ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
على العكس من ذلك، ففي سياق علماني بحت، على الرغم من أن الناس لا يزالون بالطبع يتمتعون بقيم متأصلة، فإن ماهية هذه القيم لا يمكن أن تعد من المسلمات على الدوام. بعض الأفعال كالقتل والسرقة والكذب وتشويه السمعة والاستغلال الجنسي، التي هي بأكملها من أشكال العنف، وضارة بطبيعتها بالآخرين؛ لذلك يشعر معظم الناس غريزيا بقيمة تجنبها. غير أننا بحاجة إلى التوسع أكثر من هذا في عالم معولم لا تقبل فيه التعاليم الأخلاقية الدينية على نطاق شامل. إننا بحاجة إلى استخدام فطنتنا لفهم فوائد أنواع معينة من السلوك والعواقب السلبية للأنواع الأخرى. بهذه الطريقة، يمكننا تطوير نظام داخلي للقيم كي يرشدنا في استجاباتنا في حياتنا اليومية.
إذن، فالمطلوب منا أن نتفكر في سلوكنا، باستخدام فطنتنا في تقييم أي من أفعالنا هو الأكثر ضررا بأنفسنا وبالآخرين وأيها الأكثر فائدة. ومن خلال ذلك، يمكننا أن نتعلم تدريجيا كيفية تحديد جوانب سلوكنا التي ينبغي كبحها وتلك التي ينبغي تنميتها.
فعلى سبيل المثال، باستخدام فطنتنا للنظر في عواقب العنف، يمكننا أن نتوصل بالتدريج إلى فهم واضح واقتناع بضرره وعدم جدواه. ينطبق الأمر نفسه عند استخدام فطنتنا للتأمل في عواقب الصبر أو الكرم؛ إذ يمكننا أن ندرك آثارها الإيجابية، ويمكننا تعزيز هذا الفهم بحيث يصبح جزءا متأصلا بعمق في وعينا. عندما يحدث هذا، سنجد أن سلوكنا أصبح يميل عفويا إلى رفاهية الآخرين. وهذا النوع من التدريب الذهني هو موضوع سأعود إليه في الجزء الثاني من الكتاب. (2) التعامل مع المعضلات
بالرغم من أن القيم الداخلية ضرورية للغاية بصفتها أدوات عملية للحياة على نحو أخلاقي، فثمة ظروف استثنائية مع الأسف، لا تكفي فيها مثل هذه المبادئ العامة. فقد تظهر مواقف معينة تضطرنا إلى الاختيار بين المبادئ التي نعتز بها. وفي مثل هذه الحالات، يصبح استخدام الفطنة، لصالح دوافعنا الرحيمة، أمرا مصيريا. ذلك أننا لن نستطيع التوصل إلى نتيجة متوازنة بشأن المسار الأكثر نفعا إلا من خلال تقييم العواقب المحتملة، والموازنة بين إيجابيات المسارات المختلفة وسلبيات كل منها.
في حالتي شخصيا، حين يستلزم الأمر اتخاذ قرار صعب، أبدأ دائما بمراجعة حافزي. هل أضع بالفعل رفاهية الآخرين في المقدمة؟ هل أخضع لتأثير أي مشاعر مشتتة كالغضب، أو نفاد الصبر، أو العداء؟ وإذا استقر لي أن دافعي سليم، فإنني أتأمل الموقف بعناية في سياقه. ما الأسباب والظروف الأساسية التي أدت إلى ذلك؟ ما الخيارات المتاحة لدي؟ ما نتائجها المحتملة؟ وما المسار الذي سيحقق على الأرجح أكبر فائدة على المدى الطويل للآخرين، مع مراعاة جميع العوامل؟ وأنا أجد أن اتخاذ القرارات بهذه الطريقة يعني أنها لن تكون سببا في أي ندم فيما بعد.
