186

ما بعد الايام

ما بعد الأيام

ژانرونه

فيقول مؤنس: «على كل حال نحن الآن في 1959، وولدك يعمل في اليونسكو، وهي منظمة من منظمات الأمم المتحدة، وصهرك مشغول بإعداد الصومال للاستقلال باسم الأمم المتحدة.»

ويرد طه حسين: «أنا لم أقل شيئا ضد اليونسكو، بالعكس هذه منظمة هامة تعمل في ميدان عظيم الخطر، وأنت تعرف أنني شاركت في أعمالها وأنني شاركت من قبل ذلك في أعمال لجنة التعاون الفكري التي كانت متصلة بالمنظمة الدولية السابقة؛ أي عصبة الأمم، إن الثقافة ميدان من الميادين التي نرجو أن يتحقق فيها تعاون البشر للخير والحضارة والتي يتيسر فيها هذا التعاون. وفيما يخص إعداد الأمم المتحدة للصومال للاستقلال، فهذا فضل واضح وخير عظيم، وأنا سعيد جدا بعمل محمد هناك، وقد سبق لي أن كتبت أطالب بإلغاء نظام الاستعمار من أساسه، ولكن الفضل الحقيقي في استقلال الصومال، عندما يستقل، لن يكون للأمم المتحدة، ولكن «الفضل» سيرجع إلى هزيمة المستعمر الإيطالي في الحرب العالمية الأخيرة، وإلى أن المنتصرين، وهم الأمريكان والإنجليز والروس والفرنسيون، لم يستطيعوا أن يتفقوا على من يرث الصومال، فانتهوا إلى أن يرفعوا أيديهم جميعا عنها. هذه هي الحقيقة المؤلمة التي لا تغض من مجهودات مصر ولا من مجهودات زوج أختك، فقد كان من الممكن جدا أن يستقر الاستعمار الإيطالي في الصومال لولا هذه المجهودات المشكورة.»

ويقول مؤنس: «أنت متشائم، وعهدي بك التفاؤل.»

ويرد طه حسين قائلا: «أنا في الحقيقة متفائل، ولكني أريد أن يقوم التفاؤل وخاصة تفاؤل الشعوب على أساس من التعقل والاحتياط. المهم كيف عملك الآن في اليونسكو؟»

ويقول مؤنس: «تعرف أننا نشرف على ترجمة التراث الإنساني إلى اللغات الحية باسم مجموعة «الروائع» الإنسانية، وفيما يخص التراث العربي فإن اللجنة الدولية لترجمة الروائع، التي سبق أن تقرر أن يكون مركزها بيروت، ستصدر قريبا كتاب «الأخلاق والسير» لابن حزم، وستترجم كذلك كتاب الغزالي «أيها الولد» وكتابه «المنقذ من الضلال»، كما ستترجم «المقدمة» لابن خلدون و«فصل المقال» لابن رشد، وغيرها.»

ويسأل طه حسين عن العملية العكسية؛ عن ترجمة الروائع الأجنبية إلى العربية.

ويجيب مؤنس: «تتم الآن ترجمة «مقال الطريقة» لديكارت، و«مسامرات الأموات» للوسيان، و«العقد الاجتماعي» لجان جاك روسو، و«السياسات» لأرسطو ... صديق لطفي باشا.»

ويقول طه حسين: «نعم، وصديقي أيضا، إنك تذكر كتاب «نظام الاثينيين» لأرسطو الذي ترجمته منذ ثلاثين عاما.»

ويلاحظ مؤنس أن هذا الكتاب أيضا قد ترجمه راهب لبناني للعربية، ويقول: «وأخشى أنه لم يشر إلى ترجمتك التي سبقته بها بثلاثين عاما.»

ويقول طه حسين: «إن هذا لا يليق، وإن يكن غير مهم، فلعله لم يعرف أنني ترجمت الكتاب، المهم أن تصدر هذه الترجمات، وأن تكون بين أيدي قرائنا العرب، إن الترجمة العلمية الدقيقة وسيلة لتعارف الشعوب وتفاعل الأفكار الإنسانية وتلاقي الحضارات ... ولم توجد نهضة إنسانية إلا وقد اقترنت بها حركة كبرى من حركات الترجمة سواء كان ذلك في بغداد على عهد الرشيد والمأمون عندما أخذ العرب عن غيرهم، أو في أوروبا على عهد النهضة (الرينسانس) عندما أخذت أوروبا عن العرب. إنك تبدو راضيا عن عملك موفقا فيه يا مؤنس فلله الحمد، وإن كانت القاهرة تبدو موحشة من غيرك أنت وأختك، ومن غير أسرتيكما ... ورامتان التي كنا نحلم بها سنوات عديدة موحشة بغيركم الآن. ثم يقول بعد فترة سكوت: «في بعض الأيام، أحس ونحن وحدنا في رامتان بشيء من الوحشة التي يحس بها المرء أحيانا قبيل الغروب.»

ناپیژندل شوی مخ