مقدمة المؤلف
بين
فسواله النزالحرين
حمد الله واجب قبل كل كلام ، ومنحة العقل فوق كل إنعام ، وما بعد كتب الله المنزلة على أنبيائه صلوات الله عليهم ، وبعد جوامع كلمهم ، أشرف من ثمرات العقول التى يرثها الآخر عن الأول ، ويستند بها في الدين إلى المعلوم الأفضل ، ويتسم بها للدنيا صهوة الأمر (المعضل)(11) ، عند سياسة العباد وعمارة البلاد .
فمد الوادى من سيل التلاعات(2) ، وفيض الأنهار من سبل(12 القطرات . وإن كان فى الناس من يؤيده الله من صواب الرأى مما يغنيه عن استمداد ، ويوفقه حتى لا يحتاج فى قراع الخطوب إلى استعداد . فتكانر الأنوار على المبهمات انفع ، ولظلام الشبه ادفع . والله يهدى فلوب أوليائه ويشحذ بصائرهم على أعدائه يمنه.
وهذا المجموع اثنان وثلاثون بابا ، مختومة بباب في ضروب مختلفة .
مخ ۱
6
الببات الاول
ش
1
أوائلما تحتاج الملولثاليمعرفنه
ليقال إن المأمون جمع يوبا ولده فقال : يا بني ليعلم الكبير منكم أنه إنما عظم قدره بصغار عظموه ، وقويت قوته بضعاف آطاعوه ، وشرفت ميزلته بعوام اتضعوا له . فلا يدعو نه تفخيمالمفخممنهم إياه إلى تصغيره ، وتعزيزه أمره إلىتذليله. ولا يستأثرن بفائدة ورفق (1 دويه . ولا يولعن بتسميته عبدا كماسمت الأعاجم ، بل ولئيا وآخا . فإن الشيء الذى قوامه من أجراء خسيسة ومعان مذمومة ، فهو أيضا خسيس مذموم . وكل امرئ من أولئك جزء من عدة أجزائه ، وعماد من أعمدة أمره . فإذا انحلت أجراؤه وزالت دعائمه ، مال العماد وتهدم الكل . وقد قيل إن من ملك أحرارا طائعين كان أشرف ممن ملك عبيدا مستكرهين . واعلموا أن قلوب الرعية خزائن ملكها ، فما أودعها فليعلم أنه فيها(3) .
وقال يوما آخر لهم : ارجعوا فيما اشتبه عليكم من التدبير إلى رأى
مخ ۲
الحر .ة(1) المجربين والبررة المشفقين . فإنهم مرائيكم (7) ي. ونكم ما لاترون ، ويكشفون لكم أغطية ما لا تعلمون . فقد صحبوا لكم الدهور ، ومارسوا الدول36 ، وكفوكم التجارب والعبر . وعرفوا حوادث الأزمنة وأعراضها وإقبالها وإدبارها ، والعلل التى يسكن بها الهائج المضطرب ويهتاج لها الساكن المطمئن . فروضوا أنفسكم لهم ، وبجرعوا مرارتهم . فقد قيل إن من ج عك مرا لتبرأ أشفق عليك ممن أوجرك(3) حلوا لتسقم ، ومن خوفك لتأمن ، أير، ممن أممك حتى تخاف .
وقد قيل: إن نصف عقلك مع المستشار ، واعتبروا فى علو الهمة يمن برون من وزرائى وخاصتى . إنهم والله ما بلغوا مراتبهم عندى إلا بأنفسهم . إنه من تبع منكم صغار الأمور تبعه التصغير والتحقير ، وكان قليل ما يفعل في كبارها أ كثر من كثير 12 ما يستدرك من الصغار . فترفموا عن دناءة الهمة ، وتفرغوا لجلائل التدبير . واستكفوا (7) الثقات فادنوها . وكونوا مثل كرام السباع ، لا تشتغل بغوامض الوحش10
والطير وحواشيها بل بجليلها
مخ ۳
وكبارها . واعلموا أن أقدامكم إن لم تنقدم بكم فأيديكم لا تمد بكم . ولا يغنى الولى (1) عنكم شيئا ما لم تعطوه حقه من الصيانة والمادة .
