ما وراء الادیان: اخلاقیات لعالم کامل
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
ژانرونه
مثلما أشرت سابقا، فإن تحقيق السعادة لكائنات مثلنا على هذه الدرجة من التعقيد ليس بالأمر السهل. فعلى عكس سعادة الكلاب أو القطط على سبيل المثال، تستلزم السعادة البشرية ما هو أكثر من الإشباع البسيط للشهوة الحسية. فما هي إذن مصادر سعادة الإنسان؟
هناك ثلاثة عوامل تسهم بدرجة كبيرة في رفاهية الإنسان تطرح نفسها على الفور، وأعتقد أن معظم الأشخاص سيوافقون عليها، وهي: الثروة أو الرخاء، والصحة، والصداقة أو الرفقة. (1) الثروة والصحة والصداقة
فلنبدأ إذن بالثروة. هل يؤثر وضعنا المادي في سعادتنا؟ حسنا، إنه يؤثر بالطبع! من الحماقة أن ننكر أهمية العوامل المادية في رفاهيتنا. ففي نهاية المطاف، حتى الناسك الذي يعيش معتزلا في كهف جبلي يحتاج إلى الطعام والكساء. وبدون مستوى معين من الراحة المادية، لا يمكن للناس العيش بالكرامة التي نستحقها جميعا كبشر. فالمال بلا شك عامل مهم في سعينا لتجنب المعاناة وتحقيق السعادة.
لكن كم يكفينا من المال؟ في اللغة التبتية، نشير إلى المال في بعض الأحيان بالاسم المستعار «كونجا دوندوب». يبدو هذا اللقب للأذن التبتية كأي اسم شخصي عادي، لكنه يعني شيئا أشبه بأنه «القدر الذي يجعلنا جميعا سعداء ويمكنه تلبية جميع رغباتنا». ونظرا إلى أن المال يمنحنا الخيارات والحرية، فمن الطبيعي أن يجده الناس شديد الجاذبية لا يستطيعون فيما يبدو الاكتفاء منه. ومن حين لآخر، أمازح جمهوري التبتي بشأن إخلاصهم ل «كونجا دوندوب». ففي جزء من ممارستنا الدينية التقليدية، عادة ما نتلو - نحن التبتيين - إحدى تعويذات المانترا المرتبطة ببوذا الرأفة: «أوم ماني بادمي هم». نتلوها كثيرا طوال اليوم، همسا في كثير من الأحيان، حتى عندما نكون مشغولين بأشياء أخرى: نقول: «أوم ماني بادمي هم، أوم ماني بادمي هم.» لكن عندما يتلوها الناس بسرعة، تدغم الأصوات بعض الشيء فتصبح: «أوم ماني بادمي، أوم ماني بادمي ... ماني بادمي ... أوم ماني ... ماني ... ماني»، وعند هذه المرحلة يبدو الأمر كما لو أنهم يتحدثون الإنجليزية، ويقولون: «ماني، ماني، ماني»؛ أي «المال ، المال، المال»!
لكن مرة أخرى، وبغض النظر عن المزاح، لا شك أن الثروة والرخاء يعودان بالفوائد. فنحن البشر نحتاج إلى مأوى لائق، وبيئة صحية، وطعام مغذ، ومياه نظيفة. هذه هي احتياجاتنا الأساسية، ومن ثم فهي متطلبات أساسية لسعادة الإنسان.
بالرغم من ذلك، فمع أن المزيد من فوائد الثروة، مثل منزل جديد، أو سيارة جديدة، أو ربما هاتف جديد، قد توفر بعض الارتفاع المؤقت في مستوى راحتنا أو تكيفنا اليومي، ليس هناك ما يضمن أنها ستجلب أي إشباع دائم أو أنها ستسهم في تعزيز الشعور العام بالرفاهية. حقيقة الأمر أن الحصول على الكثير جدا من الممتلكات غالبا ما يؤدي إلى مزيد من القلق، والإجهاد، والتوتر. ويمكن لهذه العوامل بدورها أن تغذي مشاعر الغضب والاستياء أيضا.
من المثير للاهتمام أن الأدلة التي جمعها علماء النفس والاجتماع في السنوات الأخيرة تشير بوضوح كبير إلى أن المقتنيات المادية ليس لها سوى تأثير مؤقت على ما يسمونه «الازدهار النفسي». تشير تلك الدراسات إلى أنه بعد تلاشي الإثارة الأولية الناتجة عن عملية شراء جديدة، سرعان ما تعود سعادتنا إلى مستواها السابق. في اللغة التبتية المنطوقة، لدينا تعبير يجسد هذه الظاهرة جيدا، ولا أعرف له مكافئا دقيقا في لغات أخرى. عندما يكون الشخص منجذبا بصفة خاصة إلى الإثارة الناتجة عن اقتناء أشياء جديدة، نسمي ذلك الشخص «أسار تسابو»؛ أي «أسار جدا»، حيث «سار» تعني «جديد». والمعنى الضمني هو أن مثل هذا الشخص ليس طماعا فحسب، بل سريع الانفعال أيضا ومتقلب؛ فدائما ما يسير وراء أحدث التوجهات أو أحدث الأدوات. وأعتقد أن الثقافة الاستهلاكية الحديثة تميل إلى تشجيع هذا النوع من التقلب.
من الصراع على الموارد في العالم الطبيعي إلى الصراع داخل العائلات، غالبا ما تكون القيم المادية مصدرا للمشكلات. غير أن الثروة المادية ليست بضمان للسعادة. فقد قابلت في الواقع بعض الأشخاص الشديدي الثراء وحتى أصحاب المليارات الذين اعترفوا أنهم لا يشعرون في حياتهم بالرضا أو السعادة على المستوى الشخصي. تنسج الثروة حول الأشخاص ما يشبه الشرنقة ؛ مما يجلب شعورا بالوحدة في كثير من الأحيان. ومن ثم فإن «كونجا دوندوب» ليس بالصديق الذي يعتمد عليه، والذي يجلب أيضا الكثير من المعاناة. وبينما يمكن للثروة المادية أن تكون مصدرا لقدر كبير من التوتر والتعاسة، فإن الثروة النفسية، القائمة على الحب والرأفة، لا يمكن أن تصبح كذلك. من الواضح إذن أي نوعي الثروة ينبغي أن نسعى إليه حقا.
لكنك قد تقول إن الثروة تمنح حقا نوعا من الأمان والرضا الدائم إلى حد بعيد. ربما يكون هذا صحيحا، لكن ما مدى الأمان الذي يمكن أن توفره الثروة المادية؟ إن الكوارث الطبيعية المتكررة تذكرنا على الدوام بمدى هشاشة الأمن المادي الذي نشعر به.
ولهذا، فالأكثر أهمية من المال، أو الممتلكات، أو المكانة هو حالتنا المعنوية أو النفسية. سيكون أفراد الأسرة الفقيرة سعداء إذا شعروا بالعاطفة والطيبة والثقة فيما بينهم. وقد يعيش جيرانهم الأغنياء في رفاهية، لكن إذا أحاط الشك أو الاستياء بعقولهم، فلن يشعروا بسعادة حقيقية. وذلك أمر بديهي. ولذا فإن المستوى النفسي أمر جوهري في نهاية المطاف.
ناپیژندل شوی مخ