الجزء الأول
[مقدمات]
[غلاف الكتاب]
- قررت إدارة الجامع الأزهر تدريس هذا الكتاب لطلاب السنة الثانية الابتدائية بالأزهر والمعاهد الدينية.
اللباب في شرح الكتاب
تأليف
الشيخ عبد الغني الغنيمي، الدمشقي، الميداني، الحنفي
أحد علماء القرن الثالث عشر
على المختصر المشتهر باسم "الكتاب" الذي صنفه الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد، القدوري، البغدادي، الحنفي. المولود في عام ٣٦٢، والمتوفى في عام ٤٢٨ من الهجرة.
حققه، وضبطه، وعلق حواشيه
محمود أمين النواوي
المفتش بالأزهر
ناپیژندل شوی مخ
الجزء الأول [من مجموع أربعة أجزاء]
- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
التقدمة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم﴾ وحسبك بها آية على منزلة الفقه ومجادة الموفقين لدراسته والصلاة والسلام على رسوله القائل: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" وحسبك به دليلًا حافزًا على تلقي الفقه والمسارعة إلى تحصيل مباحثه، ولا غرو فإن كل متدين لا غنى به عن معرفة الحلال والحرام حتى يصح دينه وكل متعبد لا بد له من تصحيح عبادته حتى تسلم من الفساد وتحف بالرضوانن والقبول عند الله ولا عذر بالجهل في دار الإسلام فمن ثم كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وإذا كان الله تعالى يقول في كتابه: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارًا﴾ فإن معناه كما قال حبر الأمة علموهم وفقهوهم. فإذا كان ذلك فمن لم يعلم الحلال والحرام فهو على شفا حفرة من النار. وعند الله العافية.
ولما كان كتاب (القدوري) من أجمع الكتب في فقه أبي حنيفة لما يلزم معرفته من الحلال والحرام وبيان خمسة الأحكام، فيما يلزم من الإسلام. وكان شرحه (اللباب) من أوضح الشراح وأسلسها، وأصحها نقلًا وأدقها، فقد تلقاهما المسلمون على مذهب الإمام أبي حنيفة بالقبول ومنحوهما أكبر قسط من العناية والتقدير.
وقد وشحتهما بتقريرات موجزة متفرقة في أخص ما يلزم معرفته بجانبهما للطالب المبتدىء من بعض ما وقع فيه الخلاف واختلفت فيه الأدلة وتعددت وجهات النظر وكثر فيه القيل والقال أحيانًا بين مقلدي المذاهب فاحتاج إلى بعض
1 / 3
البيان عن وجهة نظر المذهب أو غيره ومكانتها من التوفيق إن كانت، حتى يألف الطالب هذا النمط من الدراسة ثم يعنى به حق العناية فذلك أحرى أن يجعل المنفعة على بينة من الأمر.
وكل مذاهب الأئمة خير، ويزيد الناس إيمانًا بها أن يتعرفوا أصولها، ومآخذ أحكامها وهذه كلمة نحن مضطرون إلى إيجازها على هذا النحو حتى لا يطول منا مجال الاسترسال فيما لا مجال للخوض فيه اليوم.
والله ولي التوفيق والرعاية
محمود النواوي
1 / 4
كتاب الطهارة
- قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ .
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
(الطهارة لغة) النظافة. وشرعًا: النظافة عن النجاسة: حقيقية كانت وهي الخبث، أو حكمية وهي الحدث. وتنقسم بالإعتبار الثاني إلى الكبرى واسمها الخاص الغسل، والموجب له الحدث الأكبر، وإلى الصغرى واسمها الخاص الوضوء، والموجب له الحدث الأصغر. وبقي نوع آخر - وهو التيمم - فإنه طهارة حكمية يخلفهما معا ويخلف كل منهما منفردًا عن الآخر.
وقدمت العبادات على غيرها اهتمامًا بها؛ لأن الجن والإنس لم تخلق إلا لها، وقدمت الصلاة من بينها؛ لأنها عمادها، وقدمت الطهارة عليها لأنها مفتاحها وقدمت طهارة الوضوء لكثرة تكرارها.
قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ افتتح رحمه الله تعالى كتابه بآية من القرآن على وجه البرهان استنزالًا لبركته وتيمنًا بتلاوته، وإلا فذكر الدليل - خصوصًا على وجه التقديم - ليس من عادته
1 / 5
ففرض الطهارة: غسل الأعضاء الثلاثة، ومسح الرأس، والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل؛ والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية؛ لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي
ــ
(ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة) يعني الوجه واليدين والرجلين، وسماها ثلاثة وهي خمسة؛ لأن اليدين والرجلين جعلا في الحكم بمنزلة عضوين كما في الآية، جوهرة (ومسح الرأس) بهذا النص (١) هداية. والفرض لغة: التقدير، وشرعا ما ثبت لزومه بدليل قطعي لا شبهة فيه، كأصل الغسل والمسح في أعضاء الوضوء، وهو الفرض علمًا وعملًا، ويسمى الفرض القطعي، ومنه قول المصنف: "فرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس" وكثيرا ما يطلق الفرض على ما يفوت الجواز بفوته كغسل ومسح مقدار معين فيها، وهو الفرض عملًا لا علمًا ويسمى الفرض الإجتهادي، ومنه قوله: "والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية" وحد الوجه: من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن طولًا وما بين شحمتي الأذنين عرضًا (والمرفقان) تثنية مرفق - بكسر الميم وفتح الفاء، وعكسه - موصل الذراع في العضد (والكعبان) تثنية كعب، والمريد به هنا هو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق، وهو الصحيح، هداية (يدخلان في الغسل) على سبيل الفرضية. والغسل: إسالة الماء: وحد الإسالة في الغسل: أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما، وعند أبي يوسف يجزئ إذا سال على العضو وإن لم يقطر، فتح، وفي الفيض: أقله قطرتان في الأصح. اهـ، وفي دخول المرفقين والكعبين خلاف زفر. والبحث في ذلك وفي القراءتين في "أرجلكم" قال في البحر: لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك (والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية) أي مقدم الرأس (وهو الربع) وذلك (لما روى المغيرة ابن شعبة) رضي الله تعالى عنه: (أن النبي
_________
(١) النص وهو الآية الكريمة وهي تفيد افتراض الغسل والمسح لهذه الأعضاء وإن كان تحديد المسح في الرأس يبينه حديث المغيرة الآتي على ما سيذكر المصنف والشارح
1 / 6
ﷺ "أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه (١) ".
وسنن الطهارة:
ــ
ﷺ أتى سباطة) بالضم: أي كناسة (قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه) والكتاب مجمل في حق المقدار، فالتحقق بيانا به؛ وفي بعض الروايات: قدره أصحابنا بثلاث أصابع من أصابع اليد؛ لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح هداية. قال في الفتح: وأما رواية جواز قدر الثلاثة الأصابع - وإن صححها بعض المشايخ، نظرًا إلى أن الواجب إلصاق اليد، والأصابع أصلها؛ ولذا يلزم بقطعها دية كل اليد، والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل، وهو المذكور في الأصل - فيحمل على أنه قول محمد؛ لما ذكر الكرخي والطحاوي عن أصحابنا أنه مقدار الناصية، ورواه الحسن عن أبي حنيفة ويفيد أنها غير المنصور رواية قول المنصف - يعني صاحب الهداية - "وفي بعض الروايات"
(وسنن الطهارة) السنن. جمع سنة، وهي لغة: الطريقة مرضية كانت أو غير مرضية (٢) وفي الشريعة: ما واظب عليه النبي ﷺ مع الترك أحيانًا.
_________
(١) قال الكمال في الفتح؛ إن هذا الحديث مجموع من حديثين رواهما المغيرة، أحدهما ما رواه مسلم عنه أنه ﷺ توضأ ومسح بناصيته وعلى الخفين. والآخر رواه ابن ماجة عنه أنه ﷺ أتى سباطة قوم فبال قائمًا. والقدوري ليس مخطئًا، لأن كلا من الحديثين من رواية المغيرة. ولقائل أن يقول ولم لا يجوز أن تكون كل منهما واقعة غير الأخرى، وإن كان الاستدل صحيحًا وكان يمكن الإقتصار فيه على رواية مسلم فتأمل.
(٢) الدليل على أن لفظ السنة يطلق في اللغة العربية على الطريقة مطلقا سواء أكانت مرضية أم لم تكن - هو قوله صلوات الله وسلامه عليه. "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"
1 / 7
غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا استيقظ المتوضئ من نومه،
ــ
فتح واللام في "الطهارة" للعهد. أي الطهارة المذكورة، وتعقيبه الفرض بالسنن يفيد أنه لا واجب للوضوء، وإلا لقدمه (١) (غسل اليدين) إلى الرسغين؛ لوقوع الكفاية به في التنظيف، وقوله (قبل إدخالهما الإناء) قيد اتفاقي، وإلا فيسن غسلهما وإن لم يحتج إلى إدخالهما الإناء، وكذا قوله (إذا استيقظ المتوضئ من نومه) على ما هو المختار من عدم اختصاص سنية البداءة بالمستيقظ (٢)، قال العلامة قاسم في تصحيحه: الأصح أنه سنة مطلقًا نص عليه في شرح الهداية، وفي الجوهرة هذا شرط وقع اتفاقًا؛ لأنه إذا لم يكن استيقظ وأراد الوضوء السنة غسل اليدين، وقال نجم الأئمة في الشرح؛ قال في المحيط والتحفة: وجميع الأئمة البخاريين أنه سنة على الإطلاق. اهـ. وفي الفتح: وهو الأولى؛ لأن من حكى وضوءه ﷺ قدمه؛ وإنما يحكي ما كان دأبه وعادته، لا خصوص وضوئه الذي هو على نوم، بل الظاهر أن إطلاعهم على وضوئه عن غير النوم، نعم مع الاستيقاظ
_________
(١) يريد أن يقول: إن مرتبة الفرض أولى المراتب وإن مرتبة الواجب تأتي بعقيب مرتبة الفرض، وإن نظام التأليف يقتضي أن يبدأ المؤلف بأولى المراتب، ثم بما يليها، وهكذا وقد بدأ المؤلف فعلًا بالفروض، ثم انتقل إلى بيان السنن، فعلمنا من هذا الصنيع أنه ليس للوضوء واجبات، إذ لو كان له واجبات للزم أن يذكرها عقيب الفروض حتى يتم النظام.