وقال يزرجمهر (2) : عاملوا أحرار الناس تمحض المودة ، وعاملوا العامة بالرغبة والرهبة ، وسوسوا السفلة بالمخافة صراحا .
وكان أرشطاليس(3) أدب الإسكندر ، فلما نشأ واستفحل أمره وكبر شأنه وعرفه من الحكمة ما عرفه ، كان شبه الوزير له ، يعتمد عليه في الرأى والمشورة . فكتب إليه يخبره أنه قد كثر (فى) خواصه وعسكره قوم ليس يأمهم على نفسه ولما يرى من بعد هممهم وشجاعهم وشدة دالتهم ، وليس فرى لهم عقولا تفى بهذه الفضائل (التى فيهم) بقدر هممهم . فكتب إليه أرشطاطاليس : فهمت ما وصفته عن القوم الذين ذكرت . فأما بعد هممهم ، فمن الوفاء بعد الهمة ، وأما ما ذكرته من شجاعتهم مع نقص عقولهم ، فمن كانت هذه حاله فرفهه فى المعيشة واخصصه بحسان النساء . فإن رفاهة العيش توهى من العزم ، وإن حب النساء يحبب(5) السلامة ويباعد من ركوب المخاطرة .
مخ ۴
وليكن خلقك حسنا تستدع به صفو النيات وإخلاص المقامات (1) . ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا ممكن أوسط أصحابك مثله . فليس مع الاستئثار محبة ولامع المؤاساة بغضة . واعلم أن المملوك إذا اشترى لم يسأل عن مالمولاه ، وإنما يسأل من خلته()
وكانت الفرس تقول : للوزير على الملك ، وللكاتب على الصاحب ، ثلاث (3) : رفع الحجاب عنه ، واتهام الوشاة عليه ، وإفشاء السر إليه .
وحكى أن سابور(4) الملك، استشار وزيرين كانا له في أمر من أموره ، فقال له أحدهما : لا ينبغى للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا يه ، فإنه أموت للسر وأحزم فى الرأى ، وأدعى إلى السلامة ، وأعفى لبعضنا عن غائلة بعض . لأن الواحد رهن بما أفشى إليه وهو أحرى أن لايظهره ، رهبة للملك ورغبة إليه . وإذا كان عند اثنين فظهر دخلت على الملك الشبهة واتسعت
مخ ۵
على الرجلين المعاريض(1) . فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد ، وإن اتهمهما اتهم بريئا يخيانة(2) مجرم . وإن عفا عهما عفا عن واحد ولا ذنب له ، وعن الآخر ولا حجة عليه(3).
وقال بعضهم : اجعل من انتخبته لديوان الخراج (4) واحدا من ثلاثة : ما رجلا يظهر الزهد في المال والورع فى الدين ، فإن كان كذا عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفر الخراج واجتهد فى العمارة . وإن هو لم ع ولم يعف إبقاء على دينه ونظرا لأمانته ، كان حريا أن يخون قليلا ويوفر كثيرا ، استسرارا(5) بالرياء واكتتاما بالخيانة . فإن ظهرت على ذلك عاقبته على ما اختان (6) ولم تحمده على ماوفر . وإن جلح (7) فى الخيانة وبارز بالإساءة ، نكلت به في العذاب واستنظفت(8) ماله وأطلت مدة حبسه . (أو رجلا عالما بالخراج ، غنيا في المال ، مأمونا فى عقله فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والاجتهاد في العمارة ، والرفق بالرعية . ويدعوه غناه إلى العفة ، وعقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة لما يضره) . أو رجلا عالما بالخراج معروفا بالأمانة
مخ ۶
ثقترا من المال ، فتوسع(21) عليه فى الرزق ، فيغتنم لحاجته الرزق ويستكثر لفاقته اليسير وئيرجى(2) الأموال بعلمه ، ويعف عن الخيانة بأمانته (3) .
ورفع إلى أنو شروان(4) أن عامل الأهواز جبى فضل ثمانية آلاف (ألف) درهم ثما لم يلزم الناس ، وإن ذلك في بيت المال . فوقع(5) برد المال على القوم بأسره ، فإن الملك إذا عمر بيوت أمواله مما يأخذ من رعيته، كان كمن عمر سطوح بيته مما اقتلع من قواعد بنيانه .
