وتستأنف الجامعة حياتها في خريف عام 1927، ويصمم أساتذة الكلية على انتخاب طه حسين عميدا لها في ذلك العام، ولكن تعيين مصري عميدا كان أمرا خطيرا، وتعيين طه حسين عميدا كان أمرا أشد خطرا.
إن السفارات الأجنبية ترغب في الاحتفاظ بمناصب عمداء الكليات للأجانب، والإنجليز يعتبرون أنفسهم مسئولين عن حماية «مصالح» هؤلاء الأجانب!
لكن الانتخابات تتم، وطه حسين ينتخب عميدا، وترفع نتيجة الانتخاب إلى وزير المعارف، ووزير المعارف علي الشمسي باشا يدعو طه حسين لمقابلته ويقول له إنه لا شك لديه هو شخصيا في استحقاق طه حسين لمنصب العميد، ولكنه يصارحه بما تواجهه الحكومة من حرج، وطه حسين يرد بأنه لا يريد أن يسبب مشاكل للحكومة التي لا تنقصها المشاكل، وهو لا يريد قطعا أن يثير مشاكل لعلي الشمسي باشا الذي يذكر سابقة فضله ويكن له أصدق التقدير.
9
ولكنه يقول للوزير إن القاعدة التي تجري عليها الحكومة، أو التي يجب أن تجري عليها الحكومة، هي ألا يشغل أجنبي في عهد الاستقلال منصبا يمكن أن يشغله مصري، فإذا كان هو يصلح للعمادة - كما يؤكد له الوزير - فلا بد إذن من أن يعين احتراما وتأكيدا لهذا المبدأ، ورفضا لتدخل السراي، ولتدخل الأجانب، واحتراما لنتائج انتخابات الأساتذة، ويجب لذلك أن يعين وأن يمارس عمله باعتباره عميدا مصريا للكلية المصرية.
ويضيف طه حسين، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة: «على أنني سأجد لمعاليك المخرج من هذه المشكلة، إذا صدر قرار بتعييني فسوف أتسلم عمل العميد، وأمضي بعض الأوراق، ثم أقدم لمعاليكم استقالتي في نفس اليوم فتقبلونها، وتعينون عميدا للكلية من يليني في نتيجة الانتخابات، وهو من الأساتذة الأجانب.»
وفي يوم 4 يناير 1928 يصدر قرار الوزير بتعيين الأستاذ الدكتور طه حسين عميدا لكلية الآداب، ويذهب طه حسين إلى الكلية ويدخل مكتب العميد، ويطلب أوراقا خاصة برفع مرتبات بعض الإداريين ومعاوني الخدمة، تطبيقا لمنشور من إدارة الجامعة، فيمضيها، ثم يملي خطاب الاستقالة، ويقبلها الوزير، ويعين الأستاذ الفرنسي «ميشو» عميدا لكلية الآداب.
وينتظر طه حسين حتى يصدر قرار تعيين العميد الجديد، فيملي الخطاب التالي إلى الوزير:
حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية ...
الآن، وقد تم تعيين العميد لكلية الآداب، وانتهت هذه القصة التي لم أردها والتي لقيت منها من الألم الممض ما لم أستوجبه ولا أراه يلائم كرامتي؛ أتشرف بأن أرفع إلى معاليكم أصدق الشكر وأخلصه لما تفضلتم به علي من عطف وثقة. وإني أرجو من معاليكم أن تتفضلوا بنقلي إلى أي عمل علمي آخر في غير كلية الآداب التي أصبحت أجد مشقة كبيرة في البقاء فيها.
ناپیژندل شوی مخ