(٢) اعلم أنه قد روي أن رسول الله ﷺ قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده) وظاهر هذا الحديث أن غسل اليدين إنما يكون سنة في حق من تيقظ من النوم، فأما من يكون يقظان قبل إرادة الوضوء وقد تأكد من نظافة يديه فلا يسن له ذلك، وكذلك ظاهر الحديث أنه إنما يسن غسل اليدين لمن يكون ماء وضوئه في إناء فهو يريد أن يغترف منه، فأما من لا يكون ماؤه في إناء كمن يتوضأ من صنبور فلا يسن له ذلك. وقد بين المؤلف ﵀ أن غسل اليدين سنة على كل حال: أي سواء أكان من يريد الوضوء قد استيقظ من منامه أم لم يكن، وسواء أكان يتوضأ من إناء أم لم يكن، وقد اعتذر عن قيد الاستيقاظ وقيد إدخال اليد في الإناء الواردين في الحديث بأنهما اتفاقيان لا يقصد بهما الإحتراز
1 / 8
وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح الأذنين،
ــ
وتوهم النجاسة السنة آكدة. اهـ (وتسمية الله تعالى في بتداء الوضوء) ولفظها المنقول عن السلف - وقيل عن النبي ﷺ (بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام) وقيل: الأفضل ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ بعد التعوذ، وفي المجتبى يجمع بينهما، وفي المحيط: لو قال: (لا إله إلا الله) أو (الحمد لله) أو (أشهد أن لا إله إلا الله) يصير مقيمًا للسنة، وهو بناء على أن لفظ (يسمى) أعم مما ذكرناه، فتح. وفي التصحيح: قال: في الهداية (الأصح أنها مستحبة) ويسمى قبل الاستنجاء وبعده، هو الصحيح. وقال الزاهدي: والأكثر على أن التسمية وغسل اليدين سنتان قبله وبعده. اهـ (والسواك) أي: الاستياك عند المضمضة، وقيل: قبلها، وهو للوضوء عندنا إلا إذا نسيه فيندب للصلاة، وفي التصحيح: قال في الهداية والمشكلات: والأصح أنه مستحب اهـ (والمضمضة) بمياه ثلاثًا (والاستنشاق) كذلك، فلو تمضمض ثلاثًا من غرفة واحدة لم يصر آتيًا بالسنة. وقال: الصيرفي يكون آتيًا بالسنة، قال: واختلفوا في الاستنشاق ثلاثًا من غرفة واحدة؛ قيل: لا يصير آتيًا بالسنة، بخلاف المضمضة؛ لأن في الاستنشاق يعود بعض الماء المستعمل إلى الكف، وفي المضمضة لا يعود؛ لأنه يقدر على إمساكه، كذا في الجوهرة (ومسح الأذنين) وهو سنة بماء الرأس عندنا هداية: أي لا بماء جديد، عناية. ومثله في جميع شروح الهداية والحلية والتتارخانية وشرح المجمع وشرح الدرر للشيخ إسماعيل، ويؤيده تقييد سائر المتون بقولهم "بماء الرأس" قال في الفتح: وأن ما روي أنه ﷺ "أخذ لأذنيه ماء جديدًا" فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب، توفيقا بينه وبين ما ذكرنا، وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ، كما لو انعدمت في بعض عضو واحد. اهـ. وإذا علمت ذلك ظهر لك أن ما مشى عليه العلائي في الدر والشرنبلالي وصاحب النهر والبحر تبعًا للخلاصة ومنلا مسكين - من أنه لو أخذ للأذنين ماء جديدًا فهو حسن - مخالف للرواية المشهورة التي مشى
1 / 9
وتخليل اللحية والأصابع، وتكرار الغسل إلى الثلاث. ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة،
ــ
عليها أصحاب المتون والشروح الموضوعة لنقل المذهب، وتمام ذلك في حاشية شيخنا رد المحتار رحمه الله تعالى. (وتخليل اللحية) وقيل: هو سنة عند أبي يوسف جائز عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن السنة إكمال الفرض في محله. والداخل ليس بمحل له، هداية. وفي التصحيح: وتخليل اللحية وهو قول أبي يوسف ورجحه في المبسوط (والأصابع) لأنه إكمال الفرض في محله، وهذا إذا كان الماء واصلًا إلى خلالها بدون التخليل، وإلا فهو فرض (وتكرار الغسل) المستوعب في الأعضاء المغسولة (إلى الثلاث) مرات (١)؛ ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به، قيدت بالمستوعب لأنه لو لم يستوعب في كل مرة لا يكون آتيًا بسنة التثليث، وقيدت الأعضاء المغسولة لأن الممسوحة يكره تكرار مسحها.