ويقال إن أبا جعفر المنصور حضره ليلة عبد الله بن على وصالح بن على قى نفر معهما (6) . فقال عبد الله بن على : يا أمير المؤمنين ، إن عبد الله بن مروان
مخ ۷
ابن محمد (1) لثا هرب إلى بلاد النوبة ، جرى بينه وبين ملكها كلام فيه أعجوبة سفط عنى حفظه ، فإن رأى أمير المؤمنين أن برسل إليه بحضرتنا ويسأله عما ذهب عنا ، وكان في الحبس ، فأرسل إليه أبو جعفر، فلما دخل قال له : ياعبد الله ، قال : لبيك يا أمير المؤمنين . قال : اخبرنى محديثك وحديث ملك النوبة . قال : نعم) يا أمير المؤمنين ، هربت ممن تبعنى بأثاث سلم لى إلى بلاد النوبة ، فلما دخلت بلادهم فرشت ذلك الأثاث . فجاء أهل النوبة ينظرون إليه متعجبين منه إلى أن بلغ ملك النو بة فجاءومعهثلاثة نفر ، فإذا رجل طوال آدم أغبر مسنونالوجه. فلما قرب قعد على الأرض وترك البساط ، قلت : ما ممنعك أن نجلس على أثاثنا هذا ؟ قال : إنى ملك وحق على كل ملك (2) أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه الله . قال : ثم نظر إلى فقال : لم تشربون الخمر وهى محرمة عليكم ؟ فقلت : عبيدنا
مخ ۸
وأتباعنا يفعلون ذلك بالجهل منهم . قال : فلم تلبسون الديباج والحرير وتحلون الذهب وهو محرم عليكم ؟ فقلت : زال عنا الملك وانقطعت المادة ، واستنصرنا تقوم من الأعاجم كان هذا زيهم فكرهنا الخلاف عليهم (1) . قال : فأطرق بقلب بده ويقول : عبيدنا وأتباعنا وأعاجم دخلوا فى ديننا ، يكرر الكلام على نفسه ، ثم نظر إلى فقال : ليس ذاك كما تقول ، ولكنكم قوم ملكتم فظلمتم وتركتم ما يه أمرتم وركنتم إلى ما عنه نهيتم ، فسلبكم الله العز وألبسكم الذل هذنوبكم ، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد . وأنا أخاف أن تنزل بكم النقمة وأنت ببلدى فتصيبنى معك ، فارتحل عن جوارى . قال : فقام أبو جعفر وقيذ] (2) مغموما من كلامه فدخل حجرته (3).
وأراد عبد الملك بن مروان أن يغتال ملك الروم فى الضواحى ممكيدة من مكائده ، وكان من دهاة بنى أمية . قال يزيد بن عقال : فدخلت عليه وعنده(
3 رجال من صنائعه فيهم إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهرى والمثنى
مخ ۹
ابن خالد الأسدى ، والعباس ين زفر الهلالى ، وحرب بن قطن الهلالي ، ومحمد ابن مسلم البجلى . فشاورنا (1) في ذلك فأشرنا عليه أن يشرف بنفسه على الروم والثغور) ويمضى فيها أمره وإرادته . فقال لنا : إن من حزم الوالى (2) الشهم أن لا يبتذل مهابة نفسه وجلالة قدره فيما إن استكفاه رجلا من صنائعه كفاه إياه وقام به . وإنما اصطنعت (الولاة) الرجال ليصونوا بها مهجهم فى الحروب ومهاية أنفسهم وجلالة أقدارهم عن التبذل لرعيتهم . ولذلك يجب على الوالى اللببب الأريب أن يتخير الرجال لصنيعته ، لأن صنيعة الوالى جمته فى الحرب ووجهه فى حفظه . وقد تعرف الرعية قلة الوالى وكثرته بصنيعته . تم تمثل (3) :
وبعثت من ولد الأغر معتب (4)
صقرا يلوذ حمامه بالعوسج
فإذا طبخت بناره أنضحته
وإذا طبخت بغيرها لم تنضج
وهو الهمام إذا أراد فريسة
لم ينجها منه صريخ الهجهج
وقيل للاسكندر : أى شىءآ أنت به أسر، من ملكك ؟ قال : اقتدارى على الإحسان .
