والفصاحة هي امتناع اللبس كما تقدم، وهذه هي الخاصة النطقية التي تحققت في اللغة العربية لمخارج الأصوات كما تحققت للحروف.
فليس في اللغة العربية حرف يلتبس بين مخرجين، وليس في النطق العربي مخرج ينطبق فيه حرفان.
ليس في اللغة العربية حرف يستخدم مخرجين كحرف (بسي) في اللغة اليونانية، وهو مختلط من الباء الثقيلة والسين.
وليس فيها حرف يستخدم مخرجين كحرف (تشي) في تلك اللغة (X) ، وهو خليط من التاء والشين.
وليس فيها حرف يعبر عنه بحرفين كالذال أو الثاء اللذين يكتبان بما يقابل عندنا التاء والهاء (th) ، ويتغير النطق بهما في مختلف الكلمات.
ولا تزدحم أصوات الحروف في اللغة العربية على مخرج واحد، كما تزدحم الفاء والڨاء الثقيلة والباء والباء الثقيلة (P, b - F, v)
مع ترك مخارج الحلق مهملة، وهي تتسع من أقصى الحلق إلى أدناه لسبعة حروف هي الهمزة والهاء والألف والعين والحاء والغين والخاء، وهي مميزة في النطق والسمع بغير التباس، ولا ازدواج في الأداء.
ولا يلزم في اللغة العربية أن يكون لكل حرف مخرج مستقل في جهاز النطق، الذي يشترك فيه الحلق والحنك واللسان واللثة والشفتان، بل كل ما يلزم فيها أن يكون جوهر الحرف سليما في مجراه من الجهاز الصوتي، وفي موقعه من السمع، لحسن استخدام ذلك الجهاز، وحسن التمييز فيه بين الأصوات المتشابهة أو المتقاربة، فقد يتقارب الحرفان حتى يقع بينهما الإبدال على الألسنة مع اختلاف اللهجات ، ولكنه إبدال لا ينشأ من غموض الحرف والتباسه، بل يأتي من اختلاف السهولة والصعوبة مع وضوح الحرفين، فلا التباس بين الذال والدال، ولا بين الحاء والهاء ولا بين التاء والثاء، ولا بين حروف الإبدال على العموم، ولكن سبب الإبدال بينها أن حرفا منها أسهل من حرف في اللهجة السريعة أو اللهجة الدارجة، وجوهره مع ذلك مستقل واضح الاستقلال عند المقارنة بينها في السماع.
واللسان العربي المبين يتجنب اللبس في الحركات الأصلية، كما يتجنب اللبس في الحروف الساكنة، فلا لبس بين الفتح والضم والكسر والسكون، وإذا وقعت الإمالة بين حركتين لم تكن وجوبا قاطعا تثبته الحروف، بل كان قصاراه أنه نمط من أنماط النطق يشبه العادات الخاصة عند بعض الأفراد، أو بعض الجماعات في أداء الحركة وإشباعها أو قصرها، كيفما كان رسم الحرف في الكلام المكتوب، وكيفما كان جوهره المميز في الكلام المسموع. •••
فإذا قال قائل: إن فصاحة النطق مزية نادرة تمتاز بها اللغة العربية، فليست هي دعوة من دعاوى الفخر والأنانية، ولكنها حقيقة يقررها علم وظائف الأعضاء؛ لأن جهاز النطق في الإنسان وظيفة معروفة، ولا خفاء بالفرق بين تقسيماته التي تستوفي الأداء، وتميز الحروف والمخارج وبين تقسيماته التي تعطل بعض الأداء، ويعرض فيها اللبس والتلفيق لما تؤديه، فإن الحكم في ذلك كالحكم على كل أداة ناطقة، أو عازمة من أدوات الأنغام والأصوات. •••
ناپیژندل شوی مخ