(ويستحب للمتوضئ) المستحب لغة: هو الشيء المحبوب، وعرفًا قيل: هو ما فعله النبي ﷺ مرة وتركه أخرى، والمندوب: ما فعله مرة أو مرتين، وقيل: هما سواء، وعليه الأصوليون، قال في التحرير: وما لم يواظب عليه مندوب ومستحب، وإن لم يفعله بعدما رغب فيه اهـ. (أن ينوي الطهارة) في ابتدائها
_________
(١) أخرج البخاري عن ابن عباس ﵄ أنه قال: (توضأ رسول الله ﷺ مرة مرة) وأخرج البخاري أيضًا (أن النبي ﷺ توضأ مرتين مرتين) وتضافرت الروايات على أنه ﷺ (توضأ ثلاثًا ثلاثًا) ومعنى هذا أنه صلوات الله عليه وسلامه توضأ في بعض الأحايين مرة مرة، يعني يغسل وجهه ويستوعبه مرة واحدة، ويغسل يديه ويستوعبهما مرة واحدة، وهكذا. وأنه توضأ في بعض الأحايين مرتين مرتين. يعني يغسل وجهه مرتين يستوعب غسله في كل مرة منهما، وهكذا، وأنه توضأ في أغلب الأحيان ثلاثًا ثلاثًا، على معنى أنه غسل وجهه ثلاث مرات يستوعب غسله في كل مرة منها وهكذا، وقوله ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به محل نظر لأن الإتباع هو المطلوب
1 / 10
ويستوعب رأسه بالمسح، ويرتب الوضوء، فيبدأ بما بدأ الله تعالى بذكره وبالميامن.
[نواقض الوضوء]
- والمعاني الناقضة للوضوء: كل ما خرج من السبيلين، والدم والقيح والصديد
ــ
(ويستوعب رأسه بالمسح) بمرة واحدة (ويرتب الوضوء فيبدأ بما بدأ الله تعالى به) ويختم بما ختم به، قال في التصحيح: قال نجم الأئمة في شرحه: وقد عد الثلاثة في المحيط والتحفة من جملة للسنن، وهو الأصح، وقال في الفتح: لا سند للقدوري في الرواية ولا في الدراية ولا في جعل النية والاستيعاب والترتيب مستحبًا غير سنة، أما الدراية فنصوص المشايخ متضافرة على السنة، ولذا خالفه المصنف في الثلاثة وحكم بسنتيها بقوله "فالنية في الوضوء سنة" ونحوه في الأخيرين، وأما الدراية فسنذكره إن شاء الله تعالى، وقيل: أراد يستحب فعل هذه السنة للخروج من الخلاف؛ فإن الخروج عنه مستحب اهـ. وتمامه فيه (و) البداءة (بالميامن) فضيلة. هداية وجوهرة، أي مستحب.
(والمعاني) جمع معنى، وهو الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها اللفظ، فإن الصورة الحاصلة في العقل من حيث إنها تقصد باللفظ تسمى معنى كذا في تعريفات السيد (الناقضة للوضوء) أي المخرجة له عن إفادة المقصود به، لأن النقض في الأجسام إبطال تركيبها، وفي المعاني إخراجها عن إفادة ما هو المقصود بها (كل ما) أي: شيء (خرج من السبيلين) أي: مسلكي البول والغائط، أعم من أن يكون معتادًا أولًا، نجسًا أولًا، إلا ريح القبل، لأنه اختلاج لا ريح، والمراد بالخروج من السبيلين مجرد الظهور، لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة، فيستدل بالظهور على الإنتقال، بخلاف الخروج في غيرهما فإنه مقيد بالسيلان، كما صرح به بقوله (والدم والقيح) وهو: دم نضج حتى ابيض وخثر (والصديد)
1 / 11
إذا خرج من البدن فتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير (١)، والقيئ إذا كان ملء الفم،
ــ
وهو: قيح ازداد نضجا حتى رق (إذا خرج من البدن فتجاوز) عن موضعه (إلى موضع يلحقه حكم التطهير)، لأنه بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها، فتكون بادية لا خارجة، ثم المعتبر هو قوة السيلان، وهو: أن يكون الخارج بحيث يتحقق فيه قوة أن يسيل بنفسه عن المخرج إن لم يمنع منه مانع، سواء وجد السيلان بالفعل أو لم يوجد، كما إذا مسحه بخرقة كما خرج، ثم وثم. قيد بالدم والقيح احتزازًا من سقوط لحم من غير سيلان دم كالعرق المديني فإنه لا ينقض وأما الذي يسيل منه، إن كان ماء صافيًا لا ينقض. قال في الينابيع: الماء الصافي إذا خرج من النفطة لا ينقض. وإن أدخل أصبعه في أنفه فدميت أصبعه: إن نزل الدم من قصبة الأنف نقض، وإلا لم ينقض. ولو عض شيئًا فوجد فيه أثر الدم - أو استاك فوجد في السواك أثر الدم لا ينقض مالم يتحقق السيلان. ولو تخلل بعود فخرج الدم على العود لا ينقض. إلا أن يسيل بعد ذلك بحيث يغلب على الريق اهـ. جوهرة (والقيئ) سواء كان طعامًا أو ماءً أو علفًا أو مرة بخلاف البلغم فإنه لا ينقض، خلافًا لأبي يوسف في الصاعد من الجوف، وأما النازل من الرأس فغير ناقض اتفاقا (إذا كان ملئ الفم) قال في التصحيح: قال في الينابيع: وتكلموا في تقدير ملء الفم، والصحيح إذا كان لا يقدر على إمساكه. قال الزاهدي:
_________
(١) يستدل الأحناف لمذهبهم في نقض الوضوء بالدم السائل ونحوه بحديث الوضوء من كل دم سائل.
