154

لورکا شاعر اندلس

لوركا شاعر الأندلس

ژانرونه

وفي اليوم التالي، يتلقى لوركا خطاب تهديد غريبا، كان الخطاب يحتوي على اقتباسات من تصريحات أدلى بها الشاعر، ونشرت في صحيفة «الحامي» الغرناطية التقدمية (وقد احتجبت بعد نجاح الانقلاب في غرناطة بالطبع)، ويصفه كاتب الخطاب بأنه «كلب حقير وخطر».

وإزاء ذلك كله، ملأ الأسرة خوف مفاجئ على الشاعر من أن ينجح حساده في توريطه مع معارضي النظام الجديد أو المشبوهين، وجلس أفرادها يتداولون في أفضل حل يمكن اتخاذه لحماية لوركا في ظل هذه الظروف التي لا يأمن أحد على نفسه ... وبرز حلان: إما أن يحاول الشاعر الهرب متخفيا إلى ما وراء خطوط قوات الانقلاب، إلى أقرب مكان يسير عليه الجمهوريون، وإما أن يلتجئ إلى بيت صديق من الموالين للانقلاب، يمكن أن يبسط عليه حمايته، واختار لوركا الحل الثاني، خاصة وأنه كان على صلة جيدة جدا بأحد أفراد أسرة «روساليس»، التي يشترك أربعة من أبنائها في «الفالانج»، والذين أصبحوا من أصحاب الحل والربط في ظل الوضع الجديد، وكان ذلك الصديق هو «لويس روساليس»، السياسي والشاعر الشاب الذي سبق أن نشر ديوانا باسم «أبريل»، والذي كان يعتبر نفسه من حواريي لوركا شعريا، ويهب «لويس » لنجدة صديقه، ويصطحبه للإقامة معه في منزله.

ويقيم لوركا في منزل أسرة «روساليس»، التي تتكون من الأب والأم وابنة وعدد كبير من الأبناء، منهم لويس وخوسيه وأنطونيو وميجيل، وكلهم من العاملين في «الفالانج»، وكانت بالمنزل أيضا خالة للأولاد هي الخالة «لويسا»، وتقيم في الطابق الثاني من المنزل، وحيث أعدت الأسرة غرفة لوركا، ومنذ انفجار الانقلاب في غرناطة، انشغل أفراد الأسرة من أعضاء «الفالانج» في عمليات تثبيت دعائم النظام الجديد والقضاء على أعدائه.

ويعتاد لوركا محل إقامته الجديد، كعادته دائما في سرعة الألفة مع الأشياء، على الرغم من غموض الموقف، وتردد الأنباء عن عمليات التطهير المستمرة في المدينة وأرباضها، ويقضي الشاعر وقته في التهام الكتب التي يجدها في مكتبة أسرة «روساليس» العامرة، وسرعان ما تطفو شخصية الشاعر الأصيلة الطفولية للعيان، فيعزف للخالة «لويسا» على البيانو، بل ويشرع مرة أخرى في مواصلة العمل في مشاريعه الأدبية، من إجراء بعض التنقيحات على مسرحية «بيت برناردا ألبا»، إلى التفكير في ديوان جديد تحدث عنه إلى الخالة بعنوان «حديقة الأغاني».

وكانت علاقة الشاعر المباشرة بمن في المنزل من أفراد العائلة، هي مع لويس والخالة لويسا أكثر منها مع أي فرد آخر، وكان لويس يزوره كل مساء بعد عودته من خطوط القتال، ويتناقشان معا في الحالة والأخبار، وقص عليه لويس كيف سيطروا على غرناطة وأرباضها، وكيف انتهت مقاومة الأفراد الذين التجئوا إلى حي «البيازين» ... ولكنه أخفى عنه خبرا مؤلما، هو إعدام عديله العمدة السابق لغرناطة بعد قليل من سقوط البيازين، في 3 أغسطس 1936م.

ولكن أشد الفواجع إيلاما تأتي دون تحسب، فبعد أن اطمأن الشاعر، أو كاد، إلى ابتعاده عن الخطر الداهم، وقعت الواقعة.

الجريمة كانت في غرناطة

في الخامسة من بعد ظهر 18 أغسطس، وكان رجال الأسرة «روساليس» كلهم غائبين عن المنزل، يدق جرس الباب، ويتقدم أحد الأشخاص - هو بالتحديد «رامون رويث ألونصو» سالف الذكر - يطلب اصطحاب لوركا! وتحاول سيدة المنزل الاحتجاج، ولكن «ألونصو» يصر على أنه لا خطأ في الأمر، وأن لوركا مطلوب في مبنى المحافظة .

وتتضارب الأقوال في ظروف القبض على لوركا في منزل عائلة «روساليس»، إذ يشهد ألونصو نفسه - وهو لا يزال على قيد الحياة الآن - بأنه قد ذهب هناك لاستدعاء الشاعر بناء على أمر من نائب المحافظ، وبعد أن اصطحب معه «خوسيه روساليس» نفسه، ولكن شهودا آخرين يؤكدون أن «ألونصو» قد ذهب إلى المنزل، يصحبه عدد كبير من الجنود المسلحين، الذين أحاطوا بالمنزل وبالطرق المجاورة لمنع أية إمكانية لهرب الشاعر! ويؤكد «إيان جيبسون» في كتابه الموثق عن مصرع لوركا، وفترة الرعب التي شهدتها غرناطة في 1936م، إن أكثر الروايات مصداقية عن ذلك هي رواية «ميجيل روساليس»، ويحكي «ميجيل» أنه حين وصلت التجريدة المسلحة للقبض على لوركا، لم يكن في المنزل أي من رجال الأسرة، فرفضت الأم تسليم لوركا لألونصو، وأصرت على أن يذهب أولا إلى ميجيل ليخبره بذلك، ويذهب ألونصو لميجيل في قيادة «الفالانج» حيث كان يعمل، ويبرز له أمرا من المحافظة بالقبض على لوركا، ويعود «ميجيل» معه إلى المنزل حيث يصطحبان لوركا معهم إلى مبنى المحافظة، بعد أن تأكد ميجيل من عبث أي اعتراض أو جدال أو مقاومة، موقنا بإمكانية شرح الموضوع للمحافظ نفسه وحله معه.

وحين يصلون إلى مبنى المحافظة، ويجدون المحافظ متغيبا، ويتم إيداع لوركا في إحدى حجرات الاحتجاز انتظارا لوصوله ... وحين يعلم الشاعر الصديق «لويس» بأمر اعتقال صديقه، يطير إلى مبنى المحافظة حيث يحرر مذكرة بالموضوع أمام نائب المحافظ، ويبرر فيها في نفس الوقت الأسباب التي دعته إلى استضافة لوركا في بيته، ويحكي «لويس» عن مواجهة حدثت بينه وبين «رويث ألونصو» عند تحرير المذكرة، قال فيها «ألونصو» أنه قبض على لوركا تحت مسئوليته الخاصة، متهما إياه بأنه قد سبب أضرارا بشعره أكثر مما سببه غيره من أضرار بأفعالهم!

ناپیژندل شوی مخ