ومن شدة التحرز ، ماحكي فى كتاب من كتب الهند: إنه أهدى إلى بعض ملو كهم حلى وكسوة وبحضرته امرأتان من نسائه ووزير من وزرائه .
مخ ۱۰
فير إحدى امرأتيه (1) بين اللباس والحلية . فنظرت المرأة إلى الوزيركالمستشيرة له ، فغمزها بإحدى عينيه على أخذ الكسوة ، ولحظه الملك . فعدلت عما أشار نه من الكسوة واختارت الحلية لئلا يفطن الملك للعمزة . ومكث الوزير ربعين سنة كاسرا عينه ليظن الملك أنها عادة له وخلقة فيه (2) .
واستعار بعض الملوك من أنوشروان رأيا في سياسة الرعية فوقع في كتابه : احسم عنهم الأسباب التى تبعث قلوبهم على معصيتك تكن قادة (3) أبدانهم الى طاعتك .
وكان الحجاج يستبطىء المهلب فى حرب الأزارقة(1) وهو مجتهد ، فكتب
مخ ۱۱
ليه المهلب : إن من البلاء أن يكون الرأى لمن يملكه لا لمن يبصره . فهذا وجز جواب سمع(1) .
وقال عيسى بن طلحة : سألت ابن عباس عن معاوية فقال : سما لشىء بأمر أسره واستظهر عليه بشيء أعلنه . فحاول ما أسر بما أعلن فناله . واستنفر اليه صاحبه فصعد وهبط وأبقي وترك ، وأتيح له من كفاه مؤونته ولم ينازعه أحد بعد ، وكان حلمه قاهرا لغضبه ، وجوده مستعليا على منعه . يصل ولا يقطع ويجمع ولا يفرق ، فاستقام أمره وجرى إلى مدته .
سأل رجل بعض حكماء بنى أمية : ما كان سبب زوال نعمتكم ؟ فقال : قد قلت فاسمع وإذا سمعت فافهم . إنا قد شغلنا باذتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا ، ووثقنا يوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا ، وأمضوا أمورا دوننا أخفوا عامها عنا ، وظامت رعيتنا ففسدت نياتهم لنا ، ويئسوا من إنصافنا فتمنوا الراحة لغيرنا ، وخربت معايشهم فخربت بيوت أموالنا ، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا ، واستدعاهم مخالفونا فتظاهروا على أمرنا . وطلبنا اعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصازنا . وكان أول زوال ملكنا استتار الأخبار عنا .
وقال المنصور يوما : ما كان أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر
مخ ۱۲
لايكون على بابي أعف منهم قيل يا أمير المؤمنين : من هم ؟ قال : هم أركان الملك ، لايصلح الملك إلا بهم ، كما أن السرير لايصلح إلا بأربع قوائم ، إن فقصت قائمة واحدة وهى، أما أحدهم فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم ، والآخر صاحب شرطة آينصف الضعيف من القوى ، والثالث صاحب خراج يستقصى لى ولا يظلم الرعية ، فإنى غنى عن ظامها . ثم عض على إصبعه السياية (ثلاث مرات)(1) يقول فى كل مرة : آ ، آه ، قيل من هو الرابع يا أمير المؤمنين ؟ قال : صاحب بربد يكتب بيخبر هؤلاء على الصحة .
سأل المأمون بعض علماء العرب عن رجالات الأرض ، فقال بعضهم : أبو بكر وعمر ، وقال بعض : على3 ، وقال بعض : معاوية وعمرو فى الدهاء والإزب، والمكيدة . فقال المأمون : إنما أردت رجالا قاموا بنقل دولة ونهضوا بأمر يعجز الرجال عن النهوض ممثله . فقالوا أمير المؤمنين أعلم . فقال : رجالات الأرض حمسة : الإسكندر الرومى 6 نهض من الروم حتى أباد ملك
مخ ۱۳
دارا ، وغلب على الأقاليم السبعة 06) . وأردشير (2) أقبل يمثل همته حتى رد ما انتشر من ملك إقليم بابل على غره . وبهرام جور في فتكه وقتال خاقان ومن معه فى ثلاثمائة فارس . وأنو شروان مع حداثة سنه توثب على مزدك1
مخ ۱۴
في جمعه، وقد وافى دارا مملكة قباذ فأبادهم . وأبو مسلم (21 صاحب دعوتنا، نهض فى دولنتا وهو ابن ثمانى عشرة سنة ، وقتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة .
مخ ۱۵
البارث الشالىن
اطفالتدبيريه الحروب
حكى إن الإسكندر لما فرغ من مدن (1) فارس وأراد الشخوص عنها ، كتب إلى أر مشطاطاليس يعلمه أنه لما فتح بلاد فارس ، رأى رجالا لم ير مثلهم جمالا وكمالا وشجاعة ، وإنه لا يأمن إن ظمن عنهم أن يتبوا يمن يخلف ، ويرجعوا إلى معصيته . وأنه رأى قتل أمثالهم فسادا فى الأرض ، ولم يأمنهم أن يخرجوا فى عسكره على فساد العسكر . فكتب إليه أرشطاطاليس : فهمت كتابك في رجال فارس ، فإما قتلهم فهو من الفساد فى الأرض ، ولو قتلتهم جميعا لأندت(2) البلد مثلهم ، وكانوا أعداءك وأعداء عقبك وبلدك بالطبع . وإخراجهم فى عسكرك مخاطرة بنفسك وأصحابك لا يؤمن ميلهم عليك ، لأن عدوك صديق عدؤك . ولكن فرآق كلمتهم بأن بجعل لكل طائفة منهم ملكا ، فلا يؤدى بعضهم إلى بعض طاعة ، ويلجأ كل فريق منهم إليك . فملك الإسكندر ملوك الطوائف ، فمكتوا على ذلك حتى جمع كلمتهم و أردشير بن بابك .
وحكى أن الإسكندر لما شخص عن أرض فارس إلى أرض الهند
مخ ۱۶
تلقاه ملك الهند فى جمع عظيم ومعه ألف فيل مجففة (1) بالسلاح عليها الرجال وفى خراطيمها السيوف . فالتقوا فكانت الديرة على الإسكندر ، ولم تقف دواب جنده للفيلة وولت منها هاربة . فربع الإسكندر إلى مأمنه ثم أمر صتاعه فاتخذوا له تماثيل للفيلة ، وجعل مرابط خيله في تلك التماثيل حتى ألفتها الخيل . شم أمر باتخاذ ألف تمثال رجل على ألف فرس من يمحاس مجوفة ، ثم ألبسها الدروع وملا أجوافها بالنفط والكبريت . وجرت على العجل فوقفت فى مواضع الوقعة ، وبين كل تمثالين منها حماعة من أصحابه . فلما نشبت الحرب واشتدت، أمر بإشعال النار فى تلك التماثيل فحميت، وانكشف أصحابه عنها . وغشيت الفيلة التماثيل فضربتها مخراطيمها ، فتشيطت خراطيمها واحترقت ، فولت الفيلة راجعة . وكانت الديرة فى ذلك اليوم على ملك الهند .
وحكى أن ملكا من ملوك العرب حارب عدوا له فهزم وخرج هاربا والخيل تكده (2) . فلما أرهقته نثر لها زجاجا ملونا شبيها بالجوهر الأحمر والأخضر والأصفر ، ودنانير صفرا مطلية بالذهب . فتشاغل طالبوه بلقط ما طرح ، ولجأ إلى معقله .
حكى أن أميرا أمر بسبائك صفر فطليت بالذهب، وكانت في خزانته . وأن جنده شغبوا عليه لطلب أرزاقهم . وقد تأخر عنه بعض تدبيره فيهم ، وأبطأت عليه مواده . فلما خاف جنده أخرج إليهم سبائك النحاس المموهة ، وقال لهم : إنا أردنا ضرب هده السبائك دنانير لنقسمها فيكم فأنظرونا ، (فأنظروه) حتى تهيأ له فيهم ما أراد .
