قَالَت عَائِشَة ﵂: " وَلَقَد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم عَنهُ وَإِن جَبينه يتفصد عرقا، إِلَى غير ذَلِك من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على تغير حَاله عِنْد نزُول الْوَحْي عَلَيْهِ [ﷺ] .
وَلَا وَجه إِلَى الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَو كَانَ عَالما بعدالته وَصدقه قبل ذَلِك - مَعَ أَن الْعَدَالَة صفة زَائِدَة على الْإِسْلَام وَهِي مرتبَة عَلَيْهِ وَيشْتَرط إظهارها - لم يسْأَله عَن إِسْلَامه، لِأَن الْعلم بِالْعَدَالَةِ مَشْرُوط بِالْعلمِ بِالْإِسْلَامِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَن إِسْلَامه وَلم (يسْأَل) عَن عَدَالَته دلّ أَن ظُهُور الْإِسْلَام هُوَ الْمُعْتَبر فِي قبُول الْخَبَر دون الْعَدَالَة.
فَإِن قيل: إِنَّمَا قبل النَّبِي [ﷺ] خَبره لِأَنَّهُ أخبر بذلك حِين أسلم، وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت طَاهِرا من كل فسق بِمَثَابَة من علم إِسْلَامه حِين / بُلُوغه، وَإِسْلَام من هَذَا حَاله (عَدَالَة)، فَإِذا تطاول أمره لم يعلم بَقَاؤُهُ على الْعَدَالَة.
قيل لَهُ: إِذا ثبتَتْ عَدَالَته عِنْد بُلُوغه وإسلامه فَالظَّاهِر بَقَاؤُهَا إِلَى أَن يثبت مَا يغيرها، ثمَّ إِن الله ﷾ أَمر بالتثبت عِنْد مَجِيء الْفَاسِق بالنبأ بقوله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وَلم يَأْمر بالتثبت عِنْد مَجِيء مَشْهُور الْعَدَالَة وَلَا عِنْد مَجِيء مستورها، فَمَا لم يقم دَلِيل من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع أَو اعْتِبَار (صَحِيح) يُوجب رد خَبره وَإِلَّا وَجب قبُوله.
فَهَذَا نوع من أَنْوَاع الحَدِيث قبلناه، وأوجبنا الْعَمَل بِهِ، وَتَركنَا الْقيَاس من
1 / 44