ثم أصدر السادات القرار. ثم جاءت الأوامر بالحرب، ثم صدق الله عباده أبناء مصر وعده، وتم العبور من تاريخ إلى تاريخ ومن زمن إلى زمن ومن هوان إلى كرامة. ودوت «الله أكبر» بالنصر لتظل طنينا عاليا في أسماع الحاضر والمستقبل، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها. •••
كان عزام في أثناء الحرب ملهوفا لهفة أب يحب ابنه ويعجب به ويعتبره وأخاه أمله الوحيد الذي يعيش له. وكان في الوقت نفسه فخورا أنه يشارك في هذه الحرب التي بدأت تباشيرها بعلامات الانتصار.
أما مجيدة فكانت بين الأمهات عجبا. كان الذعر يفتت نفسها. وكان الرعب يسد عليها أقطار الحياة، وكان قلبها لهفة ولحظات أيامها قلقا مبيدا آخذا. إنها الأم. ولكنها بكل قوة المرأة وبكل ثقافة العلم وبكل عزم مصر لا تبدي لزوجها إلا الثبات والإشراق والأمل والرضاء بحكم الله، مرحبة بما يأتي به. وعند ثباتها يجد عزام المرفأ، ويخفي وقد كان عاجزا أن يخفي، ويتماسك وقد كان أضعف من أن يتماسك لولا زوجته مجيدة.
أما ياسر فقط كان مذعورا لا يخفي ذعره. وكلما شهد ثبات أمه وقناع الصلابة على كيان أبيه عجب من أمرهما. أتراهما لا يحباننا؟! أترانا وأخي عندهما عبئا يسرهما أن ينزاح نصفه؟! ولكن إنهما فيما نرى منهما هما الحب والإشفاق والإيثار والتضحية في سبيلنا وتكليف النفس بما لا تطيق في سبيل ابتسامة مني أو من أخي.
وغاب عن ياسر أن الإيمان في نفس أمه وأبيه يفعل من العجائب التي يحسبها أمثاله ممن يحسبون الحياة أرقاما ما لا يستطيع هو أن يفهم وما يستحيل عليه أن يصل إلى أسراره.
الفصل الرابع
عمل وجدان في مكتب الأستاذ إسماعيل العدوي، وهو مكتب من أكبر مكاتب المحاماة. فما كاد ينهي خدمته العسكرية حتى راح يعمل في المكتب، وكان أبوه متفقا مع الأستاذ إسماعيل من قبل أن يقضي وجدان فترة التمرين عنده.
وبدأ وجدان يكتب المذكرات، وبدأ يتذكر القانون شيئا فشيئا. فسنتان في الميدان كفيلتان بأن تجعلاه ينسى الكثير. ولولا أنه كان يصحب معه بعض كتب القانون لكان قد نسي أنه تخرج في كلية الحقوق.
وممارسة المحاماة أمر مختلف كل الاختلاف عن الدراسة النظرية التي يتلقاها الطالب في الكلية. ولكن فضل الكلية يتضح في أن المحامي تحت التمرين ما يلبث في بضعة شهور أن يلم بأسرار العمل ويتقن مبادئ العمل في المحاكم. وقد قصد إسماعيل العدوي أن يجعل وجدان يكتب المذكرات حتى يخفف عنه رهبة لقاء المحكمة. فهي رهبة يعرف كل من عمل بالمحاماة مداها.
لاحظ وجدان أن بعض المذكرات التي يطلب إليه أن يكتبها لا تتفق دائما مع الحق. ووجد نفسه في صراع. وكان في كل مرة ينشب في نفسه هذا الصراع يقصد إلى الأستاذ إسماعيل ويناقشه في القضية. ولم يكن إسماعيل يجشمه عناء المناقشة، وإنما كان في كل بساطة يقول له: اترك لي هذه القضية وخذ هذه.
ناپیژندل شوی مخ