ويقول طه حسين: «في المثل العربي القديم: «تسألني برامتين سلجما» يعني تطلب منه أن يحضر لها السلجم، والسلجم هو «اللفت»، وهما في رامتين، ومن أين يأتي لها باللفت في البادية؟!»
وتقول سوزان: «من يريد «اللفت» في رامتان؟ رامتان لن يوجد فيها لفت، سيوجد فيها بساط أخضر تمشي عليه في هدوء كما تحب، وسنزرع فيها أشجار الفتنة التي تحب عطر زهورها، وقد استبقيت في الأرض أشجارها القديمة الطويلة، لتدعو إليها الطيور وليغني في سمائها الكروان.» •••
الاسم «رامتان» مكتوب على باب الفيللا الخارجي.
في الحديقة طه حسين مع ولده مؤنس يسيران عائدين إلى المنزل بعد جولة فيها.
يدخل الوالد وولده إلى غرفة الطعام وفيها السيدة سوزان وليلى، ويدخل الطباخ «محمد» الذي كان يعمل في سكن الدكتور طه في الزمالك، والذي انتقل مع الأسرة إلى المسكن الجديد، فيحييه مؤنس، ويدخل «السفرجي» الذي انتقل أيضا مع الأسرة من الزمالك، يقدم القهوة، ثم تنسحب ليلى للراحة ويتناول الثلاثة القهوة، ويتحدثون عن خطاب وصل من أمينة من طهران تصف فيه زيارتين قامت بهما مع زوجها وأولادهما الثلاثة إلى ساحل بحر قزوين ومدينة شالوس المشهورة بصناعة الحرير ومدينة رامسار على ساحل بحر قزوين، وتقول إن ابنهما «حسن» يذهب إلى المدرسة الأمريكية، و«سوسن» وأختها إلى مدرسة الليسيه، وهم جميعا موفقون في دراستهم والحمد لله!
بعد القهوة، يصعد طه حسين إلى غرفته للراحة، وإلى جانب السرير جهاز راديو، يفتحه ليستمع إلى القرآن الكريم، وفي الساعة الثالثة تصل مدام غنيم لتقرأ عليه كتابا من الكتب الفرنسية الحديثة الوصول إلى القاهرة، وفي المساء ينزل إلى مكتبه، ويحضر سكرتيره فريد ليقرأ له ما يريد، وقد يحضر الأستاذ إبراهيم الإبياري أو الأستاذ محمد الدسوقي من رجال المجمع لقراءة بعض النصوص العربية القديمة، وقد يحضر بعض الأصدقاء مثل الدكتور سليمان حزين، والدكتور كامل حسين، والشيخ أبو رية، والأستاذ عبده حسن الزيات، والمهندس عبد المجيد حسين شقيق الدكتور الأصغر، والدكتور محمد عوض محمد، والدكتور سهير القلماوي، والدكتور يحيى الخشاب، والأستاذ ثروت أباظة، والأستاذ كمال الملاخ، والأستاذ يوسف السباعي الذي يحدثه في شئون نادي القصة واتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للفنون والآداب، ويحضر أحيانا الأستاذ لطفي السيد الذي لم ينقطع عن زيارته مع بعد المسافة بين منزليهما الآن، بين مصر الجديدة والهرم. كل من يدخل المنزل لأول مرة يهنئ العميد بأول دار يملكها.
وبعد العشاء يجلس مع زوجه في الصالون يسمعان بعض الموسيقى، ثم تقرأ له زوجه في كتاب.
المقطوعة الموسيقية هذا المساء هي موسيقى موزارت المسماة «القيثارة السحرية»، أما الكتاب فأحد مؤلفات الكاتب الإيطالي إنجاريتي، فلقد طلبت إحدى الصحف الإيطالية من الدكتور طه حسين مقالا عن الكاتب «إنجاريتي»، لنشره في العدد الخاص الذي تصدره عنه، وطه حسين يقرأ الكتاب تمهيدا لكتابة كلمته وإرسالها للمجلة، زوجته تذكره بالفصل الجميل الذي كتبه عام 1949 في الكتاب الذي أصدرته منظمة اليونسكو عن الشاعر الألماني «جيته»، فبين فيه أثر الحضارة الإسلامية في مؤلفات الشاعر الألماني. •••
في نفس الصالون يسمع طه حسين إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس من الإسكندرية، بعد سحب العرض الأمريكي لمشروع السد العالي في أسوان.
يحس طه حسين بالقلق لتطور الأحداث، ولكنه معجب بمصر المستقلة التي تبادر فترد عن نفسها كل إهانة.
ناپیژندل شوی مخ