قال في الفتح رواه الدارقطني من طريق ضعيف، ورواه ابن عدي في الكامل عن آخر وقال لا نعرفه إلا من حديث أحمد بن قروخ، وهو ممن لا يحتج به ولكنه أيده بأشياء، منها حديث السيدة فاطمة فراجعه واحتجوا للقيء والرعاف بحديث من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف، وليتوضأ، وليبين على صلاته ما لم يتكلم. وذكر طرفه صاحب الفتح بما تعيد صحة الاستدلال به، والله أعلم
1 / 12
والنوم مضطجعًا أو متكأً أو مستندًا إلى شيءٍ لو أزيل عنه لسقط، والغلبة على العقل بالإغماء، والجنون، والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود.
ــ
والأصح ما لا يمكنه الإمساك إلا بكلمة اهـ. ولو قاء متفرقًا بحيث لو جمع يملأ الفم فعند أبي يوسف يعتبر اتحاد المجلس، وعند محمد اتحاد السبب: أي الغثيان، وهو الأصح، لأن الأحكام تضاف إلى أسبابها كما بسطه في الكافي.
ولما ذكر الناقض الحقيقي عقبه بالناقض الحكمي فقال: (والنوم) سواء كان النائم (مضطجعًا) وهو: وضع الجنب على الأرض (أو متكأً) وهو: الإعتماد على أحد وركيه (أو مستندًا إلى شيء) أي: معتمدًا عليه لكنه بحيث (لو أزيل) ذلك الشيء المستند إليه (لسقط) النائم، لأن الاسترخاء يبلغ نهايته بهذا النوع من الاستناد، غير أن السند يمنع من السقوط، بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها وهو الصحيح، لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء، هداية. وفي الفتح: وتمكن المقعدة مع غاية الاسترخاء لا يمنع الخروج؛ إذ قد يكون الدافع قويًا خصوصًا في زمننا لكثرة الأكل فلا يمنعه إلا مسكة اليقظة اهـ. (والغلبة على العقل بالإغماء) وهو: آفة تعتري العقل وتغلبه (والجنون) وهو: آفة تعتري العقل وتسلبه، وهو مرفوع بالعطف على الغلبة، ولا يجوز خفضه بالعطف على الإغماء لأنه عكسه (والقهقهة) وهي: شدة الضحك بحيث يكون مسموعًا له ولجاره، سواء بدت أسنانه أو لا، إذا كانت من بالغ يقظان (في كل صلاة) فريضة أو نافلة، لكن (ذات ركوع وسجود (١» بخلاف صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، فإنه لا ينتقض وضوءه، وتبطل صلاته وسجدته، وكذا الصبي والنائم.
_________
(١) الدليل على انتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة ما رواه أبو معبد الخزاعي قال: بينما رسول الله ﷺ في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية، فاستضحك القوم، فقهقوا، فلما انصرف ﷺ قال: (من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة) ولما كان القياس يقتضي ألا تنتقض الطهارة بالقهقهة، وكان هذا الحديث يترك القياس بمثله اقتصرنا على ما ورد الحديث فيه، وهو القهقة في صلاة ذات ركوع وسجود، لأن كل شيء ورد على خلاف ما يقتضيه القياس يقتصر به على ما ورد فيه ولا يتجاوزه
1 / 13
وفرض الغسل:
المضمضة، والاستنشاق، وغسل سائر البدن.
وسنة الغسل: أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه، ويزيل النجاسة إن كانت على بدنه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة
ــ
(وفرض الغسل) أراد بالفرض ما يعم العملى. والغسل - بالضم - تمام غسل الجلد كله، والمصدر الغسل - بالفتح - كما في التهذيب. وقال في السراج يقال: غسل الجمعة، وغسل الجنابة، بضم الغين، وغسل الميت، وغسل الثوب، بفتحها، ومنابطه أنك إذا أضفت إلى المغسول فتحت، وإلى غيره ضممت اهـ (المضمضة؛ والاستنشاق، وغسل سائر البدن) أي: باقية، مما يمكن غسله من غير حرج كأذن وسرة وشارب وحاجب وداخل لحية وشعر رأس وخارج فرج، لا ما فيه حرج كداخل عين وثقب انضم وكذا داخل قلفة، بل يندب على الأصح، قاله الكمال.
(وسنة الغسل: أن يبتدئ المغتسل) أي: مريد الإغتسال (فيغسل) أولًا (يديه) إلى الرسغين، كما تقدم في الوضوء (وفرجه) وإن لم يكن به خبث (ويزيل نجاسة) وفي بعض النسخ (النجاسة) بالتعريف، والأولى أولى (إن كانت على بدنه) لئلا تشيع (ثم يتوضأ وضوءه) أي: أي كوضوئه (للصلاة) فيمسح رأسه
1 / 14
إلا رجليه، ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا، ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه.
