وجعلوا بلاغة الكلام = طباقه لمقتضى المقام أقول: بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته وأسقط المصنف هذا القيد لضيق النظم واحترز به عن نحو شعره مستشزر إذا ألقى إلى خالي الذهن ويقيد المطابقة عن نحو إن زيدا قائم إذا ألقي لخالي الذهن. والحال هو الأمر الداعي إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما وهي أي موصوفها مقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضي كلاما مؤكدا وهو كلي وهذا الكلي مقتضى الحال وإن زيدا قائم فرد من أفراد ذلك الكلي مطابق له بمعنى أنه مصدوق لذلك الكلي وفرد من أفراده وهذا عكس مطابقة الكلي لجزئياته إذ هي صدقه على كل واحد منها ولم يتكلم المصنف على البلاغة في المتكلم للعلم بها من الفصاحة فيه فهي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم مما ذكر في حد البلاغة أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح لجعل الفصاحة شرطا للبلاغة وليس كل فصيح بليغا كلاما كان أو متكلما لأن الفصيح قد يعرى عن المطابقة كما تقدم ولبلاغة الكلام طرفان أعلى وهو ما يقرب من حد الإعجاز هو أن يرتفع الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته وخص البشر لأنهم أقوى أصناف المخلوقين على ذلك فإذا عجزوا فغيرهم أولى أو لأنه لم يوجد معاند إلا منهم. وأسفل وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى ما دونه أي إلى مرتبة هي أدنى منه التحق وإن كان صحيح الإعراب عند البلغاء بأصوات الحيوانات. وبين الطرفين مراتب كثيرة بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الإعتبارات ويتبعها وجوه أخر غير المطابقة والفصاحة تورث الكلام حسنا وهي أنواع البديع قال:
وحافظ تأدية المعاني = عن خطأ يعرف بالمعاني
وما من التعقيد في المعنى يقي = له البيان عندهم قد انتقي
مخ ۲۲