طه حسين :
نعم، نعم، أذكر حديثي في الجامعة الأمريكية، وأذكر برقيتك، وأذكر أنك لم تذكر فيها عنوانك فلم نرد عليك، وأذكر أن السيد السنوسي قد أرسل إلي من ليبيا برقية تشابه برقيتك. لماذا لم تذكر عنوانك؟
العجوز :
لأني اعتبرت أن البرقية مرسلة إليك منا جميعا، من المغرب العربي وليس مني أنا فقط.
وداخل المحل تقول السيدة سوزان: «ما أجمل هذا الرداء! سوف يكون جميلا عندما ترتديه أمينة بنت مؤنس، سأعطيه لها عندما تحضر مع والديها لقضاء يومين معنا في إيطاليا، في تريستا، قبل عودتنا إلى مصر.»
صاحب المحل يحاول أن يقدم الرداء هدية، ثم لا يتقاضى في آخر الأمر إلا أصل ثمنه دون أخذ أي ربح من طه حسين.
وفي السيارة في طريق العودة إلى مدينة الرباط تعرض سوزان على زوجها الرداء الذي اشترته لحفيدتهما، بنت مؤنس، ويقول طه حسين: «لقد طالت غيبتهم عنا، ولقد تفرق الجميع؛ إن أمينة بنتنا مع زوجها وأولادهما في مقر عمل زوجها في الصومال، في مقديشو، ومؤنس وزوجته وابنته في مقر عمله باليونسكو في باريس.»
وتسأل سوزان: «ألم يحن موعد استقلال الصومال بعد؟ أنا مشتاقة جدا إلى إعلان استقلال الصومال، فإن مهمة محمد هناك كما أخبرني موقوتة بانتهاء الوصاية الإيطالية على الصومال وإعلان استقلاله.»
ويرد طه حسين فيقول: «إن الموعد المحدد لإعلان الاستقلال حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو الثاني من ديسمبر 1960، ولكن محمد أخبرني أنهم يجتهدون في تقديم الموعد إلى صيف 1960، وأنا واثق أنه سينجح. لقد أرسلت مصر إلى الصومال شبابا من أحسن شبابها، تذكرين كمال الدين صلاح مندوبنا الذي استشهد هناك والذي حل محله محمد؟ سنقابل أمينة وأسرتها الصيف القادم إن شاء الله، أما في هذا الصيف فسوف نرى ليلى ومؤنس وابنتهما في «تريستا» بعد قليل.» •••
وفي تريستا نرى أمينة بنت مؤنس مع أمها في الرداء الأبيض الذي اشترته لها جدتها من بلاد المغرب، ونرى مؤنس يتحدث مع والده عن أعمال اليونسكو، يقول له إن أحد زملائه قد لفت نظره إلى مقال لوالده يتحدث فيه عن الأمم المتحدة، وقرأ له منه فقرات جاء فيها: «لم أومن قط بهيئة الأمم المتحدة، لأن هيئة أخرى شبيهة لها قامت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لم تكف معتديا، ولم تقمع باغيا، ولم تقر أمنا، ولم تشع عدلا، ولم تزد على أن أنفقت مالا كثيرا، وملأت الأرض كلاما وأوهاما، وأغرت الضعفاء أن يطمئنوا إلى ضعفهم، والأقوياء بأن يتزيدوا من قوتهم»، والمقال الآن بين يدي مؤنس وهو يقرؤه على والده بكامله، يقول لأبيه: «أنت تنهي المقال بقولك: «إن الخير كل الخير أن نذود عن حوضنا بسلاحنا، وألا نظلم أحدا، وألا نرضى أن يظلمنا أحدا».» ويسأل طه حسين ولده: «أليس هذا صحيحا؟ ما اعتراضك على هذا المقال إذن؟»
ناپیژندل شوی مخ