ويقولون: والأعجب من ذلك أن الأمر كذا وكذا وهذا أخي الأكبر مني. ومن هذا قول السيوطي في المقامة الوردية: والأشرف من كل ريحان فخرا. والمقرر في كتب النحاة أن إلى ومن لا تجتمعان مع أفعل التفضيل؛ فالصواب أن تحذف إحداهما، فيقال: والأعجب أن الأمر كذا، أو وأعجب من ذلك أن الأمر كذا، وهذا أخي الأكبر أو أخي الذي هو أكبر مني، وقس على ذلك.
ويقولون: رجل ثوروي على مثال فوضوي؛ أي: من أصحاب الثورة، وهم الثورويون. ولا وجه لزيادة هذه الواو قبل ياء النسبة، وكأنهم يتجافون عن أن يقولوا ثوري لئلا يلتبس بالمنسوب إلى الثور، على أن الثور لو فطنوا مشتق من الثوران؛ لأنه يثور أو لأنه يثير الأرض؛ فالشركة حاصلة على كل حال.
ويقولون: ارتكب في هذا الأمر جنحة بالضم؛ أي: ذنبا يسيرا. وقد جنحه تجنيحا: إذا نسب إليه الجنحة. وكلاهما لم يرد في اللغة، إنما جاء الجناح بالضم بمعنى الذنب، وكأن الجنحة محرفة عنه.
ويقولون: هم خصماء فلان، يريدون جمع خصم، وإنما الخصماء جمع خصيم، وهو الشديد الخصومة، والصواب خصوم.
ويقولون: أجر المنزل تأجيرا؛ أي: اكتراه، وهو عكس المعنى؛ لأن التأجير يكون من المالك؛ تقول: أجرته المنزل فاستأجره.
ويقولون: صادق المجلس على كذا، يعنون أقره ووافق عليه ، وإنما يقال: صادقته من الصداقة. وقد يكون بمعنى صدقته (بالتخفيف) وصدقني خلاف كاذبته. ومنهم من يقول: صدق عليه تصديقا، والتصديق في اللغة خلاف التكذيب؛ فكلاهما غير الصواب.
ويقولون: صرح له أن يفعل كذا، بمعنى أذن له وأطلق له أن يفعل، ولم يأت صرح في شيء من هذا المعنى.
ويقولون: أشر على الصك تأشيرا؛ أي: رسم عليه علامة تفيد التوقيع؛ أخذوه من الإشارة على توهم أصالة الهمزة في أولها، وهو من كلام العامة، على أن الإشارة لا تفيد ما يريدونه من ذلك، والصواب أن يقال: وقع على الصك أو أعلم عليه إذا لم يرد صريح التوقيع.
وهناك ألفاظ وصيغ غريبة انفرد بها بعض كتابنا منها عن زيادة تأنق ومغالاة في طلب الإغراب، فيخبطون في استعمال ألفاظ اللغة إلى ما يخرجها عن وضعها ويكسوها ثوبا من القلق والإبهام، ومنها عن قلة في المادة وجهل بمفردات اللغة ووجوه استعالها، فيأتي بها الكلام في منتهى الركاكة والسقم. والأمثلة من الطرفين كثيرة نجتزئ بإيراد بعضها عبرة للمنتقد وتنبيها للمقلد.
فمن أمثلة الأولى قول القائل: «إن تلك السجون كانت منبت الأوباء ومبترك الأمراض.» ولفظ المبترك كما تراه غريب في هذا الموضع لا يكاد يستخرج له معنى إلا بعد إطالة البحث، وتقليب النظر فيما يوافقه من التفسير اللغوي. ولعل أقرب ما يؤول به أن يجعل من قولهم: ابترك السحاب إذا ألح بالمطر. فكأن المعنى: أن الأمراض تلح فيها على المسجونين. ولا يخفى ما في هذا التفسير من التكلف والبعد، فضلا عن إيراد مثل هذه اللفظة في جريدة يقرؤها التاجر والصانع والفلاح. فما ضره لو قال: ومستقر الأمراض أو مستوطن الأمراض، وكفى نفسه وقراءه هذا العنت الوبيل.
ناپیژندل شوی مخ