فأي شيء يمكن أن يهز مني شعرة؟!
جلس في التحقيق، وعرف التهمة، وبعد أسئلة وأجوبة قال وكيل النيابة المحقق: أنت متهم بالتهرب من ضرائب تقدر بنصف مليون وخمسة وستين ألفا من الجنيهات؟
وأجاب في هدوء ثابت وكأنه يتحدث عن ملاليم: أنا أعمل في مبالغ كبيرة، وهذه أخطاء حسابية يمكن مراجعتها، وأنا مستعد أن أقدم أوراقي مع المحاسب إلى النيابة، وفي نفس الوقت أنا مستعد لأن أدفع المبلغ موضوع الخلاف جميعه للضرائب، فإن ثبتت التهمة فهو لها، وإن لم تثبت يخصم المبلغ مما قد يستحق للضرائب بعد ذلك.
وجد وكيل النيابة نفسه أمام حجة لا مناقشة لها وسأله: متى تدفع المبلغ؟ - الآن. - هل هو معك؟ - في بيتي. - تذهب في الحراسة وتأتي به؟ - فورا.
وأفرج عن صفوت وعاد في اليوم التالي إلى مكتبه، وبعد الظهر كان يقيم الحفل لصفوت الحفيد. أدرك أن متولي وراء كل هذا، فقال لياسر في الحفل: حين ينتهي الحفل ابق، أنا أريدك. - أمرك.
وخلت بهما الغرفة. - أتعرف من وراء هذا جميعه؟ - أنا لم أر متولي في مكانه اليوم بالمكتب حين زرتك، ولم يأت إلى الحفل. - لا يخشى عليك. هو متولي أصله في هذه الأيام محتاج لمبلغ كبير وكان يخشى أن يطلبه مني لضخامته. - كم؟ - حوالي مائة ألف. - كم؟! - يريد أن يزوج ابنه حسان ويفتح له صيدلية يعمل بها هو وزوجته التي تزوجها من الكلية. - وهل كنت ستعطي له هذا المبلغ لو طلبه؟! - طبعا المال كله مستحيل، ولكنني كنت سأعاونه بمبلغ وأشتري له الشقة بسلفة من البنك بضمان الشقة وضمانتي. - ولماذا لم تقل له هذا قبل أن يتصرف هذا التصرف؟ - أولا: أنا أردت أن أعرف كيف سيتصرف، فمثلي إن لم يكن واثقا من الذين يعملون معه يتعرض لخطورة فظيعة. وثانيا: المبلغ الذي دفعته اليوم للضرائب كنت أنوي أن أدفعه؛ لأن المحاسب الذي يعمل معي لم يكن مطمئنا للمستندات المقدمة في هذه العملية، وقلت له: سيكون المبلغ جاهزا وفي اللحظة التي ستخطرني فيها أن أدفعه سأدفعه. وهكذا ترى أنني لم أخسر شيئا. المبلغ حق الضرائب فعلا، ولم أكن أستطيع أن أخفي أمره. كسبت أنني عرفت متولي. - وماذا أنت صانع به؟ - لي وسائل كثيرة. إن حماك لا تتوقف صلاته برجال الأعمال. بل إن له صلات قوية بجماعات أخرى تقوم حياتها على وسائل لا تتصورها. - بالطبع الأسرار التي عند متولي. - تودي في ستين داهية. يعرف أموالي في الخارج ويعرف كل العمليات الأخرى التي لم أدفع ضرائبها. - فلماذا لا تحاول أن ترضيه؟ - وهذا ما أردتك له. يا أخي ما الذي يعجبك في المدعوق البنك الذي تعمل به؟ أنا تارك سوسن هناك لتلعب وتشغل نفسها. إنما أنت لماذا لا تتركه وتعمل معي؟ - ولماذا لا أعمل معك دون أن أتركه؟ أنت تأتي إلى المكتب في الصباح وأنا آتي بعد الظهر. وتكون أسرارك في يدي أنا يعني في يدك أنت، ولا يتحكم فينا كلب مثل متولي هذا. - أنا في عرضك. - توكل على الله. - والآن كيف ستعثر على متولي؟ - في بيته. - وهل تتصور أن يكون في بيته؟ - أين إذن؟ - تأخذ حسنين السائق وسيقودك إلى بيته في السنبلاوين. قطعا هو مختبئ هناك. - متى؟ - الآن. - الآن يظن أننا خائفون، وأنك مقبوض عليك. ألا ترى أن نؤجل الأمر للصباح؟ - الآن أفضل، فهو سيعرف أنه تم الإفراج عني قطعا. فلا شك أن له أعوانا في المكتب أبلغوه. وقد يترك السنبلاوين في الفجر إن لم يكن تركها الليلة. - وأين تظنه ذهب؟ - إلى بيته بالإسكندرية وحسنين يعرفه. - وماذا تريد أن تقول له؟ - ما رأيك أنت؟ - نقول له كل طلباته مجابة. - أولا: هو لن يصدق، ثانيا: لن يكتفي. - إذن فماذا نقول له؟ - قل له ... •••
