غير أن المفاجأة التي كانت تنتظره، أنه لم يفاجأ بجديد. فما أن فتح الباب حتى طالعة صراخ الأولاد، وحتى طالعته روحية نفسها واقفة في وسط الصالة ، وشعرها واقف أيضا، وهي تحاول أن تضرب ابنه الأصغر، والولد يصرخ، وهي تصرخ والجدران تتهاوى وتستغيث، والأبواب تتخبط، ورائحة القلي والطبيخ يتعلقون برجليه ويتعثر في أرجلهم، وألف مشكلة وكارثة ومطالبة لا بد تنتظره.
إنها خانقة، تلك الحياة، وتلك الزوجة.
ألا تعرف ما هو اليوم؟
أجل، اليوم، اليوم يوم عشرة واللبان لم يأخذ نقوده، وبائع الثلج والأولاد جننوني، ولا شيء آخر؟ لا شيء إلا الهم والغم والدروس التي يجب أن تأخذها بنتك قبل الامتحان لتنجح. إنه يكرهها. إنها لم تعد امرأة يشتهيها، ولا حتى صديقة يأنس إليها. ما الذي يربطه بها وكل ما بينهما حرب مستعرة مستمرة، وخلاف يتجدد في كل ثانية. كل يوم يفكر عشر مرات في طلاقها أو الانتحار، وكل يوم لا يطلقها ولا ينتحر، وكل يوم يفكر في حياة جديدة وزواج جديد، وكل يوم لا ينفذ حرفا واحدا من القرارات الحازمة الباترة التي اتخذها! كل يوم يفكر حتى في خيانتها، وكل يوم لا يخونها. ما الذي يربطه بها، حتى الأولاد، إنه يكرههم من أجلها ويكرهها أكثر من أجلهم، ومع هذا لا يتركهم جميعا و«يهج»، ولا يتركونه، ما الذي يبقي هذه العائلة السخيفة متماسكة، وكل ما فيها يتنافر مع كل ما فيها. الخلاف البسيط يؤدي إلى نقار، والنقار إلى شجار، ثم يتطور الأمر ويغادر المنزل غاضبا، وحين يصل السلالم تخرج منه الزوجة، وتقطع الشجار وتقول: إياك تنسى تشتري البزازة؟
ويخرج وهو مصمم على ألا يعود ولا أن يشتري البزازة. ولكنه ما إن يلمح أجزخانة حتى يتوقف، ثم يتصور خيبة أملها حين يعود بلا بزازة؛ فيدخل ويشتريها.
لماذا يشتريها؟ ولماذا - وكل ما بينهما حرب - يراعي شعورها، وتراعي - أحيانا - شعوره؟ ما كنه تلك العلاقة الغريبة التي تجمعهما.
لماذا يستسلم لتلك الحياة، لماذا لا يبدأ حياة جديدة، لماذا لا يبدؤها فورا والآن؟
ولكنه لم يبدأ شيئا أبدا، فقد دخل كالعادة، وحل بعض المشكلات، وعقد بعضها، وتبودلت بضع زغرات وتلميحات وشتائم، وتغدى، وكالعادة نام، وحين استيقظ بعد الظهر؛ كان قد نسي كل شيء عن 10 مايو وعيد زواجه، وعشرة الجنيهات وكلماته المكتوبة فوقها بخط أنيق. •••
ومرت الأيام، وهو لا يحس بمرورها. فمن يوم أن تزوج لم يعد يحس بالزمن، وكأنما فقد ذاكرته، حتى إنه لا يذكر ماهية نفسه قبل الزواج، وكأنما وعى فوجد نفسه زوجا.
مرت الأيام وهو دائب الإحساس، أنه يذوب ويذوب، ويفقد ذاته ونفسه، حتى فوجئ ذات يوم بشيء استغرب له جدا.
ناپیژندل شوی مخ