ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
شرح الخبير مفهومه من خلال إحدى ألعاب الثقة. تجرى هذه اللعبة على جولات ويشارك فيها عشرة لاعبين. يعطى اللاعبون مبالغ متساوية من المال ويطلب منهم المساهمة ببعضها في صندوق تمويل جماعي. يشرح القائم بالتجربة أن المبلغ الإجمالي الذي يسهم به اللاعبون في هذا الصندوق في كل جولة سيضاعف ثم يعاد توزيعه عليهم بالتساوي. في الجولات الأولى، كان معظم اللاعبين كرماء إلى حد كبير وقدموا للصندوق المركزي مساهمات ضخمة؛ اعتقادا منهم بأن الآخرين سيفعلون الشيء نفسه. وهذا في رأيي يعكس جانب التفاؤل البديهي في الطبيعة البشرية. ومع ذلك، فمن الحتمي أن يوجد بعض الأفراد الذين يمتنعون ولا يسهمون بشيء. فمن ناحية مالية أساسية، يرون أن أكثر ما يجلب لهم الربح هو الاحتفاظ بنصيبهم مما منح لهم، دون إنفاق أي من أموالهم. يعرف مثل هؤلاء الأشخاص في لغة الاقتصاد باسم «المنتفع المجاني». ونتيجة لسلوكهم، يبدأ اللاعبون الآخرون في الشعور بأنهم يتعرضون للاستغلال، ويبدءون في تقليل مساهمتهم في الصندوق المركزي شيئا فشيئا حتى ينهار النظام بأكمله في نهاية المطاف، وعادة ما يكون ذلك في الجولة العاشرة. في هذه المرحلة، لا أحد يرغب في المساهمة، على الرغم من أن عرض القائم بالتجربة المتمثل في مضاعفة أي أموال تجري المساهمة بها، لا يزال قائما.
في هذه المرحلة، يتعرف اللاعبون على مفهوم العقاب الإيثاري، وهو آلية تمكنهم من معاقبة المنتفعين المجانيين. فمن خلال المساهمة ببعض من أموالهم في صندوق عقاب غير قابل للاسترداد، يستطيعون إجبار المنتفعين المجانيين على دفع ضعف ذلك المبلغ. ومن ثم، فعلى سبيل المثال، عن طريق إنفاق ثلاثة دولارات في العقاب، يمكن للاعب أن يجعل أحد المنتفعين المجانيين يدفع ستة دولارات. وقد اتضح بالفعل أنه فور إدخال هذا النظام في اللعبة، يمكن أن يستمر التعاون بين اللاعبين إلى أجل غير مسمى تقريبا. ذلك أن مثل هذا الإجراء يثني المنتفعين المجانيين المحتملين عن استغلال الآخرين، ونتيجة لذلك يستمر اللاعبون في المساهمة في الصندوق المركزي ويستفيد الجميع.
بالرغم من أن هذه التجربة قد صممت في الأساس لاختبار نظرية في الاقتصاد، فأنا أرى أنها تتضمن أيضا رسالة يمكن تطبيقها على نحو شامل. فهي توضح لنا إمكانية فرض العقاب بطريقة تعود بالنفع على الجميع، بما في ذلك المعتدون أنفسهم. وهي توضح أيضا فكرة أن العقاب الذي لا يستوجب الانتقام، بل يصلح المعتدي، يكون في صالح الجميع. (6) العفو
يعد العفو جزءا جوهريا من سلوك الرأفة، لكنه فضيلة يسهل إساءة فهمها. ففي البداية ينبغي أن نوضح أن العفو لا يعني النسيان. ففي نهاية المطاف، إذا نسي المرء خطأ قد ارتكب، فلن يتبقى شيء ليعفو عنه! ما أقترحه بدلا من ذلك هو أن نجد للتعامل مع الاعتداء طريقة تمنحنا راحة البال وفي الوقت نفسه تجنبنا الخضوع لدوافع هدامة كالرغبة في الانتقام. وسوف أستفيض لاحقا في الحديث عن الطرق التي يمكن أن تتيح لنا القيام بذلك، لكن جزءا مما هو مطلوب يتمثل في قبول أن ما حدث قد ولى. سواء أكان الأمر على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع ككل، فمن المهم الاعتراف بأن الماضي خارج سيطرتنا. أما الطريقة التي «نستجيب» بها لأخطاء الماضي فهي ليست كذلك.
مثلما ذكرت من قبل، من الضروري جدا أن نراعي التمييز بين الفعل والفاعل. قد يكون هذا صعبا في بعض الأحيان. فعندما نكون نحن أنفسنا أو بعض المقربين منا للغاية ضحايا لجرائم فظيعة، يمكن أن يكون من الصعب إقصاء الشعور بالكراهية تجاه مرتكبي تلك الجرائم. بالرغم من ذلك، إذا توقفنا برهة لتدبر الأمر، فسندرك أن التمييز بين الفعل المروع ومرتكبه هو شيء نقوم به كل يوم بالفعل عندما يتعلق الأمر بأفعالنا وتجاوزاتنا. ففي لحظات الغضب أو الانزعاج، يمكن أن نكون وقحين مع أحبائنا أو عدوانيين تجاه الآخرين. ربما نشعر لاحقا ببعض الندم أو الأسف، لكن حين نراجع انفعالنا، فإننا لا نعجز عن التمييز بين ما فعلناه وبين ما نحن عليه. إننا نعفو عن أنفسنا بطبيعة الحال، وربما نعزم على عدم القيام بالخطأ نفسه مرة أخرى. ونظرا للسهولة الشديدة التي نجدها عندما يتعلق الأمر بمسامحة أنفسنا، فلا شك بأننا نستطيع بالتأكيد تقديم المعروف نفسه للآخرين! ليس جميعنا بالطبع قادرا على مسامحة نفسه، وقد يمثل هذا عقبة. فقد يكون من المهم لمثل هؤلاء الأشخاص أن يمارسوا الرأفة والعفو تجاه أنفسهم كأساس لممارسة الرأفة والعفو تجاه الآخرين.
