وناحية الإصلاح الاجتماعي، الذي يمس نظام الشعب في حياته اليومية، ليجعل فقر الفقير محتملا، ومرض المريض يمكن علاجه، حتى يأتي اليوم الذي يعصم فيه الشعب من التعرض للفقر والمرض، ولست أعرض لهذه الناحية لأن غيري أجدر بالحديث عنها مني.
وهناك ناحية الإصلاح التعليمي، الذي يحقق للشعب كرامته، ويحقق له شعوره بواجباته، وشعوره بحقوقه بعد ذلك.
وما أعرف شيئا يجب على الثورة أن تأخذه بالحزم والعزم والقوة والجد كشئون التعليم، فكل إصلاح اجتماعي أو سياسي في شعب جاهل لا قيمة له، ولا بقاء.
وما أظن أن مصريا - بعد الثورة - يحب أن يصلح غذاء الشعب وصحته دون تعليم، كما يصلح أصحاب القطعان غذاء قطعانهم وصحتها، وإنما المصريون يريدون أن يصلحوا غذاء الشعب وصحته. على أنه شعب من الناس الذين يعقلون ويشعرون ويعرفون أنفسهم ويريدون أن يعرفهم غيرهم من الناس.
والسبيل إلى ذلك كله واحدة ليس لها ثانية، وهي التعليم قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء، التعليم الذي يجعل المصري إنسانا يحتال للفقر حتى يخرج منه، ويحتال للعلة حتى يبرأ منها، ويتحدث إلى الناس فيفهمون عنه، ويتحدث إليه الناس فيفهم عنهم، وينهاه المصلحون عن الشر فينتهي، ويدعوه المصلحون إلى الخير فيجيب. •••
وتمتلئ غرفة مكتب العميد في منزله بعدد من الأساتذة الشبان والطلبة والصحفيين وضابط، يتحدثون عن هذا المقال الأخير وعما جاء فيه من نواحي الإصلاح الثلاث التي أشار إليها.
أستاذ شاب يسأل طه حسين عن أسباب ركود الفكر في مصر.
ويقول طه حسين: «الأسباب واضحة، هناك الظروف السياسية، بما في ذلك الرقابة التي استمرت خمسة عشر عاما، إن الحرية هي قوام الحياة الأدبية الخصبة ... إذا ذهبت أجدب الأدب وعقم الفكر.»
ويضيف أحد الأساتذة الحاضرين: «وهناك أيضا مشكلة النشر.»
فيقول طه حسين: «نعم، وهذا سبب ثان، إن الشباب يكتب فلا يجد قبولا من الناشرين ولا تشجيعا من شيوخ الأدب للأسف. وهناك سبب ثالث وهو طريقة تدريس الأدب في مصر، إن الأدب يدرس الآن في المدارس والمعاهد والجامعات على نحو يحزن أكثر مما يسر، وإنتاج الأساتذة ضعيف، والمتخرجون في قسم اللغة العربية بالجامعات الآن لا يعرف بعضهم كيف يبحثون في كتاب «الأغاني» لأنهم لم يسمعوا عن الفهرس الذي وضعه له الأستاذ «جويدي».»
ناپیژندل شوی مخ