وتغفل أمينة عن أخيها، وهو يحاول الصعود على السلم فيقع، يقع عند شجرة ورد، أبوه يلتفت، وأخته تسرع إليه، وينظر مؤنس إلى الورد ويقول: «ودة»، هذه أول كلمة ينطق بها، وتساعده أخته وهي فرحة وتدخل به إلى المنزل، وعندما تغلق الباب خلفها تتسرب منه موسيقى جميلة هادئة، وطه حسين يبتسم، يتذكر أيام طفولته، كيف كان يلعب وحيدا بقطع الحديد يضرب بعضها ببعض في ركن من أركان منزل متواضع بريف الصعيد، لا يعرف أشجار الورد، ولا أنغام الموسيقى ... ولا يتحدث الأطفال فيه عن طاليس ... •••
عندما يحضر الدكتور محمد حسين هيكل للزيارة بعد يومين يجري الحديث بينه وبين رب البيت حول المعركة التي اشتدت حدتها على صفحات جريدة السياسة وغيرها حول القديم والحديث في الأدب، وطه حسين لا يرى بأسا من قيام هذه المعركة، بل لعل فيها خيرا، وهو يذكر صاحبه بالمعركة التي دارت بينهما عام 1915 في مجلة السفور، عندما كتب طه حسين مقالا بعنوان: «الحرب والحضارة» بتوقيع «تاسيت»
1
أيد فيه النظرية القائلة بأن الحروب هي التي دفعت الإنسانية إلى الأمام، ورد عليه هيكل بمقال قال فيه: «إن الحرب طالما دمرت وخربت، وإن حماقة الإنسانية هي التي تدفعها إلى الحروب.»
ويقول طه: «كان معنا في ذلك الوقت مصطفى عبد الرازق ومنصور فهمي وعبد الحميد حمدي صاحب مجلة السفور، ولقد راقتنا جميعا فكرة اصطناع هذه المعركة اصطناعا لأنها تدعو القراء لمتابعة ما نكتب، فالناس لا يحبون شيئا حبهم الخلاف والجدل.»
ويعود طه حسين بالحديث إلى صفحة السياسة الأدبية وتحريرها، إنه يقرأ الآن مسرحية للكاتب الفرنسي «موريس دونيه»، من أعضاء الأكاديمية الفرنسية، عنوانها «السيل»، ينوي أن ينشر في السياسة فصلا عنها يوم الأحد القادم، ويقول طه لهيكل: «لقد قرأت أنت ولا شك أن لامرتين دعا إليه يوما الكاتب الفرنسي المشهور فلوبير عندما نشر قصته «مدام بوفاري»، فلامه لأنه أبكاه بتلك القصة، وأنا أيضا وددت لو صنعت بمؤلف قصة السيل ما صنع لامرتين مع فلوبير، أدعوه لألومه لأنه أبكاني.»
ويسأل هيكل كيف سيكون تعليق طه عليها، يقول طه: «سيكون تعليقي هو: إننا ضعاف نكره العلم ونخشاه لأننا أضعف من أن نتحمله، ونؤثر الظلمة ونهواها لأن أبصارنا أضعف من أن تثبت للضوء، ونحب أن نظل مخدوعين فلولا الجهل والانخداع ما عمل الناس ولا أملوا ولا أحبوا، وأي شيء هي الحياة وما فيها من عظيم لولا العمل والأمل والحب؟» •••
ويسعى طه حسين إلى الجامعة ليلقي محاضراته في الأيام المحددة لها، لا يقتصر نشاطه على المحاضرات والتدريس، فإن زملاءه الأساتذة يختارونه عضوا في اللجنة التنفيذية التي تضع البرامج ونظم التعليم.
ويعد طه حسين تقريرا لتقديمه لهذه اللجنة، يقول فيه:
أولا:
ناپیژندل شوی مخ