مخ ۱۷
وحكى أن الإسكندر سار فى مسيره فى الأرض ، إلى مدينة في غاية المنعة والحصانة ، فتحصن فيها أهلها ، فيئس منها لحصاتتها . وتعرف خبرها فأعلم أن فيها من الميرة والعيون المتفجرة ما لا تخاف عليه النفاد . فدست تجارا من قبله متنكرين وأمدهم بالمال وأمرهم بدخول المدينة على سبيل التجارة وبيع ما معهم من بجاراتهم ، وأمرهم بابتياع ما أمكنهم من الميرة والمغالاة بها . فدخل التجار المدينة بتجاراتهم وانكشف عنها الإسكندر راجعا فأمنوه . فلم تزل بجاره يشترون منهم (الميرة ويغالون بها ، وهو يمدهم بالمال ، والقوم آمنون لبعد الإسكندر عنهم) حتى صار في أيدى بجاره أكثر ميرة المدينة . فلما علم ذلك كتب إلى بجاره : احرقوا ما فى أيديكم من الميرة كلها ، واهربوا عن المدينة . وزحف الإسكندر إليها ولاميرة بها إلاشىء يسير . فخحاصرهم أياما قليلة فأعطوه الطاعة وفتحوا له المدينة على حكمه .
مخ ۱۸
لبتات الشالش
يح القالاء لحكى أن الإسكندر وقف على قلعة (1) كثيرة الميرة ممتنعة الموضع . فانصرف عنها وشرد من حولها من أهل الرساتيق (1) ، وخرب قراهم ونهب أموالهم وتهددهم بالسباء 3) . ففخرجوا هار بين معتصمين بالقلعة . حتى دخلها أضعاف أهلها ، فأسرعوا فى الطعام ، ففنيت الميرة فى مدة يسيرة . ثم رجع إليها لما خفت ميرة أهلها فحاصرهم ففتحها . وحكى أن بغا الكبير (4) ، فعل مثل ذلك تمدينة بأرمينية حتى فتحها . ويذكر أن فجئفا (5) لما أناخ غلى حصن لؤلؤة(6) من بلاد الروم ، والمأمون
مخ ۱۹
اذ ذاك هناك، دعا نجيفا أهل لؤلؤة للمناظرة ، على أن يصعد في عشرة من أصحابه الى نصف صعد 1) الحصن ، وينزل القوم إليه النصف في عشرة ، فأجابهم عجيف الى ذلك ، فقيل له : إن القوم أرادوا بك سوعا ، فنزول أصحابهم إليهم أسرع من صعود أصحابك، فأبى وصعد إليهم . وقد كمنوا له في غار لهم مائة رجل . فلما أخذوا في المناظرة ، خرج عليهم الرجال فأخذوه وأصعدوه إلى الحصن . فاستأذنهم عجيف في غلامين صغيرين يحملان له طعاما ، فأذنواله . وعسكره مقيم على باب لؤلؤة ، وقد كتب إلى المأمون يخبره . وأمر الغلامين أن يحملا له سما كثيرا في دفعات ، حتى إذا اجتمع عنده ما أراد ، احتال لمصنعهم (2) الذى يقتاتونه من مطر إلى مطر ، فطرح الشم فى الماء ، وكتب إلى المأمون يعلمه ما صنع . فأقبل المأمون حتى أناخ بعسكره على لؤلؤة ، وشرب أهاها الماء ، فتهافتوا يموتون ، وسلموا لؤلؤة إلى المأمون .
وحكي (عن عجيف بن عنبسة) أنه قال : اتتهينا إلى مدينة ممتنعة على السلطان ، عليها سور محكم . فأقمنا أياما نحارب أهلها فلم نطقهم . فقلت لصاحب حيشنا : هل لك في رأى عندى ؟ قال : قل ، قلت : تهادن القوم على أن يدخل قوم من أصحابك يمتارون (3) ، وتأذن لي فأدخل ومعى ثلاثون رجلا ممي أختار من أهل العسكر كأنما نمتار ، فإذا قرب المساء أخذنا الباب ساعة وضاربنا عنه ، وزحفت بالعسكر فدخلت . فقال : إفعل . فاخترت من أهل العسكر ثلاثين
مخ ۲۰