إلى نموذج العلاج القائم على الجينات. إضافة إلى ذلك، تزداد قدرة العلماء باستمرار على القيام بتنبؤات جينية تمكنهم من توقع المسار المحتمل لصحة المرء. تثير هذه التطورات العديد من الخيارات الصعبة، ليس لدى الأطباء والآباء فحسب، بل لدى أصحاب العمل والمؤسسات أيضا. إن بعض الأشخاص يستجيبون للتحديات التي تطرحها هذه التقنيات الجديدة بإدانات شاملة؛ إذ يقولون، على سبيل المثال، إن جميع التعديلات الجينية أمر خاطئ، لكني لا أعتقد أن رفض هذه القضايا يكون بهذه السهولة. فمن المهم أن نفي بمهام مجالات مسئوليتنا الجديدة بدافع سليم وبصيرة ناقدة. وقد ناقشت بعض القضايا ذات الصلة بالتطورات الجديدة في علم الوراثة الحيوية في كتاب سابق بعنوان «الكون في ذرة واحدة».
ناپیژندل شوی مخ