ولذا، فبينما أشجع القارئ على تشكيل نظام قيم شخصي، سيكون من غير الواقعي افتراض أن المسائل الأخلاقية يمكن أن تتحدد بناء على القواعد والمبادئ فحسب. فالمسائل الأخلاقية لا تكون في الغالب بيضاء أو سوداء. بعد التحقق للتأكد من أن دافعنا هو الاهتمام بصالح الإنسانية، يجب أن نزن إيجابيات المسارات المختلفة المتاحة لنا وسلبياتها، ثم نسمح لأنفسنا بالاسترشاد بإحساس طبيعي بالمسئولية. وهذا، في الأساس، هو معنى التحلي بالحكمة. (3) تبني نظرة شمولية
تعد الفطنة أمرا جوهريا إذا أردنا تكوين فهم واقعي عن العالم الذي نعيش فيه. وفي هذه المرحلة، يكون المبدأ الأساسي الذي نحتاج إلى استيعابه هو «الاعتماد المتبادل». يمكن معالجة هذا المبدأ العام والعميق في الوقت ذاته على مستويات مختلفة وفي سياقات مختلفة. فهو جدير بالدراسة المتأملة. لقد ناقشنا بالفعل الاعتماد المتبادل بين رفاهيتنا ورفاهية الآخرين، إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد المتبادل هو إحدى سمات العالم التي تظهر في العديد من المجالات. يظهر الاعتماد المتبادل، على سبيل المثال، في المجال المالي العالمي أو الاقتصاد العالمي، والاعتماد المتبادل للبشرية نفسها في عصر العولمة، والاعتماد المتبادل في العالم الطبيعي، الذي يناقشه علماء الأحياء تحت مسميات «السلاسل الغذائية» و«التكافل» بين الكائنات الحية. يوجد الاعتماد المتبادل أيضا في مجال فيزياء الكم المثير للاهتمام، بمفاهيمه عن «النسبية العامة» و«التشابك الكمي»، وحتى في النظريات التي تناقش أصل الكون. إن الاعتراف بأن الكثير من جوانب عالمنا يتميز بالاعتماد المتبادل، يساعدنا في تكوين فهم أكثر واقعية للعالم؛ فهم أكثر تماشيا مع ماهية الأمور وحقيقتها في الواقع.
إن كل موقف نواجهه في الحياة ينشأ من التقاء عدد كبير من العوامل المساهمة؛ ولذا فلا بد من اتخاذ منظور واسع إذا أردنا لاستجاباتنا أن تكون واقعية. لا يكفي أن ننظر إلى أي موقف أو مشكلة معينة من منظور واحد فقط. وإنما نحتاج إلى النظر من هذا الاتجاه وذاك، ومن جميع الجوانب. مثلما أقول في كثير من الأحيان، يجب أن ننظر من الأمام والخلف فنحصل بذلك على بعدين للنظر، ومن الجانب الأيمن والجانب الأيسر فنحصل على أربعة أبعاد، ومن الأعلى والأسفل فنحصل على ستة أبعاد. عندما نفعل هذا؛ أي عندما نتبنى هذا النوع الأوسع أو الأكثر شمولية من وجهات النظر، ستكون استجاباتنا بالتأكيد أكثر تناغما مع الواقع. وبهذا، نصبح أوفر حظا في تحقيق أهدافنا.
عندما تنشأ المشكلات، غالبا ما ينظر الناس إليها من منظور شديد الضيق مع الأسف. على سبيل المثال، تخيل أنك تشغل سيارتك لكنها لا تعمل. وإذا ظللت تدير المفتاح مرارا وتكرارا، فسوف يصيبك الإحباط وتستنزف البطارية، وسيكون ذلك من الحماقة. والخيار الأكثر واقعية هو أن تتوقف وتفكر في السبب المحتمل لهذه المشكلة. هل يمكن أن يكون نقص الوقود، أو شيئا له علاقة بالطقس الممطر؟ إن مجرد التراجع وتأمل الموقف من منظور أوسع سيمكننا من التعامل مع المشكلة بمزيد من الهدوء. وغني عن القول أن هذا سيمنحك أيضا فرصة أفضل في القدرة على التعامل مع المشكلة بكفاءة.
إضافة إلى ذلك، عندما تحل علينا المحن، فإننا نميل إلى رؤيتها كنتيجة لسبب واحد ونتسرع في إلقاء اللوم على الآخرين. لكن هذا النوع من الاستجابة الوجدانية المفرطة هو في الواقع غير واقعي تماما. فأي نفع نجنيه من صب جام غضبنا من السائق عندما تتأخر الحافلة؟ في كثير من الأحيان، لا تؤدي تصرفات أي فرد سوى دور ثانوي في الكيفية التي تتكشف بها الأحداث. ولهذا؛ فإن الاستجابة للعقبات بالاتهامات وإلقاء اللائمة، سواء أكانت موجهة إلى الآخرين أم موجهة إلى أنفسنا، عادة ما تكون مضللة، ولا تؤدي على الأرجح إلا لتفاقم الموقف. حقيقة الأمر أن كل حادثة نواجهها تأتي نتيجة لأسباب وظروف مختلفة لا حصر لها، وكثير منها يتجاوز قدرة أي شخص على السيطرة، وربما يظل بعضها حتى مجهولا تماما.
ناپیژندل شوی مخ