ــ
وأذنيه ورقبته (إلا رجليه) فلا يغسلهما، بل يؤخر غسلهما إلى تمام الغسل، وهذا إذا كان في مستنقع الماء أما إذا كان على لوح أو قبقاب أو حجر فلا يؤخر غسلهما، جوهرة، وفي التصحيح: الأصح أنه إذا لم يكن في مستنقع الماء يقدم غسل رجليه (١) اهـ
(ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا) مستوعبا في كل مرة، بادئا بعد الرأس بشقه الأيمن ثم الأيسر وقيل: يختم بالرأس. وفي المجتبى والدرر: وهو الصحيح، لكن نقل في البحر أن الأول هو الأصح وظاهر الرواية والأحاديث، قال: وبه يضعف تصحيح الدرر (ثم يتنحى عن ذلك المكان (٢» إذا كان في مستنقع الماء (فيغسل رجليه) من أثر الماء المستعمل وإلا فلا يسن إعادة غسلهما.
_________
(١) اعلم أنه لا خلاف بين علماء الشريعة في أنه يجوز للمغتسل أن يغسل رجليه في الوضوء الذي يندب تقديمه على الغسل، سواء أكان واقفا في مستنقع ماء أم لم يكن، ومستنقع الماء هو المكان الذي يجتمع فيه ماء الغسل. وإنما الخلاف بينهم في الأولى له، فذهب جماعة إلى أن الأولى أن يقدم غسل رجليه مع الوضوء مطلقًا، وبه أخذ الشافعي، وهو ظاهر إطلاق الكنز والدر وغيرهما، وهو أيضًا ظاهر حديث رواه البخاري في صفة غسله ﷺ وفيه (فتوضأ وضوءه للصلاة) ومنهم من ذهب إلى أن الأولى أن يؤخر غسلهما مطلقًا، ومنهم من فصل كالمصنف فقال: إن كان المغتسل واقفًا في مكان يجتمع فيه الماء كالطشت يؤخر غسل رجليه وإلا قدمه، وجزم بهذا صاحبو الهداية والمبسوط والكافئ، أو هذا هو الأوفق؛ لأن فيه جمعًا بين الأدلة المختلفة الظاهر.
(٢) يتنحى عن المكان: أي يبتعد عنه
1 / 15
وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل إذا بلغ الماء أصول الشعر.
والمعاني الموجبة للغسل: إنزال المني على وجه الدفق والشهوة، من الرجل والمرأة، والتقاء الختانين
ــ
(وليس) يلازم (على المرأة أن تنقض) أي: أي تحل ضفر (ضفائرها في الغسل) حيث كانت مضفورة، وإن لم يبلغ الماء داخل الضفائر، قال في الينابيع: وهو الأصح ومثله في البدائع، وفي الهداية: وليس عليها بل ذوائبها، وهو الصحيح، وفي الجامع الحسامي: وهو المختار، وهذا (إذا بلغ الماء أصول الشعر) أي منابته، قيد بالمرأة لأن الرجل يلزمه نقض ضفائره، وإن وصل الماء إلى أصول الشعر. وبالضفائر لأن المنقوض يلزم غسل كله، وبما إذا بلغ الماء أصول الشعر لأنه إذا لم يبلغ يجب النقض.
(والمعاني الموجبة الغسل إنزال) أي: أي انفصال (المني) وهو ماء أبيض خاثر ينكسر منه الذكر عند خروجه تشبه رائحته رائحة الطلع رطبا ورائحة البيض يابسا (على وجه الدفق) أي: أي الدفع (والشهوة) أي: اللذة عند انفصاله عن مقره، وإن لم يخرج من الفرج كذلك، وشرطه أبو يوسف، فلو احتلم وانفصل منه بشهوة فلما قارب الظهور شد على ذكره حتى انكسرت شهوته ثم تركه فسال بغير شهوة: وجب الغسل عندهما، خلافًا له، وكذا إذا اغتسل المجامع قبل أن يبول أو ينام ثم خرج باقي منيه بعد الغسل وجب عليه إعادة الغسل عندهما، خلافًا له، وإن خرج بعد البول أو النوم لا يعيد إجماعًا (من الرجل والمرأة) حالة النوم واليقظة (والتقاء الختانين (١» تثنية ختان، وهو موضع القطع من
_________
(١) لقوله ﷺ: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل، رواه بن أبي شيبة بهذا اللفظ، ولا فصل فيه بين أن ينزل وألا ينزل، فكان دليلًا على وجوب الغسل بالتقائهما مطلقًا
1 / 16
من غير إنزال، والحيض والنفاس.
وسن رسول الله ﷺ الغسل للجمعة والعيدين والإحرام.
وليس في المذى والودي غسل، وفيهما الوضوء.
