د ما وروسته سمونۍ: لنډه معرفي
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
انتقل هذا الإطار الفكري الجديد والمفزع من فرنسا إلى إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين. وباندلاع ثورات الطلبة عام 1968، كان التفكير الفلسفي الأكثر تطورا قد ابتعد عن الوجودية الفردية ذات الحس الأخلاقي القوي التي ميزت حقبة ما بعد الحرب مباشرة (والتي كان سارتر وكامو أشهر ممثليها) نحو مواقف أكثر تشككا ومعادية للمذهب الإنساني. وجدت تلك المعتقدات الجديدة منبرا لها فيما أصبح معروفا بالنظرية التفكيكية وما بعد البنيوية، التي سنناقشها فيما يلي. كذلك لم يعد «الروائيون الجدد» في فرنسا مهتمين بحالات القلق العام والعبثية ذات الطابع الفلسفي والشعوري، ولا ملتزمين بالمتطلبات المتشابهة للروايات التي تتبع أسلوب السرد التقليدي، مثل «الغثيان» لسارتر أو «الطاعون» و«الغريب» لكامو، بل تحولوا إلى أسلوب أكثر برودة بمراحل، يعج بالمتناقضات، ويعادي السرد كما نلاحظ في نصوص آلان روب-جرييه، وفيليب سوليرز، وغيرهم ممن لم يبدوا اهتماما كبيرا بالشخصية الفردية، أو بالتشويق والجاذبية التي تميز السرد المتماسك، على قدر اهتمامهم بالتلاعب بلغة الكتابة التي يستخدمونها.
في الواقع، تضرب هذه الأفكار الجديدة بجذورها خارج الفنون، رغم أنها ألهمت عددا من الأعمال الأدبية وهيمنت على تفسير تلك الأعمال في الدوائر الأكاديمية. تمحور اهتمام بارت حول تطبيق النماذج اللغوية على تفسير النص، بينما اتخذت أعمال دريدا الفلسفية في البداية شكل تحليلات نقدية لعلم اللغة، أما فوكو فقد انصب تركيزه على التاريخ والعلوم الاجتماعية. كذلك استرشدوا جميعا بدرجات متفاوتة بقراءة ثانية أو إحياء لأعمال ماركس (الذي كانت هيمنته في أماكن مثل الاتحاد السوفييتي - قبل عام 1989 - تفسر بخفة نسبيا على أنها نابعة من «اشتراكية بيروقراطية» أسيئ تطبيقها)؛ إذ كان معظم المثقفين الفرنسيين الذين أوحوا بنظريات ما بعد الحداثة يتبعون نموذجا ماركسيا بوجه عام.
ومن ثم، اعتمدت مبادئ ما بعد الحداثة اعتمادا هائلا على الفكر الاجتماعي والسياسي والفلسفي، الذي ألقى بذوره في الحركة الطليعية الفنية (لا سيما في الفنون المرئية) وفي أقسام الدراسات الإنسانية في جامعات أوروبا والولايات المتحدة باعتباره «نظرية». وتتميز حقبة ما بعد الحداثة بالهيمنة الاستثنائية لأعمال الأكاديميين على أعمال الفنانين.
إلا أن هذا الفكر لم يتفق مع تعريف «النظرية» حسب قواعد فلسفة العلوم (حيث تختبر النظريات ومن ثم يثبت صحتها أو خطؤها) أو الفلسفة الأنجلو أمريكية التجريبية بوجه عام، بل نزع أكثر إلى كونه نوعا تشككيا من الخطاب يتمركز حول ذاته، ويطوع مفاهيم عامة مستوحاة من الفلسفة التقليدية لتلائم أعمالا أدبية أو اجتماعية أو غيرها من الأعمال التي دمغت نتيجة ذلك بطابع ما بعد حداثي.
مشاكل في الترجمة؟
من ثم، انصب تركيز الكثير من المناصرين الأكاديميين لنظرية ما بعد الحداثة في إنجلترا والولايات المتحدة على ترجمة المعاني الداخلية للفكر الأوروبي؛ مما أدى إلى ظهور عدد من القضايا الثقافية المنزوعة من سياقها على نحو مثير للاهتمام وأسفر عن ابتعاد تام عن الأعراف السابقة. على سبيل المثال، ورثت نظرية ما بعد الحداثة اهتماما بوظائف اللغة من النظرية البنيوية، لكن عندما بدأ جاك دريدا يهتم بمشكلة الإشارة (عندما تشير اللغة إلى واقع غير لغوي خارجي)، رجع إلى أعمال عالم اللغويات فرديناند دو سوسر. خاض دريدا (في كتابه الذي يحمل عنوان «عن علم الكتابة») صراعا مع أفكار دو سوسر غير مدرك على ما يبدو لحقيقة أن الكثير من المشكلات التي أثارت اهتمامه - والموقف (المتزعزع للغاية) الذي توصل إليه - قد تناولها الفيلسوف لودفيج فيتجنشتاين تناولا أفضل بمراحل، وحللها تحليلا أدق في رأي العديد من أعضاء المجتمع الفلسفي (حتى في فرنسا). لكن دريدا لا يذكر فيتجنشتاين في أعماله المبكرة؛ ومن ثم عانى الكثير من منظري الأدب التابعين لمنهج دريدا من جهل خطير بتاريخ المشاكل الفلسفية، ولم يدركوا بعضا من حلولها النموذجية التي يطرحها الاتجاه الفلسفي الأنجلو أمريكي. وقد أدى هذا إلى انقسام فكري، وعدم فهم مشترك، وانشقاقات في كثير من أقسام الجامعات ما زالت قائمة حتى اليوم.
اعتمد بعد الحداثيين - الذين أبدوا حماسا مبررا للمذاهب السياسية والأخلاقية «المحررة» - في الوقت نفسه اعتمادا بالغا على الهيبة الاستثنائية لأولئك المثقفين الجدد الجهابذة، ممن تمتعوا بتأثير دعمه إلى حد كبير اعتمادهم المفرط على لغة اصطلاحية مستحدثة أضفت على مناقشاتهم صبغة هائلة من الصعوبة والعمق، وسببت صعوبات جمة لمفسري نظرياتهم. وهو ما يتضح في كلمات الفيلسوف الأمريكي جون سيرل:
وصف لي ميشيل فوكو أسلوب دريدا في إحدى المرات بأنه يتسم ب «غموض إرهابي»؛ فالنص مكتوب بأسلوب شديد الغموض إلى حد يجعلك عاجزا عن تحديد الموضوع بالضبط (لذا وصف ب «الغموض»)، وعندما تنتقد ذلك، يجيبك دريدا قائلا: «لقد أخطأت فهمي، أنت أحمق» (لذا وصف ب «الإرهابي»).
مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، عدد 27 أكتوبر 1983
إن أساليب الحديث والكتابة التي تتسم غالبا بالغموض - بل والإبهام - لدى أولئك المثقفين، كانت في بعض الأحيان تهدف كذلك إلى التعبير عن تحد لذلك الوضوح «الديكارتي» في عرض الموضوعات الذي زعموا نشأته من اتكال مشبوه على قناعات «برجوازية» تتعلق بنظام العالم. يناقش رولان بارت الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر قائلا:
ناپیژندل شوی مخ