ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
ژانرونه
ولكن اليتيم لم يكف عن الرقص، وقد عز عليه أن لا يترنح معهم، وضرب صفحا عما سمعه كأن لم يعرض به أحد.
وفي تلك الساعة مر أستاذ قصير القامة طويل اللحية، يسير الهوينا في طريقه وهو يداعب لحيته بيده اليسرى ومسبحته بيده اليمنى. فهرعت الأبناء للقائه وهم الخصي واقفا ثم مشى وقبل يده، بينما كان الآخرون يقبلون أطراف جبته. أما الشيخ فهو رئيس الطريقة النقشبندية؛ وهي طريقة تحتم على أشياعها أن يذكر كل واحد منهم لفظ الجلالة مرة في كل عشرة دقائق، توفي شيخها القديم منذ خمسمائة سنة بعد أن نقشت التقوى على صدره اسم الجلالة، ولهذا سميت طريقته باسم النقشبندية.
ثم مر بائع الحلوى فهرعت إليه الأطفال، وجرى معهم اليتيم ولكنه كان في مؤخرتهم، فمد إليه أحدهم قطعة من الحلوى قائلا: خذ.
فأشار علي برأسه رافضا، واستكبر الآخر منه ذلك فألقى بقطعة الحلوى على الأرض، فالتقطها اليتيم وأعطاها لكلب جائع كان يبصبص له بذنبه، وغادر اليتيم رفيقه وقد ارتسمت على وجهه صورة البؤس ممزوجة بصورة عزة النفس، ولحق برفقائه وهو وحيد القلب وإن كان كثير الرفقاء، أما رفيقه الذي أعطاه الحلوى فقد مشى وهو يهز كتفيه ويصعر خده أنفة واستكبارا.
ثم حانت التفاتة من الأطفال إلى الشارع الكبير فوجدوا محمودا «الفتوة» قادما عليهم، فصاحوا جميعا: «محمود السبع حضر. محمود السبع حضر.» وصفقوا بأيديهم، فابتسم لهم محمود وكان «فتوة» عطفتهم، وسار في طريقه على مهل ساحبا أذيال الخيلاء وملوحا بعصاه في الهواء كما يلوح الفارس بسيفه، وكان ضخم الجثة قوي العضلات له في المشاجرات القسط الأوفر والفوز الأكبر، مشهور بين فتوات العطفات الأخرى؛ ولذا لقب ب «محمود السبع».
نظر إليه الخصي نظرة امتهان وامتعاض، فقهقه محمود ضاحكا حتى استلفت أنظار المارة، وبصق الخصي على الأرض وكان هذا أكبر مجهود يقدر على فعله لإهانة محمود، ثم صاح أحد الأطفال: المصارعة المصارعة خير مما نفعل، ومن يتفوق على نظيره يأخذ صفارته مكافأة له على قوته وشجاعته.
فقال آخر: وليكن محمود السبع حكما بيننا.
فقال محمود: بلا شك.
وقال رابع: ولكن عليا «اليتيم» لا يملك صفارة.
فصاح الطفل الذي رمى لعلي بقطعة الحلوى: سأصارعه، فإن تفوق علي أعطيته صفارتي، وإن تفوقت عليه صفعته على وجهه أمام الجميع.
ناپیژندل شوی مخ