وجده في السنبلاوين واختلى به: لماذا لم تقل لصفوت بك ما تريده؟ - أبعد هذا العمر كله أتصور أن صفوت بك أطلب منه مبلغا كهذا يعطيه لي في هات وخد؟ - وهل ما تفعله أنت يصح بعد العمر الذي تتكلم عنه؟ - هو يعرف كل شيء عن الموقف الذي أنا فيه. لماذا لم يفتح معي الموضوع؟ إنه أراد أن يذلني ويمرغني تحت رجليه. - لعله اعتقد أن عندك الوسائل لمواجهة هذا الموقف. - إنه يعرف كم كوبا من الماء أشربه في اليوم، فكيف لا يعرف أنه ليس أمامي أي وسيلة؟! لن أنسى له موقفه هذا أبدا. - وتكون النتيجة أن تخون العمر. - لا خيانة ولا يحزنون. المسألة أنني قدمت له عمري، فلا أقل من أن يقف إلى جانبي لأقيم حياة ابني، ولا ينتهز الفرصة ليعتصر كرامتي أمام ابني الشخص الوحيد الذي أريد أن أظل أمامه ذا كرامة. - وإذا وافق؟ - إذن فيا دار ما دخلك شر. - هو موافق. - نعم ولكن هناك شروط. - ما هي؟ - أنا أعرف صلات صفوت بك بالمجرمين والقتلة، أوافق أنا من هنا وآخذ المبلغ ويقتلني حتى يستولي على الأوراق الأخرى التي عندي. - ماذا تقول؟ - ما سمعت يا ياسر بك. ولهذا أنا أبلغك أنني أمنت نفسي. - أمنت نفسك! - ألم يقل لك أخوك وجدان بك إني كلمته؟ - وجدان! وما دخل وجدان في هذا؟ - أنا تظاهرت أنني أريده أن يتدخل في الموضوع ويكلمك، وأنا أعرف أنه رجل شريف وأنه لن يصنع شيئا من هذا، ولكني أردت من هذا الرجل الشريف أن يكون على علم بكل شيء، حتى إذا حدث لي حادث وضربتني سيارة أو وقعت من فوق عمارة يكون وجدان بك أبو الفضل وكيل النيابة على علم بكل شيء، وهو في هذه الحالة لن يهمه إلا الحق، ولن يفكر لا في نسب ولا في خلافه. بل أنا متأكد الآن أنه أبلغ الأمر للنيابة. - يا نهارك أسود. - لا تغضب هكذا يا ياسر بك، أنت لا تعرف ماذا صنع نسيبك في حياته لكي يكون هذه الثروة. ضرب السيارات والرمي من أعلى العمارات أشياء ليست جديدة عليه. - هل أنت جاد؟ - وهناك أشياء أخرى سأقولها لك في وقتها. - متى وقتها؟ - أنا أعرفه. أنا صاحي جدا يا ياسر بك. اطمئن لي تكسب. تكسب مني أكثر مما تكسب من نسيبك. - ما هذا الكلام يا متولي؟ - اسمع كلامي. المهم، نتكلم في الشروط. - قل. - عقد عمل بيني وبينه بنفس المرتب لا يزيد إلا مائة جنيه في الشهر. - بسيطة. - تقول له كل ما قلته لك وتزيد عليه أن المستندات عنده في المكتب. إنما صورها عندي. - طبعا. - تخبره أنني أبلغت وجدان بك. وإذا وصل إلي المبلغ غدا فسأكلم وجدان بك وأكذب نفسي في كل ما قلته. وأريدك أنت أن تكون الواسطة بيني وبين صفوت حتى تنتهي هذه الحكاية. - هل ستبقى هنا؟ - لا، تجدني بكره في بيتي بعد الظهر.
صفوت الذي لم يهتز ولم تنخلع له إصبع وهو يدفع للضرائب نصف مليون وخمسة وستين ألفا من الجنيهات انقلب أمام ياسر إلى وحش كاسر حبيس في الحديد. - يريد أن يذلني الولد متولي. ولا مليم، والله العظيم ثلاثة ولا مليم.
وتركه ياسر ليهدأ وراح يحدثه عن أشياء بعيدة كل البعد عما هما فيه، وصفوت مدرك ما يحاول ياسر أن يقوم به من تهدئته حتى إذا رأى أن الوقت أصبح مناسبا ضحك في وجه ياسر وهو يقول: أصدقت ثورتي؟
وفزع ياسر منتفضا عن الكرسي وهو يصيح: ماذا؟ - هذا شغل. - شغل. - يا بني الذي يثور لا يكون الثروة التي كونتها. تعلم أن هذه الثورات نصنعها عندما يحتاج إليها العمل. إنما نحن في داخلنا لا نثور أبدا. وإذا حاولت نفوسنا الثورة زجرناها في عنف، فلا تظهر ثورتها وتستكين رغم أنفها. - وما لزومها وليس في الغرفة إلا أنا وأنت؟! - هكذا أريد أن تنقلها إلى متولي. - ولكن ألا تخاف من متولي؟ - بل أنا مرعوب منه، ولكنه إذا عرف هذا رحت أنا في أكبر مصيبة. - وماذا تريد أن يعرف؟ - أنني ثائر ورافض، وأنك تحاول أن تهدئني. وتقدم له اليوم جزءا من المبلغ، وبعد أسبوعين أو شهر نعطيه جزءا آخر بحيث يعرف أنه هو المحتاج إلينا ولسنا نحن المحتاجين إليه . ولا تذهب إليه فورا بل انتظر بضعة أيام. •••
ناپیژندل شوی مخ