ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
ژانرونه
وحق للبك أن يغضب هذا الغضب الكبير وهو الذي يغيث الفقراء ويحمي الضعفاء، فقام إليه الزائر الجديد ذو المنظار الأسود وحاول أن يزيل غضبه، ولكن البك لم يقتنع بشيء، وكاد أن يهم بضرب من اتهمه بالفقر والاحتياج لمعونة الله، وعزز الرفاق سيدهم وسقط الرجل في يده وخرج من الغرفة وهو يتعثر في أثواب خيبته، وجلس البك وهو يرغي ويزبد، ثم تناقص غضبه شيئا فشيئا إلى أن زال، وعاد الجمع للعزف والغناء والرقص، ودارت الكئوس ولعبت الخمر بالرءوس، فكنت تسمع في الغرفة النكات تتلو النكات والشتائم تتبع الشتائم، إلى أن تملك التعب على القوم نفوسهم فاستسلموا إليه، وسقط بعضهم على الأرض لا حراك به، واستأذن من تبقى له شيء من قوته تحمله إلى بيته إلى أن خلا المكان إلا من النائمين، وكان البك ملقى على مقعد وبجواره الزائر ذو المنظار الأسود يفتش في جيوبه، ولما انتهى من عمله نادى إدريس البربري؛ ليحمل سيده إلى الحريم ...
فرغ صديقي من قصته فالتفت إلي وهو يقول: ماذا تقول في هذه القصة؟
فتنهدت وقلت: صدق من قال إن شبان مصر الأغنياء لا يعرفون للضجر معنى، فأكرم بهم وأنعم! - هذا طريق واحد من عدة طرق يسلكها هؤلاء الأغنياء لقتل وقتهم وضياع ثروتهم. - وهل هناك طرق أخرى؟ - هيا بنا نخرج لاستنشاق الهواء في الجزيرة، وهناك أقص عليك قصة أخرى.
فخرجت معه وكلي آذان مصغية لحديثه.
2 أغسطس سنة 1917
حفلة طرب
كنت شغوفا بالكنسير أيام كنت في باريس، لا تفوتني من لياليه ليلة تجمع بين الأناشيد الشجية والألحان الفكاهية، والوجوه الوضاحة والقدود المائسة والعيون الضعيفة القاتلة. هناك كنت أمتع عيني بالجمال الذي صاغته يد الخالق في وجوه الحسان، وأملأ قلبي لذة يمازجها الطهر، وأذني ألحانا جميلة ينفسح لها الصدر. •••
أيام مضت كما يمر الحلم العذب برأس النائم، والآن أنا بمصر محروم من تلك الجباه المشرقة والوجوه اللامعة والغرر المتألقة والألحان الشجية الجميلة، وما أحوجني إلى رؤية شيء منها، إن لم يماثلها جمالا وحسنا فلا أقل من أن يكون باعثا من بواعث الذكرى تهيج في قلبي نارا كاد أن يطفئ أوارها النسيان!
جلست أمس في مجلس جمع من الإخوان من كانت تتوق النفس للقائه، ويتأجج الصدر عطشا لرؤيته، وكان بينهم صديق لم تره عيني منذ سنين، فكنت أجاذبه أطراف الحديث وكلي آذان مصغية له، ولبثنا نتحادث إلى أن أخرج ساعة من جيبه ونظر فيها مليا، ثم قال: هيا بنا، لقد دنا الميعاد.
فقلت: وأي ميعاد؟ - أنا على موعد مع أحد الأصدقاء لسماع مغنية جديدة، فهل لك في مرافقتي؟
ناپیژندل شوی مخ