ثمة حقيقة أخرى يجب وضعها في الاعتبار، وهي أن العفو عن الآخرين يترك في النفس أثرا محررا للغاية. عندما تنهمك في الأذى الذي ألحقه بك أحد الأشخاص، فسوف تنزع لا محالة إلى الشعور بالغضب والاستياء حين تطرأ الفكرة على ذهنك. غير أن التشبث بالذكريات المؤلمة وإضمار النوايا السيئة لن يفيد بأي شيء في تصحيح الخطأ المرتكب ولن يكون له أي أثر إيجابي عليك. ستتلاشى راحة بالك، وسيضطرب نومك، بل يمكن حتى لصحتك الجسدية أن تتأذى في نهاية المطاف. من ناحية أخرى، إذا تمكنت من التغلب على مشاعر العداء تجاه المعتدين وأن تعفو عنهم، فسيعود ذلك عليك بفائدة فورية وملموسة. من خلال ترك أفعال الماضي في الماضي واستعادة اهتمامك برفاهية هؤلاء الذين أخطئوا في حقك، تكتسب شعورا رائعا بالثقة الداخلية والحرية، وهو ما يمكنك من المضي قدما؛ إذ تبدأ أفكارك السلبية وعواطفك في التلاشي.
بالنسبة إلي، أرى أن قوة العفو تتجلى على نحو لافت للنظر في مثال رجل أعتبره بطلا شخصيا لي، وهو ريتشارد مور. عام 1972، عندما كان عمره لا يتجاوز العاشرة، أصيب ريتشارد بالعمى الكلي بسبب رصاصة مطاطية أطلقها جندي بريطاني في أيرلندا الشمالية. كان من الممكن لهذه المأساة أن تحول الصبي إلى رجل غاضب وناقم. لكن ريتشارد لم يحمل أي نية سيئة قط، وكرس حياته لقضية إيجابية وهي مساعدة الأطفال المعرضين للأذى حول العالم وحمايتهم. والواقع أنه حرص أشد الحرص على إيجاد الرجل الذي تسبب له في العمى وإخباره بأنه قد عفا عنه. وقد أصبح الرجلان الآن صديقين. فيا له من مثال رائع على قوة الرأفة والعفو!
على الرغم من أننا - نحن التبتيين - قد عانينا الكثير، فلا يزال شعبنا يحاول عدم الاستسلام لأي نزعة نحو العداء والانتقام. فنحن نحاول الحفاظ على تحلينا بالرأفة حتى تجاه الجنود الشيوعيين الصينيين المسئولين عن ارتكاب الفظائع ضد التبتيين. ويسفر ذلك في بعض الأحيان عن نتائج غير متوقعة. فمؤخرا على سبيل المثال، قابلت ابن ضابط سلاح الفرسان الصيني، الذي تورط عندما كان عضوا في جيش التحرير الشعبي في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، في اضطهاد التبتيين. أرسل إلي الأب الذي صار عجوزا الآن، رسالة عن طريق ابنه يبدي فيها أسفه واعتذاراته الصادقة عن أفعاله. كان سماع هذه الرسالة أمرا مؤثرا للغاية. ومع ذلك، أعتقد أنه لو كانت هناك كراهية من جانبي، لما كان لهذه الحادثة إلا أن تزيد منها. من خلال عدم التشبث بتجارب الظلم الماضية، ومن خلال المحاولة الواعية لتنمية الرأفة تجاه إخواننا وأخواتنا من الصينيين، نتفادى - نحن التبتيين - أن نعلق في الماضي، ونتمكن من الحفاظ على إحساسنا بالحرية. لكن هذا لا يعني أننا لا نتخذ موقفا حازما ضد الظلم الذي نواجهه.
ولهذا، فردا على من يصرون على أن العدالة هي ما ينبغي أن يكون الجوهر لأي نظام أخلاقي وليست الرأفة، أقول إنه لا يوجد في الواقع أي تضارب بين مبدأ العدالة وبين ممارسة الرأفة والعفو. حقيقة الأمر أنني أرى أن مفهوم العدالة نفسه يستند إلى الرأفة. (7) نطاق الأخلاق
في الختام، يجدر بنا أن نستكشف نطاق الأخلاق بإيجاز. إذا فهمت الأخلاق على أنها آلية للحفاظ على النظام الاجتماعي ليس إلا، فلن تغطي سوى جوانب السلوك الإنساني الخارجي التي يكون لها تأثير مباشر على الآخرين ويمكن ملاحظته. وإذا كانت غير معنية إلا بتأثير أفعالنا على الآخرين فقط، أي ب «عواقب» أفعالنا فحسب فعليا، فإن أي مشاعر ونيات قد نحملها في قلوبنا، ستكون غير ذات صلة أو محايدة، فيما يتعلق بالأخلاق. لكني لا أستطيع القبول بهذا. فهذا الفهم للأخلاق ضيق ومحدود للغاية.
ناپیژندل شوی مخ