وتم الزواج، وأنجب صفوت من حنان سوسن عام 56، وتخرجت سوسن عام 1976 في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية.
وبين مولدها وتخرجها كان أبوها أصبح يملك ما يزيد عن العشرين مليونا من الجنيهات، فإنه ما إن رأى بوادر الخير تهب على السوق حتى عمل في استيراد السيارات وتصدير الأحذية. وراحت ثروته تتضاعف بصورة سرطانية في جنون، فكل الأموال التي كانت حبيسة مثل أمواله في خزائن الظلام عرفت طريقها إلى الحياة، وانفجرت الثروات وفجرت في وقت معا. وعلماء الاقتصاد يقولون: الجنيه في الخزنة ورقة، ولكنه في السوق حياة. وهكذا دبت الحياة في الورق بصورة وحشية. وأصبحت الألوف من الجنيهات لا يملكها إلا الفقراء المساكين الذين يحاولون بها في جهد مستميت أن يعيشوا مستورين.
وهكذا كان من الطبيعي أن تصبح سوسن صفوت المعلاوي زميلة لياسر عزام أبو الفضل في البنك البريطاني الدولي، يحرسها في وظيفتها ويمكن أقدامها في البنك ثلاثة ملايين من الجنيهات الإسترلينية مودعة باسم أبيها في خزائن البنك. وهي من بعد ومن قبل موظفة لتشغل فراغها، فالصباح بالنسبة إليها فارغ، وهي تحب أن تشغله بشيء. وما دامت ابنة صفوت بك تريد أن تشغل فراغها، فلا بد أن يكون ما يشغل فراغها أمرا يتفق وكرامة صفوت بك المالية. وليس أقل من البنك البريطاني الدولي.
الفصل السابع
سأله وجدان: أهي جميلة؟ - في نظري. - وفي المقاييس العامة؟ - مقبولة. - ولماذا لا تتزوج من جميلة؟ - جميلة وعشرون مليونا في وقت واحد ؟ أنا لست طماعا إلى هذا الحد. - وما شأنك أنت بهذه الملايين. إنها ملك أبيها، أليس كذلك؟ - سترى حين أتزوجها أنه لا يملك منها شيئا. - ألم تفكر في جمعها؟ - إذا لم يكن جمعها عن طريق شريف فهذا شأنك أنت بصفتك وكيل نيابة وليس من شأني. - قد يكون الطريق غير شريف والأدلة على الجريمة غير موجودة. - إذن فهو ذكي أذكى من القوانين العاجزة. - وهو أيضا بلا ضمير. - مسألة الضمير هذه من اختصاص الله وحده سبحانه وتعالى. - ونحن. - لنا ما نراه. - فأنت مطمئن. - أنا أعطي لكل ذي حق حقه. هو صاحب عشرين مليون جنيه، فهو عبقري، هو غير شريف هذا من شأن القانون. هو استطاع أن يتغلب على القانون هو ذكي. ضميره أمر لا يعلمه إلا الله. أهذا منطق فيه شك؟ - إذن فغير الشريف الذي يسرق ويهرب من القانون شريف عندك؟ - حتى يصدر ضده حكم. - وهل ستعيش على حساب زوجتك؟ - وأي بأس في ذلك؟ - ألا ترى في ذلك بأسا؟ - لقد عشنا أنا وأنت على حساب أبينا، أليس كذلك؟ - أترى إنفاق الزوجة على زوجها مثل إنفاق الأب على ابنه؟! - ألا يربطني بها رباط شرعي؟ - هذا الرباط الشرعي يحتم عليك أن تنفق أنت عليها لا أن تنفق هي عليك. - لا فرق. - هذا رأيك؟ - واضح أنه رأيي، وإلا ما قلته. •••
وسأله أبوه: هل تحبها؟ - الحب يأتي بعد الزواج. - وإذا لم يأت؟ - سأجعله يأتي غصبا عنه. - نعم أعرف. وهل تحبك؟ - لم أسألها. - وكيف ستتزوجها؟ - ستطلبها لي سعادتك. - وإن سألها أبوها ورفضت؟ - عرفت أصل أبيها وجدها. إنها أسرة يهمها كل الأهمية أن تناسب مستشارا. - أنا أعد نفسي للمعاش. - هذا لا يهم في شيء، المهم اللقب. - إن كان هذا صحيحا بالنسبة لأبيها وأسرتها، فماذا يكون موقفك إذا لم يكن هذا رأيها؟ - تقصد ...؟ - نعم أقصد أن تكون مرتبطة عاطفيا بشاب تعرفه قبلك مثلا. - مستحيل. - تبدو واثقا! - لو كان كذلك ما قبلت تقربي منها وتلميحي لها. - لقد أعددت لكل شيء عدته؟ - أعتقد ذلك. - أنا لست مرتاحا لهذا الزواج. - ولكن هل تمانع فيه؟ - هل سألتك والدتك؟
وقالت مجيدة: لو كان وجدان هو الذي يطلب هذا الزواج ما ترددت في قبوله. أما أنت ... - ما الفرق؟ - الفرق بعيد. - مثل ماذا؟ - أنت الموازين عندك كلها فلوس. - وهل في هذا عيب؟ - عيب كبير. - أي عيب في هذا؟ - الفلوس خائنة. - والقلوب خائنة. - ولكن الشرف لا يخون والضمير لا يخون. حين أراد وجدان الزواج تزوج فتاة مستورة، ولكن كان واثقا من كل شيء حولها. - ومن قال لك إنني لست واثقا من كل شيء حول سوسن؟ - أنت سألت عن مالها وعن الطريقة التي توصلك إليها ولم تسأل عن شيء آخر.
وذهل ياسر لحظات هو يقول دون وعي: كيف عرفت؟ - أنت ابني. إذا لم أعرفك أنا، فمن يعرفك؟! - إذن فأنت لا توافقين على الزواج؟ - وهذا أيضا لا أستطيع أن أقوله، فأنا لا أعرف عن البنت شيئا يسيء إليها إلا أن ثروة أبيها غير طبيعية، وإن رأى غيري هذا حسنة فأنا أراها شيئا يثير الخوف، ولكنه على كل حال لا يصلح سببا للرفض. - إذن. - نتوكل على الله.
وصح كل ما توقعه ياسر. سعدت سوسن بالزواج من ياسر، فهو جميل الطلعة ممشوق القوام، وهو ابن سعادة المستشار. وما دامت هي تفتخر بأنه ابن المستشار ففخر أبيها وأمها أكبر وأعظم. فالمال موفور، وما كانت الأسرة في حاجة إلا إلى نسب مرموق يرتفع به مكانها في المجتمع، وتم لها ما أرادت.
دفع ياسر المهر خمسة آلاف جنيه، فإذا بهذه الآلاف الخمسة تصنع المعجزات؛ شقة ثمنها مائة وعشرون ألف جنيه ملك أبيها وخصصت لهما، وفرش وديكور يفوق المائة ألف جنيه بآلاف أخرى لا تستحق أن تذكر في زحام هذه المبالغ الفلكية.
ناپیژندل شوی مخ