ولكنه يرفض أن ينشر في صحيفته بعض الأخبار التي يجمعها بعض المحررين ويريدون نشرها بدعوى أن الاهتمام بالأخبار الشخصية يكاد يكون غريزة عند الناس، ولأن نشر مثل هذه الأخبار من شأنه أن يزيد بيع الجريدة فيستفيد القراء بما تنشره من موضوعات جادة وهامة، ولكن طه حسين يقول: «ماذا ينفع الناس من معرفة أن ممثلا ترك عشيقته أو أن مطربة طلبت الطلاق من زوجها؟ إذا كان الاهتمام بالأخبار الشخصية غريزة فإن وظيفة الصحافة ليست تملق الغرائز بل تهذيبها.» •••
يبقى طه حسين في القاهرة طيلة الصيف وقد سافرت الأسرة إلى الإسكندرية وهو يتعجل عودتها.
ولكن الأسرة لا تكاد تعود إلى القاهرة حتى يصاب ولده مؤنس بالنيمونيا، ويقضي طه حسين الساعات الطويلة بجانبه فيتعرض للعدوى، فإذا شفي الصغير لزم الوالد الفراش.
يلزم الفراش لا يعمل، والمرض ضعف وألم ونفقات ثقيلة، فيسائل طه حسين نفسه من جديد هل من حقه أن يعرض أسرته لهذا الضيق كله؟
إن الحكومة تمنع الباعة من النداء على الصحيفة وتحرض «المعلمين» المتحكمين في التوزيع على تجاهلها، وتمنع الإعلانات عنها، ومدير الإدارة حسين فتوح حيران لا يدري كيف يدبر ثمن الورق والحبر وأجور المطبعة، أما المحررون فأكثرهم يتطوعون للعمل راضين، يرفضون الهزيمة ويواصلون الصمود، وطه حسين يكتب في آخر يوليو 1934 إلى صديق عزيز عليه يقول: ... بلغت حافة الهوة، وقد كنت أرجو أن يصلح أمر «الوادي» لكنه لم يصلح، ولم يزدد فسادا، والناس يقولون لي إن أمره سيستقيم إذا انقضى الصيف، والله يعلم أيستطيع أن يثبت حتى ينقضي الصيف. •••
وحكومة صدقي باشا تواصل ضغوطها، لا ترفع قبضتها عن الشعب، ولا تخفف من رقابتها للجامعة، رجال البوليس يداهمون اجتماعا لبعض طلاب الجامعة، كان أستاذ القانون المدني الدكتور عبد الرزاق السنهوري قد دعا إليه لتأليف جمعية اسمها «جمعية الشبان المصريين»، ويفضون الاجتماع بالقوة، ويقرر مجلس الوزراء فصل الدكتور السنهوري.
وعندما يبدأ العام الجامعي الجديد يكتب طه حسين في افتتاحية الوادي:
تستقبل الجامعة عامها الجديد فإذا أحد أعضائها الممتازين المتفوقين قد أقصي عنها، هذا العضو هو الأستاذ السنهوري، أخذ بالريبة، وعوقب بالشبهة، وحكم عليه بالظن ... وكان قرار فصله إهانة صارخة للجامعة التي لا ينبغي أن يفصل أعضاؤها بغير أن تستشار.
ولكن طه حسين واثق «أن الفوز للسنهوري ولأمثاله من المظلومين آخر الأمر، فلينتظر هذا الفوز، فليس مقدمه بعيدا.»
وفي أول نوفمبر يعود فيكتب لنفس الصديق الذي كتب إليه في آخر شهر يوليو يقول: «... أما الجريدة فما زالت حالها بعيدة عما يرضي، ولكنها قد أخذت تحاول أن تقف على قدميها وأظن أن هذا ليس مستحيلا، فقد أخذ انتشارها يزيد بعض الشيء. ولست أدري إلى أين ينتهي بنا هذا كله، ولكن الغريب أني برغم هذه المصاعب كلها بعيد عن اليأس بل بعيد إلى حد ما عن سوء الخلق، ولعلي لم أبتسم قط كما ابتسمت في هذه الأيام المظلمة، وإذا كان في حياتي شيء ممض فهو احتياجي كثيرا إلى أن أستدين وإشفاقي المتصل من العجز عن أداء الدين ...»
ناپیژندل شوی مخ