90

ما بعد الايام

ما بعد الأيام

ژانرونه

وتسأل سوزان: «ولماذا تذكر هذه الوظيفة الآن؟»

ويرد طه: «لأن وزير المعارف الحالي قد طلب إلي تولي منصب جديد اسمه «المراقب العام للثقافة العامة» بالوزارة.»

وتسأل سوزان: «فقبلت؟»

ويرد طه: «اعتذرت وتشددت في الاعتذار، وألح الوزير وتشدد في الإلحاح.»

وتتدخل أمينة فتقول: «غير معقول، والكلية، والعمادة، وعملك فيها وفي التأليف؟!»

ويرد طه: «عملي في الكلية وفي التدريس وفي التأليف مستمر إن شاء الله، أما العمادة فإن هناك زملاء آخرين كثيرين يستحقون أن يشغلوا ذلك المنصب، وأغلب الظن أنهم يتطلعون إلى أن يشغلوه ... والعمل الجديد هام وخطير، وفيه فرصة لتحقيق أفكار في التعليم سجلت بعضها في كتاب «مستقبل الثقافة في مصر»، وبالطبع فإن «إدارة الترجمة والنشر العلمي» سوف ترى النور إذا توليت هذا المنصب كإدارة من الإدارات التابعة له، ولدي برنامج ضخم أتمنى تحقيقه في هذا المجال، وأنا أرجو التمكن من إنشاء أكاديمية مصرية تكون الجمعيات العلمية والأدبية التي تعينها الدولة الآن نواة لها، وهذه الأكاديمية يمكن أن يكون لها دور خطير في حياتنا الثقافية المصرية والعربية، وهناك إدارات الآثار المصرية والرومانية والقبطية والإسلامية، وسوف تندرج تحت هذه المراقبة، وعلينا أولا واجب تمصير ما يشغله الأجانب حاليا من مناصبها، وعلينا ثانيا تنشيط العمل الذي تقوم به لإلقاء مزيد من الضوء على حضارتنا ودورها في مسيرة الحضارة الإنسانية مع ضرورة اتخاذ كل التدابير اللازمة لصيانة آثارنا وترميمها، وتشجيع وتنظيم البحث عن المزيد منها.

وكل هذا عمل ضخم يستحق وزارة كاملة ... وهناك أيضا شئون المسرح والموسيقى والأوبرا، وهي مما يدخل في أعمال هذه المراقبة ... وإلى جانب هذا كله فإن وجودي في وزارة المعارف نفسها قد يعين في السعي لتحقيق حلمي الكبير وهو مجانية التعليم مع رفع مستواه والعمل على الملاءمة بينه وبين حاجات المجتمع وطموحاته. إن هذه المجانية هي في رأيي حجر الأساس في بناء النهضة المصرية، لقد تلقيت منذ يومين خطابا من والدي يرجوني فيه مساعدة صبي من المنيا، عظيم الذكاء وعظيم الفقر أيضا، في الحصول على المجانية، ولقد استطعت مساعدته، لكني أريد أن أساعد أيضا من لا يعرفهم أبي ومن لا أعرفهم أنا، لا أريد أن أحرم صبيا من العلم، ولا أريد أن أحرم مصر من أبنائها، من يدري ماذا يمكن أن يقدموا لبلادهم من النفع إن هم لقوا من فرص التعليم ما لقيت أنا مثلا؟»

وتقول سوزان: «بالاختصار، أنت لا تطيق الحياة المريحة، أنت لا تطيق الحياة بغير تعب.»

ويرد طه بعد سكوت قصير: «ليس هذا هو التصوير الصحيح ... قولي إنه على قدر عرفاني بجميل مصر علي أريد أن أبذل ما أملك من الجهد للوفاء بهذا الجميل.

أنا أحلم منذ زمن ولا أريد أن أكتفي بأن أحلم، أريد أن أعمل لتحقيق الحلم، أنا أحلم بنهضة مصر وسائر الشعوب العربية بخروجها من ظلام الاحتلال والانغلاق، أريد أن يكون في يد كل صبي مصباح يضيء له الطريق، هل تشاهدين إذن هذا الموكب الذي تكونه آلاف المصابيح في أيدي آلاف الصبية في أوطاننا على تراميها واتساعها؟ أريد ... أنا أريد باختصار أن تتاح لكل صبية الفرصة التي أعطيناها لأمينة، ولكل صبي الفرصة التي أعطيناها لمؤنس.»

ناپیژندل شوی مخ