والطهارة من الأحداث:
ــ
الذكر والفرج: أي محاذاتهما بغيبوبة الحشفة، قال في الجوهرة: ولو قال: "بغيبوبة الحشفة في قبل أو دبر" كما قال في الكنز؛ لكان أحسن وأعم، لأن الإيلاج في الدبر يوجب الغسل، وليس ختانان يلتقيان، ولو كان مقطوع الحشفة يجب الغسل بإيلاج مقدارها من الذكر اهـ. ولو (من غير إنزال) لأنه: سبب للإنزال وهو متغيب عن البصر فقد يحفى عليه لقلته فبقام مقامه لكمال السببية (والحيض، والنفاس) أي: الخروج منهما، فما داما باقيين لا يصح الغسل.
(وسن رسول الله ﷺ الغسل للجمعة والعيدين، والإحرام) بحج أو عمرة، وكذا يوم عرفة للوقوف. قال في الهداية: وقيل هذه الأربعة مستحبة وقال: ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف، وهو الصحيح؛ لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها، وفيه خلاف الحسن اهـ.
(وليس في المذي) وهو: ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة، وفيه ثلاث لغات: الأولى سكون الذال، والثانية كسرها مع التثقيل، والثالثة الكسر مع التخفيف، ويعرب في الثالثة إعراب المنقوص. مصباح (والودي) وهو: ماء أصفر غليظ يخرج عقيب البول وقد يسبقه، يخفف ويثقل. مصباح (غسل و) لكن (فيهما الوضوء) كالبول.
(والطهارة من الأحداث) أل فيه للعهد؛ أي الأحداث التي سبق ذكرها من الأصغر والأكبر وكذا الأنجاس بالأولى، فقيد الأحداث اتفاقي، وليس للتخصيص،
1 / 17
جائزةٌ بماء السماء والأودية والعيون والآبار وماء البحار.
ولا تجوز بما اعتصر من الشجر والثمر، ولا بماءٍ غلب عليه غيره وأخرجه عن طبع الماء،
ــ
إلا أنه لما ذكر الطهارتين احتاج إلى بيان الآلة التي يحصلان بها (جائزة بماء السماء) من مطر وثلج وبرد مذابين (والأودية) جميع واد، وهو: كل منفرج بين جبال أو آكام يجتمع فيه السيل (والعيون) جمع عين، وهو لفظ مشترك بين حاسة البصر والينبوع وغيرهما، والمراد هنا الينبوع الجاري على وجه الأرض (والآبار) جمع بئر، وهو: الينبوع تحت الأرض (والبحار) جمع بحر، قال الصحاح: البحر خلاف البر، سمي بحرًا لعمقه واتساعه، والجمع أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. اهـ. ولعل المصنف جمعه ليشمل ذلك، ولكن إذا أطلق البحر يراد به البحر الملح.
(ولا تجوز) أي لا تصح الطهارة (بما اعتصر) بقصر "ما" على أنها موصولة، قال الأكمل: هذا المسموع (من الشجر والثمر) وفي تعبيره بالاعتصار إيماء بمفهومه إلى الجواز بالخارج من غير عصر كالمتقاطر من شجر العنب، وعليه جرى في الهداية، قال: لأنه خرج بغير علاج، ذكره في جوامع أبي يوسف. وفي الكتاب إشارة إليه حيث شرط الاعتصار اهـ. وأراد بالكتاب هذا المختصر، لكن صرح في المحيط بعدمه، وبه جزم قاضيخان: وصوبه في الكافي بعد ذكر الأول بقليل،
وقال الحلبي: إنه الأوجه وفي الشرنبلالية عن البرهان: وهو الأظهر. واعتمده القهستاني (ولا بماء) بالمد (غلب عليه غيره) من الجامدات الطاهرة (فأخرجه) ذلك المخالط (عن طبع الماء) وهو الرقة والسيلان، أو أحدث له اسمًا على حدة، وإنما قيدت المخالط بالجامد؛ لأن المخالط إذا كان مائعا فالعبرة في الغلبة: إن كان موافقًا في أوصافه الثلاثة كالماء المستعمل فبالأجزاء، وإن كان مخالفًا فيها كالخل فبظهور أكثرها، أو في بعضها فبظهور وصف، كاللبن يخالف في اللون والطعم، فإن ظهر أو أحدهما منع، وإلا لا. وزدت "أو أحدث له اسمًا على حدة"
1 / 18
كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلا والمرق وماء الزردج.
وتجوز الطهارة بماء خالطه شيءٌ طاهرٌ فغير أحد أوصافه كماء المد والماء الذي يختلط به الأشنان والصابون والزعفران.
ــ
لإخراج نبيذ التمر ونحوه فإنه لا تجوز الطهارة به ولو كان رقيقا مع أن المخالط جامد، فاحرص على هذا الضابط فإنه يجمع ما تفرق من فروعهم. وقد مثل المصنف للأصلين اللذين ذكرهما على الترتيب فقال: (كالأشربة): أي المتخذة من الأشجار والثمار كشراب الريباس والرمان، وهو مثال لما اعتصر، وقوله (والخل) صالح للأصلين؛ لأنه إن كان خالصًا فهو مما اعتصر من الثمر، وإن كان مخلوطًا فهو مما غلب عليه غيره بحدوث اسم له على حدة (وماء الباقلاء) تشدد فتقصر وتخفف فتمد، وهي الفول: أي إذا طبخت بالماء حتى صار بحيث برد وثخن (والمرق) لحدوث اسم له على حدة (وماء الزردج) - بزاي معجمة وراء ودال مهملتين وجيم - وهو ما يخرج من العصفر المنقوع فيطرح ولا يصبغ به. مغرب. قال في التصحيح: والصحيح أنه بمنزلة ماء الزعفران، نص. عليه في الهداية، وهو اختيار الناطفي والسرخسي اهـ.
(وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء) جامد (طاهر فغير أحد أوصافه) الثلاثة ولم يخرجه عن طبع الماء، قال في الدراية: في قوله "فغير أحد أوصافه" إشارة إلى أنه إذا غير اثنين أو ثلاثة لا يجوز التوضؤ، وإن كان المغير طاهرًا، لكن صحت الرواية بخلافه، كذا عن الكردي اهـ. وفي الجوهرة: فإن غير وصفين فعلى إشارة الشيخ لا يجوز الوضوء، لكن الصحيح أنه يجوز، كذا في المستصفى، وذلك (كماء المد): أي السيل، فإنه يختلط بالتراب، والأوراق والأشجار، فما دامت رقة الماء غالبة تجوز به الطهارة وإن تغيرت أوصافه كلها، وإن صار الطين غالبًا لا تجوز (والماء الذي يختلط به الأشنان والصابون والزعفران) ما دام باقيًا على رقته وسيلانه؛ لأن اسم الماء باق فيه، واختلاط هذه الأشياء لا يمكن الاحتراز
1 / 19
وكل ماءٍ وقعت فيه نجاسةٌ لم يجز الوضوء به، قليلًا كان أو كثيرًا؛ لأن النبي ﵊ أمر بحفظ الماء من النجاسة؛ فقال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة (١) ". وقال ﵊: "إذا استيقظ
ــ
عنه، فلو خرج عن طبعه أو حدث له اسم على حدة - كأن صار ماء الصابون أو الأشنان ثخينًا أو صار ماء الزعفران صبغًا - لا تجوز به الطهارة.
(وكل ماء وقعت فيه نجاسة لم يجز الوضوء به) لتنجسه (قليلا كان) الماء (أو كثيرًا) تغيرت أوصافه أو لا، وهذا في غير الجاري وما في حكمه كالغدير العظيم؛ بدليل المقابل (لأن النبي ﷺ أمر بحفظ الماء من النجاسة) بنهيه عن ضده؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده فقال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) يعني الساكن (ولا يغتسلن فيه من الجنابة) وقد استدل القائلون بنجاسة الماء المستعمل بهذا الحديث حيث قرن الاغتسال بالبول. وأجيب بأن الجنب لما كان يغلب عليه نجاسة المنى عادة جعل كالمتيقن (وقال ﷺ أيضا: (إذا استيقظ
_________
(١) مذهب الإمام مالك أن الوضوء يجوز ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه لحديث الماء طهور الخ. قال في الفتح ولا يصح الاستدلال به على الحصر وبيانه فيه. وقال الشافعي إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا كما هو نص الحديث فلا ينجس إذا كان قلتين والحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر.
وأجيب بأن الحديث مضطرب في سنده وفي متنه فروى قلتين وروى قلتين أو ثلاثة وروى أربعين قلة والاضطراب يوجب الضعف. وكذا معنى القلة لأنه لفظ مشترك بين الجرة والقربة ورأس الجبل.
استدل الحنفية بحديث الصحيحين: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه وناقشهم الكمال في ذلك الاستدلال فراجعه
1 / 20
أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده".
وأما الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسةٌ جاز الوضوء منه، إذا لم ير لها أثرٌ؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء. والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر.
ــ
أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الماء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده) يعني لاقت محلًا طاهرًا أو نجسًا، ولولا أن الماء ينجسن بملاقاة لليد النجسة لم تظهر للنهي فائدة.
(وأما الماء الجاري) وهو: ما لا يتكرر استعماله، وقيل: ما يذهب بتبنة، هداية. وقيل: ما يعده الناس جاريًا، قيل: هو الأصح فتح، وفيه: وألحقوا بالجاري حوض الحمام إذا كان الماء ينزل من أعلاه والناس يغترفون منه حتى لو أدخلت القصعة أو اليد النجسة فيه لا يبخس اهـ. (إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها): أي للنجاسة (أثر) من طعم أو لون أو ريح (لأنها لا تستقر مع جريان الماء) قال في الجوهرة: وهذا إذا كانت النجاسة مائعة، أما إذا كانت دابة ميتة: إن كان الماء يجري عليها أو على أكثرها أو نصفها لا يجوز استعماله، وإن كان يجري على أقلها وأكثره يجري على موضع طاهر وللماء قوة فإنه يجوز استعماله إذ لم يوجد للنجاسة أثر اهـ. (والغدير) قال في المختار: هو القطعة من الماء يغادرها السيل اهـ. ومثله الحوض (العظيم): أي الكبير، وهو (الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر) وهو قول العراقيين، وفي ظاهر الرواية: يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى، قال الزاهدي: وأصح حده، ما لا يخلص بعضه إلى بعض في رأى المبتلى واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه، وهو الأصح عند الكرخي
1 / 21