لغز عشتار
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
ژانرونه
إن شارة الإلهة «نيت» المؤلفة من سهمين متصالبين مرسومين على جلد أو درع، هي ذاتها شارة قبائل الدلتا النيوليتية. ونجد أن اسمها قد تسمت به أميرتان من الأسرة الأولى عند بداية التاريخ المصري. كانت نيت أم الآلهة، وبالذات أم كبيرهم «رع» الذي أنجبته قبل أن يكون للولادة وجود. وهي البقرة السماوية التي أنجبت السماء كأول مظهر من مظاهر الكون. وهي التي نسجت فيما بعد مادة العالم بمغزلها. وهي صاحبة القول الذي سقناه في الفصل الأول: «أنا ما كان وما هو كائن وما سوف يكون، وما من أحد بقادر أن يرفع عني برقعي.» هذا وتختلط هذه الإلهة بالإلهة إيزيس في الطقوس الأوزيرية.
32
أما الإلهة نوت فلم تلعب دورا في الدين والطقس، بل بقيت إلهة - مرحلة. فهي قبة السماء المحدبة التي يتقوس ظهرها فوق الأرض «جيب» المستلقي تحتها، وهي البقرة السماوية التي أنجبت الشمس التي تشرق من حضنها وإلى حضنها تعود عند المغيب، أما بطنها فسقف الكون الذي تزينه النجوم والكواكب. وبينما تأخذ نوت ونيت خصائص الأم الكونية البدئية، تأخذ إيزيس وهاتور وسيخمت خصائصها الطبيعية الدينامية. وهؤلاء الإلهات الثلاث لسن في حقيقة الأمر إلا واحدة، كما سيجري تبيان ذلك في مواضع قادمة من هذا المؤلف.
فإذا انتقلنا من الشرق الأدنى القديم نحو الغرب، عثرنا في جزيرة كريت على ظاهرة فريدة في تاريخ الديانات القديمة؛ فكريت قد عرفت أول ثورة نيوليتية في أوروبا، وتمت فيها أيضا أول ثورة مدينية هناك؛ وذلك بتأثير الهجرات الأولى النيوليتية من البر السوري والأناضولي، وبتأثير الاحتكاك المباشر الدائم الذي استمر بين الجهتين،
33
إلا أن هذه الحضارة لم تعرف طيلة تاريخها سوى عبادة الأم الكبرى وابنها، وذلك حتى نهايتها على يد البرابرة الإغريق الذين دمروا حضارتها العظيمة حوالي عام 1400ق.م. ويبدو أن نهاية كريت المفاجئة قد تمت قبل أن يتمكن المجتمع الذكري فيها من تحقيق انتصاره الكامل، رغم اكتمال ثورتها المدينية، وإحاطتها من كل جانب بالمجتمعات ذات الثقافة الأبوية. لهذا حفظت الأم الكريتية خصائص الإلهة الكبرى للعصر النيوليتي من خلق وخصب.
بسبب المصاعب التي ما زالت قائمة في قراءة اللغة الكريتية القديمة، وندرة النصوص الأسطورية التي تعود إلى ما قبل فترة دمار الحضارة الكريتية، فإن الاسم الحقيقي للأم الكريتية الكبرى ما زال غير مؤكد، إلا أن النصوص اليونانية تشير إليها باسم «رحيا». كانت رحيا الأم الكونية التي تجتمع عندها كل خصائص الألوهية في تركيب واحد، ويمتد سلطانها فوق كل مظاهر الوجود. فإضافة إلى كونها والدة الكون المتحكمة بأفلاكه ومدرات كواكبه، فإنها سيدة خصب الطبيعة وتكاثر الحيوان والإنسان، وربة الفصول المتعاقبة. كما أنها تحكم مملكة الأموات والعالم الأسفل. وإلى جانبها ظهر فيما بعد ابنها الذي أطلق عليه اليونان اسم «زيوس»، والذي يبدو أحيانا في هيئة بشرية، وأحيانا أخرى في هيئة الثور.
34
وسوف نرى فيما بعد أن ابن الأم الكبرى كان يتخذ منذ العصور النيوليتية في الشرق الأدنى هيئة الثور، ابن البقرة السماوية.
من الأعمال الفنية الجميلة التي تمثل الأم الكريتية، الرسم الموضح في الشكل
ناپیژندل شوی مخ