وللفعل ملابسات شتى واقتصر الأصل عليه، وإن كان ما في معناه كاسم الفاعل كذلك لأنه الأصل، يلابس الفاعل لوقوعه منه، والمفعول به لوقوعه عليه، والمصدر لأنه جزء معناه، والزمان والمكان لوقوعه فيهما، والسبب لأنه يحصل به، فإسناده إلى الفاعل أو المفعول إذا كان مبنيا له حقيقة كما مر وإلى غيرهما: أي غير الفاعل في المبني للفاعل وغير المفعول به في المبني للمفعول الجامع بينهما، وهو ملابسة كل منهما للفعل مجازا كقولهم: عيشة راضية، فيما بني للفاعل وأسند للمفعول به إذ العيشة مرضية، وحقيقة الكلام رضي المرء عيشته ثم أسند الفعل إلى المفعول من غير أن يبنى له، فبقي رضيت العيشة، وهو معنى كونه مجازا، ثم سبك من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل وأسند إلى ضمير العيشة، فآل الأمر إلى أن صار المفعول فاعلا، ومنه مثال الكتاب، وهو ثوب لابس، والأصل لبس زيد ثوبا ثم اسند الفعل إلى المفعول في التقدير من غير أن يبنى له فصار لبس ثوب ثم سبك من الفعل اسم فاعل، وقيل ثوب لابس، وسيل مفعم فيما بني للمفعول وأسند إلى الفاعل، وحقيقة الكلام أفعم السيل الوادي: أي ملأه، فأسند الفعل إلى المفعول في التقدير من غير أن يبنى له، فصار الكلام هكذا: أفعم الوادي السيل، ثم حذف الفاعل وأقيم المفعول مقامه وبني الفعل له فصار: أفعم السيل، وهو معنى كونه مجازا نظرا إلى التركيب الأول، ثم سبك منه اسم مفعول، وقيل: سيل مفعم بفتح العين ، فأسند اسم المفعول إلى ضمير المفعول الذي كان في الأصل فاعلا، وجد جده في المصدر حقيقته جد الرجل في جده، فحذف الفاعل وأسند الفعل المبني له إلى المصدر مبالغة فصار جد جده مجازا، لأن الجاد هو صاحب الجد: أي من قام به الجد لا نفس الجد، ونهاره صائم في الزمان حقيقته صام المرء نهاره، أي في نهاره، ثم حذف الفاعل وأسند الفعل المبني له إلى الزمان فصار: صام نهاره، وهذا معنى كونه مجازا، ثم سبك من الفعل اسم فاعل وأخبر به عن النهار فقيل: نهاره صائم فإسناد الصوم إلى ضمير النهار مجاز، لأن الصائم هو الشخص، ونهر جار في المكان وحقيقته جرى ماء النهر، أي في النهر فحذف الفاعل وأسند فعله إلى المكان وقيل: جرى النهر، وهذا معنى كونه مجازا، ثم سبك من الفعل اسم فاعل، وأسند إلى ضمير النهر إسنادا مجازيا، لان الجاري الماء في النهر لا النهر، وبنى الأمير المدينة في السبب، وحقيقته: بنت الفعلة المدينة بسبب أمر الأمير، فحذف الفاعل وأسند فعله إلى الأمير فقيل: بنى الأمير المدينة، وهذا معنى كونه مجازا، والمجاز العقلي يجري أيضا في النسبة الإضافية نحو: أعجبني إنبات الربيع البقل، وفي الإيقاعية نحو ولا تطيعوا أمر المسرفين، فيكون معنى قوله أن يسند الخ مطلق النسبة إسنادية كانت أو إضافية أو إيقاعية، ولا يضرنا اقتصاره على التمثيل بالنسبة الإسنادية لإتيانه بالكاف التي لا تفيد الحصر.
مخ ۳۷