لغز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرونه
فكما أن «آ»، وفق المنطق الأسطوري، يمكن أن تكون «ب» أو «ج» في الوقت نفسه، طالما أن الجميع يعكسون مبدأ واحدا، كذلك هي عشتار الآن. إنها تتجلى في القمر الذي يهبط من الأعلى العظيم على درجات ومراحل إلى الأسفل العظيم، القمر الذي يحمل توقا دائما كلما توسط السماء بكامل حلله وزينته، إلى الانحدار عنها والنزول إلى عالم الظلمات، نازعا عنه زينته قطعة قطعة حتى يغيب تماما في اليوم الأول ويظهر في اليوم الثالث. وهو في هبوطه هذا، لا يموت كما يموت الأحياء، وإنما يغادر العالم الأعلى كسيد له، ليلبث أياما في العالم الأسفل سيدا له أيضا. فعشتار الأولى كانت سيدة للسموات والعالم النوراني، وسيدة لعالم الموت وظلمات العالم الأسفل. في أسطورة العصر الحجري، لا تهبط إنانا لتموت في العالم الأسفل ثلاثة أيام، بل لتمارس دورا إلهيا آخر، دور ربة الموت. وفي أسطورة العصر الحجري لا وجود لأختها إريشكيجال؛ لأنها هي بالذات إريشكيجال، الوجه الآخر المعتم للقمر. في طورها الأعلى هي إنانا، وفي طورها الأسفل اسمها إريشكيجال. تهبط وتصعد دون معرفة من إله آخر، وفق حركة طبيعية تلقائية لا تحكم لأحد فيها من خارجها.
لعل أسطورة هبوط عشتار هي أول أسطورة منظمة صاغها خيال الإنسان؛ إلا أن شكلها الأخير الذي دونه قلم الكاتب السومري على الفخار، ليس إلا نتاجا لتطور طويل، يعكس لنا بحق تاريخ الأسطورة وتبدلاتها عبر مراحل تطور المجتمعات الإنسانية. في شكلها الأخير، حافظت الأسطورة على هيكلها الأمومي العام رغم تداخل العناصر الذكرية اللاحقة، ورغم تقطيع أوصال الأم الكبرى وتشظي صورتها الأولى. ولنعد إلى النص من جديد، محاولين فهمه على ضوء ما تقدم.
لا يقدم النص سببا لهبوط عشتار إلى العالم الأسفل؛ لأن هبوطها هو جزء من قانون طبيعي، ولأنها سيدة العالمين تترك الواحد لتنتقل إلى الآخر. وقد كان عباد عشتار وكهنتها ممن حافظوا على أسرارها تحت طغيان الديانات الذكرية يعرفون المعاني الخفية الكامنة وراء زخرف النص، وشكله الخارجي ذي الصيغة الذكرية الواضحة. قبل أن تهبط عشتار لبست ووضعت زينتها:
شدت إلى وسطها ألواح الأقدار السبعة،
وعلى رأسها وضعت تاج السهول،
فمن محياها يشع الألق والبهاء،
بيدها قبضت على الصولجان اللازوردي،
وجيدها قد زينت بعقد أحجار كريمة،
وعلى صدرها ثبتت جواهر متلألئة،
وكفها قد رصعت بخاتم ذهبي،
ناپیژندل شوی مخ